الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الثمن الباهظ للبراعة والحرفنة

الثمن الباهظ للبراعة والحرفنة
29 أغسطس 2006 00:36
إعداد - عدنان عضيمة: كثيرة هي الأشياء النادرة التي نراها أو نقتنيها من دون أن ندري أن قصصاً وحكايات مثيرة تقف وراء تصميمها وإخراجها إلى حيّز الوجود· ثم إن الكثير من القطع الفنية النادرة تنطوي على ما يشبه المعجزات الابتكارية؛ وهي تجسّد أرقى مفهوم لتعريف الآلة الذي اتفق عليه الفلاسفة منذ العصور الوسطى من أنها (تنظيم ذهني بارع للأشياء التي نملكها)· فكيف يمكن لإنسان أن يشكّل من 30 جراماً من صفائح الفولاذ عدّاداً للزمن (ساعة) لا يكاد يفوقه من حيث دقة الأداء أي شيء آخر؟· ونحن هنا بصدد واحدة من هذه القصص الإبداعية التي تثبت أن دماغ أي إنسان يحتكم إلى قدرات ذهنية على الإبداع والاختراع لا تحدها حدود ولا يمكن تقديرها بأية طريقة؛ فلقد تمكنت صحفية بريطانية تدعى ماريا باولتون وتعمل محررة في الشؤون التكنولوجية بصحيفة (ذي تايمز)، من زيارة أحد كبار المبدعين البريطانيين في فن صناعة وتركيب الساعات على النمط الكلاسيكي القديم· يدعى هذا الرجل المسنّ جورج دانييلز، ويوصف بأنه أعظم ساعاتي في العالم على الإطلاق؛ وهو يكتفي باستخدام بعض العدد والأدوات البسيطة ليسجّل بها مآثره الحرفية، ومنها سكين فولاذي صغير ومبرد وآلة صغيرة لتقطيع وتشكيل الصفائح الفولاذية· واكتفى دانييلز باحتلال ركن من أركان بيته في ضاحية بلدة ''إيسل أوف مان'' في إحدى ضواحي لندن· وكان دانييلز قد احتفل الصيف الماضي بعيد ميلاده الثمانين وأقام بهذه المناسبة معرضاً عمومياً ضم 30 قطعة من أندر الساعات الكلاسيكية المستديرة والمحمولة بالسلاسل بالإضافة إلى أغلى ساعات المعصم· وتقول ماريا أن دانييلز تمكن من بناء 50 ساعة بمساعدة شاب متمرن يعمل عنده، وتم إطلاقها في حوانيت التحف النادرة تحت اسم ''سلسلة ميلينيوم''· وكل من هذه الساعات يتطلب صنعها 2500 ساعة عمل، أي بمعدل سنة كاملة للساعة الواحدة بمعدل ساعات عمل يومية تبلغ 8 ساعات وبافتراض تعطيل العمل ليوم واحد في الأسبوع· وتبرز قدرته الحرفية في مبدأ يعتمده في ورشته الصغيرة يقول: (كل قطع هذه الساعات من دون استثناء هي من صنع ورشتنا)· وهو لا يحتاج إلى كمبيوتر أو أية أجهزة إلكترونية حتى ينتج ساعاته بهذه الدقة العجيبة، بل يعتمد في ضبطها الطرق الفلكية التقليدية التي كانت تتبع منذ بداية اختراع عدادات الزمن· واليوم توجد القطع التي صنعها دانييلز ضمن المقتنيات النادرة لكبار هواة الفنون الحرفية الكلاسيكية· وهو يفتخر بقصص إخراج كل واحدة من هذه الساعات فيروي عن كل منها الحكايات والنوادر؛ ولا غرابة في ذلك طالما أنه يقضي مع كل منها سنة كاملة من العمل الدؤوب· ويروي في هذا الصدد أنه باع في نيويورك ساعة واحدة من سلسلة ''مارتن برادلي'' بسعر 20770 جنيهاً استرلينياً (أكثر من 100 ألف درهم)· ويقول أحد المتابعين لسيرة دانييلز ويدعى جوناثان داراكوت: (لو دققت النظر في طريقته التقليدية في العمل فلن تجد أبرع منه بعد رائد صناعة الساعات في التاريخ كله أبراهام لويس بورجيه الذي توفي عام 1823؛ وهو يحاكيه تماماً في أسلوب العمل والتنفيذ· ولا شك أن الكثير من الحرفيين المتخصصين في هذا المجال تمكنوا من بناء ساعات رائعة من حيث التصميم الهندسي والشكل العام، إلا أن دانييلز برع في تحميل ساعاته بكم وافر من جماليات الفن الكلاسيكي بالإضافة الى انه هو الذي ابتدع فكرة تفيد بأن من الممكن إضفاء الجمال على الحركات الرتيبة للزنبركات والتروس)· وتنطوي أفكار دانييلز على فلسفة نادرة تفيد بأن تحقيق المزيد من الدقة في صنع المقاييس هو أمر لا نهاية له؛ بمعنى أن الدقة المطلقة لا يمكن بلوغها أبداً، بل يمكن الاقتراب منها أكثر وأكثر· ومن المبادىء الأخرى التي يلتزم بها دانييلز هي أن الخصوصية التي ينبغي أن تنطوي عليها التحف النادرة تحتّم عدم تكرار الموديل الواحد من الساعات على الإطلاق، ولهذا فإن كل واحدة من الساعات التي يصنعها تعد تحفة متفرّدة لا نظير لها ولا شبيه· وتذكر الروايات عن دانييلز أنه ولد في حي يقع شمالي لندن؛ وكان في صغره مغرماً بطريقة عمل الآلات الدقيقة؛ ويحكى أنه كان شديد الاهتمام بمراقبة آلة الخياطة التقليدية التي كانت تستعملها أمه· وبدأ حبه للساعات من النظرة الأولى عندما عمد إلى انتزاع ساعة الحائط في بيته وراح يفكها ويعيد تركيبها قطعة قطعة حتى استوعب طريقتها في العمل· وهو يرجع معظم الفضل في بلوغه هذه المرتبة الراقية من القدرة على الإبداع إلى تلك الساعة الحائطية· ولعل من أغرب فصول حياة دانييلز أنه بدأ حياته المهنية في القاهرة التي وصلها هرباً من ويلات الحرب العالمية الثانية حيث عمل هناك في مهنة تصليح الساعات ثم ما لبث أن غادرها إلى بيروت· وعاد بعد انتهاء الحرب إلى بريطانيا ليجد الطريق مفتوحاً أمامه لإثبات قدرته الفذّة على الابتكار·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©