السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واجب التربية يبدأ من مرحلة اختيار الزوجة المناسبة لرعاية أولادها

28 يوليو 2011 21:08
تربية الأولاد أمانة في أعناق الآباء والأمهات، وهي مسؤولية عظيمة تحمل قدراً كبيراً من المشقة، ولكنّ ما من عمل أعظم في حياة المؤمن من أن يربِّي أولاده، فهم ثمرة قلبه، واستمرار وجوده، وإنّ الأب الذي ينهمك بعمله ليحقِّقَ نجاحاً خارج البيت، فيهمل أولاده، سيشعر بعد فوات الأوان أنه خسر خسارةً كبيرةً، وأنَّه ضيَّع أثمن ما في وجوده وهم أولاده، لأن الابن يحتاج إلى انتباه شديد وهو في سنٍ صغيرة، ويحتاج إلى وقتٍ مديد، ويحتاج إلى رعاية ومراقبة وتوجيه. ولكن عندما يرى الإنسان ابنه كما يتمنى سيشعر بسعادة وأيما سعادة! ومن أجل ذلك حضّ الإسلام على تربية الأبناء، وأوصانا بهم، فقال: “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً”، أوصانا أن نربِّيهم ونهذِّبهم ونعلِّمهم ونرعاهم وننشِّئهم تنشئة طاهرة، حتى نأخذ بيدهم إلى شاطئ الأمان”.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يمكن للأب أن يفعله تجاه أولاده؟ وما الواجبات التي ينبغي أن يقوم بها؟ إنَّ بإمكان الأب أن يفعل كلَّ شيء، ولكن عليه أن يشمِّر عن ساعد الجِدّ، ويتبع المنهج الإلهي، الذي خطّه الله - سبحانه وتعالى - في كتابه، وعلمنا إياه رسول الله عليه الصلاة والسلام. ويبدأ واجب التربية من مرحلة اختيار الزوجة المناسبة، التي تصلح لتربية أولادها، جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر سيدنا عمر ابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوقٌ على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي؟ قال: أن ينتقي أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلِّمه الكتاب، فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك! أما أمي فإنها زنجيةٌ كانت لمجوسي، وقد سماني جُعْلاً - أي خنفساء -، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال له: أجئت تشكو عقوق ابنك، لقد عققته قبل أن يعقَّك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك. وقد أشار النبي إلى المعالم الأساسية في اختيار الزوجة، فقال: “تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ”، وأما الواجب الثاني فهو: التعوُّذ بالله من الشيطان قبل اللقاء الزوجي، وقد وردت في هذا الموضوع أحاديث كثيرة، منها قوله: “لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ”، أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر، وليس المراد أنَّ هذا الابن سيكون معصوماً عن المعصية. ومن واجبات الآباء تجاه أبنائهم أن يتخيَّروا لهم الأسماء الحسنة ذكوراً وإناثاً، ففي الحديث الشريف: “إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم”، لكن بعض الآباء قد يسمون أبناءهم بالأسماء القبيحة، ظناً منهم بأنَّ هذه الأسماء تقي أبناءهم من الأمراض أو من الموت... وهذا كله كلام لا أساس له من الصحَّة، وقد يطلق بعضهم على أبنائهم أسماء مستوردة، لا تمتّ لعاداتنا وقيمنا بأي صلة، وهذا لا يليق بالمسلم أساساً، فالمطلوب هو الاسم الحسن الذي يحمل معنى وقيمة، فإنْ لم يكن الوالدان يحسنان الاختيار، ففي المكتبات عشرات الكتب ومئات المعاجم، وفيها ما فيها من الأسماء والمعاني التي يمكن من خلالها اختيار الاسم المناسب للمولود، لأنّ هذا الاسم سوف يكون عَلَماً على هذا الوليد في حِلِّه وترحاله، وفي كل نشاطاته، وقد أكّدت الدراسات أنّ الاسم الحسن يخلّف في النفس أثراً إيجابياً ووقعاً طيباً، وكلّ مسمّى له من اسمه حظ ونصيب. وقد ورد عن النبي قوله: “إنّ أحب أسمائكم إلى الله عزَّ وجل عبد الله وعبد الرحمن”، وفي حديث آخر يقول النبي: “تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله تعالى، وأصدقها حارثٌ وهمام، وأقبحها حربٌ ومرَّة”، وكان يبدِّل أحياناً الأسماء التي لا تليق بكرامة الإنسان، فعن سعيد بن المسيب بن حَزْن عن أبيه أنه جاء النبيَ فقال: “ما اسمك؟” قال: حَزْن، فقال: “أنت سهل”، قال: لا أغير اسماً سمَّانيه أبي! قال ابن المسيِّب: فَمَا زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ. والحزونة غلظ الوجه وشيءٌ من القساوة، وجاءت امرأة إلى النبي، قال: ما اسمكِ؟ قالت: أنا عاصية. فقال لها: “بل أنتِ جميلة”. وجاءته أخرى اسمها برَّة، فقال لها: “أنتِ زينب”. ومن الواجبات أيضاً أن يربي الوالدان أولادهم التربية الصالحة؛ لأنّ الصبي أمانةٌ عند والديه، وهو كالعجينة التي يمكن تشكيلها كيفما نريد، فإن عُوِّد الولد على الخير نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه أبواه في ثوابه، وإن عُوِّد الشر، شقي وهلك، وشاركه أبواه وكل من ساهم في هلاكه بالوزر، وهذا يفرض على الوالدين تربية أبنائهم وتهذيبهم، وتعليمهم محاسن الأخلاق، وحفظهم من قُرَناء السوء، ومراقبتهم مراقبة جيدة، وتأديبهم بآداب الإسلام، كآداب اللباس والطعام والشراب.. وغير ذلك، وإن فعل أحد الأبناء ما يستوجب المدح، فينبغي أن يُكرَّم، ويُثنى عليه أمام الناس، وإن أخطأ في بعض أحواله، فلا ينبغي انتقاده انتقاداً صارخاً أمام الناس، بل ينبغي التغافل عنه؛ لأن التغافل عن الأخطاء القليلة حكمةٌ تربويَّة كبيرة، فإن كرر الخطأ ثانيةً عُوتب عتاباً رقيقاً.. ولكن قبل أن يُعلّم الأب أولاده أيّ أدب، عليه أن يسأل نفسه: هل هو في مستوى هذا القول؟ لأنّ الازدواجيَّة في شخصية الإنسان هي الطامَّة الكبرى في هذا العصر، وهي التي فصلت الإسلام عن الحياة، روى عبد الله بن عامر قال: جاء النبي إلى بيتنا، وأنا صبيٌ صغير، فذهبت لألعب، فقالت لي أمي: يا عبد الله تعالَ أعطيك، فقال: “ما أردتِ أن تعطيه؟”، قالت: تمراً، فقال عليه الصلاة والسلام: “أما إنكِ لو لم تفعلي ذلك لكُتبت عليكِ كذبة”. وكما ينبغي أن يعلّم الوالدان أبناءهم العلوم الدينية والآداب الإسلامية، عليهم أن يعلِّموهم أيضاً العلوم النافعة والهوايات المفيدة، فقد ورد في الحديث: “حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية، وألاَّ يرزقه إلا طيّباً”، ولا يقصد النبي بالسباحة مدلولها الخاص، بل العام؛ لأن هذه الرياضة تحرِّك كل عضلات الجسم، فكأنه ذكر هذا النوع، وأراد به كل أنواع الرياضة، التي تبني الجسم بناء قوياً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©