الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلطان بن غافان يحكي عن تاريخ البحر وأسراره وكنوزه القديمة

سلطان بن غافان يحكي عن تاريخ البحر وأسراره وكنوزه القديمة
25 يوليو 2013 21:01
في أقدم منطقة بإمارة أم القيوين، بقيت أطلال مساكن كانت عامرة بالأفراح والمسرات والذكريات على شاطئ البحر الذي كثيراً ما كان يحل ضيفاً على أهل تلك المساكن حين تشتد الرياح وتعصف الأعاصير، وربما يصل إلى داخل الغرف البسيطة، التي كانت تعد فيما مضى أغلى وأجمل وأعز البيوت على أهلها. بين تلك البيوت المتهالكة مازال يوجد بيت سلطان بن خلفان بن غافان، الاختصاصي الاجتماعي، ابن البحر وموسوعة التراث. وهو ضيف دائم في البرامج الإذاعية والتلفزيونية ومحاضر شهير في التراث الإنساني والبيئي والمعماري والتراث البحري والبري بالإمارات. فقد ولد قرب البحر، وكانت طفولته في منطقة أم القيوين القديمة بفريج السوق، وقد تجولنا معه في تلك المنطقة التي تنبعث منها رائحة البحر، كما أخذنا إلى أول مدرسة تم افتتاحها في إمارة أم القيوين بدعم من حكومة الكويت، وكان يشرف عليها مكتب المعارف الكويتية. ولا يزال جزء من المدرسة باقياً، ربما يمكنك تخيل سماع أصوات الصغار والكبار، وحفيف أوراق كتبهم ودفاترهم التي تشهد على بدء المسيرة التعليمية في المنطقة. يحكي ابن غافان لنا ويقول «عندما كان الرجال من أجدادنا يخرجون في رحلات البحث عن اللؤلؤ، تبدأ معهم في البحر حياة أخرى منفصلة عن اليابسة، فكل شيء تم صنعه خصيصاً للبحر حتى أسماء السفن وألقاب البحارة، وكان صيد اللؤلؤ من أهم مصادر الرزق في الإمارات والمناطق المجاورة، وكان الناس يعتبرون هذا العمل بطولياً؛ لأنه يتطلب شجاعة وصبراً لما فيه من مخاطر وصعوبات. الغوص وأسراره وتختلف مسميات الغوص بحسب المدة الزمنية التي يقضيها البحارة في رحلاتهم، فالغوص الكبير الذي تشترك فيه أغلب السفن يستمر من يونيو إلى أكتوبر، أما الردة فهي رحلات قصيرة إلى الأماكن العميقة بعد انتهاء الغوص الكبير، وتستغرق شهراً أو أكثر، وبعد الردة تأتي الرديدة، وهذه التسمية مشتقة منها، وهناك غوص القحة في الهيرات القريبة، وهي المغاصات القريبة، ويصل عدد البحارة إلى أربعين بحاراً، ويحمل الغواصون معهم عدة الغوص، وهي الفطـام أو المشبك الذي يضعه الغواص على أنفه، حتى لا يدخل إلى جوفـه الماء حماية من الغـرق أثنـاء الغوص. كان الغواص بطلاً، حيث يبقى في قاع البحر العميق لجمع الأصداف معلقاً في قدمه الثقـل، وهو كتلة من الحجارة أو الرصاص يربطها في إحـدى رجليه لتعينـه أثناء عملية الهبـوط إلى أعماق البحر، وهو يخرج ويعود مرات عدة في اليوم الواحد. كما يرتدي الغواص ما يعرف باسم الشمشـول، وعادة يكـون من القماش السميك، كي يحمي جسده من قناديل البحر السامة أو تلك التي تسبب صعقات كهربائية. ويلبس أيضاً الخبـط، وهي مجموعة من الأغطية يضعها الغواص في أصابع يديـه أثنـاء جمع الأصـداف والمحـار في قاع البحـر تقيه من جروح المحار. كان الغواصون أيضاً يحملون معهم «الـدييـن»، وهو كيس يعلق في الرقبة لوضع ما تم جمعه من الأصـداف والمحار، ولا بد أن يكون هناك حبل بين الغواص والسيب، وعن طريقه يتم رفـع الغواص إلى ظهر السفينة بعد كل عملية غوص إلى أعماق البحر، ويكون عادة طويلاً حتى يمكن الغواص من التحرك بواسطته إلى مسافات بعيـدة عن السفينة. وقد كان الأجداد يحملون معهم كميات وفيرة من التمور والأرز، ويعيشون عليها وعلى السمك، بالإضافة إلى الكثير من القهوة. وكانت السفن هي المنزل الجماعي المتحرك للبحارة، وربما تكون ملكاً لأكثر من شخص أو ملكاً للنوخذة أو ربان السفينة نفسه. وكان يحسب للنوخذة ألف حساب بين رجال وأبناء المنطقة، وربما المناطق الأخرى، وهو الذي يتولى تمويل رحلة الغوص والتكفل بنفقـات البحارة، وهو الذي يتصرف في عائد الرحلة. وربما تعود ملكية سفينة الغوص إلى أحد تجار اللؤلؤ، الذي يتكفل بدوره بتكاليف الرحلة، فيحصد عائدها ويتصرف فيه بنفسه. وكان يقوم باستئجار سفينة الغوص من شخص، ويخصص له نصيباً محدداً من عائد رحلة الغوص. يقول ابن غافان عن السفن في تلك الفترة «كانت لدى أهلنا سفن بأحجام مختلفة وأسماء متعددة؛ لأن لكل نوع مهمة خاصة مختلفة، وكل السفن كانت تصنع محلياً، مثل الجالبوت، وكثيراً ما يستعمل في رحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ، أما السـبنوك فيستخدم في أسفار الغوص وصيد السمك». ويقال إن السنبوك في الأصل يعتبر من سـفن المصريين، ومن السفن المهمة أيضاً الشوعي، وهي سـفينة تصنع محلياً وتستخدم في أسفار الغوص وصيد السمك، وقد دخلت هذه التسمية في الإمارات عند نهاية الستينيات، والنوع الشائع لدينا اللنج، وهو من السفن التي لا نزال نسمع عنها أو نراها حتى الوقت الحاضر. ويضيف سلطان بن غافان أن السفن كانت محور حياة الإنسان الذي عاش معظم أيام عمره فيها قديماً، ومنها أطعم أهله أو بنى لنفسه ولأهله منزلاً من الكد والتعب على تلك السفن، متحملاً أهوال البحر، والأهل والأحباب ينتظرون عودته محملاً بالخير، ومنهم الصياد الذي يذهب كل يوم ليأتي بالأسماك الطازجة وتوزع على الأهل والأقارب والجيران. وكان ذلك يتم في ظروف صعبة للغاية حين يضطر الرجال للخروج إلى البحر، متجاهلين توسلات أهلهم بعدم دخول البحر لشدة العواصف والرياح، وكانت أصواتها شديدة بين جنبات البيوت البسيطة. وكان الصيادون يخرجون بسفن بلا محركات ولا حتى أدنى معدلات الأمن والسلامة المتعارف عليها الآن، فقط التوكل على الله. وربما كان الرجل منهم يخرج وهو يشعر بأنه قد لا يعود، ومع ذلك فإنه مضطر للمضي قدماً في خططه؛ لأنه بحاجة للغذاء، حسبما يقول ابن غافان. لقاءات رمضانية وعمل والد ابن غافان في مهنة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، وأيضاً الجد سعيد بن غافان الذي يعد من رواد الصيد، بالإضافة إلى الجد من ناحية الأم، راشد الطويل الذي يعد من رواد الغوص. أما المرأة قديماً، فقد كانت عماد الأسرة، وهي رائدة في بيتها ومنطقتها، وهي كل شيء بالنسبة للأسرة حتى بالنسبة لأسرة الزوج، فهي تنهل من شمائل أمها ومن بعد ذلك تنهل من صفات أم زوجها. وفي رمضان كان أهل أم القيوين يتجمعون في مجموعات حسب الحارات، فيلتقي كل عشرة رجال أو أكثر بجانب المسجد ليفطروا جماعياً، وكان كبير المنطقة ووجيهها وهو الشيخ عبدالعزيز بن ناصر المعلا، رحمة الله عليه، وكان منزله ملاصقاً للمسجد، فكان أهل البيت يبعثون الصبيان بأطباق الإفطار اللذيدة للرجال. كما يقوم كل رجل بجلب ولو طبق، حتى وإن كان فقيراً. وكان الشيخ عبدالعزيز بن ناصر المعلا تقياً، ويحب تطبيق السنة النبوية بأمانة؛ لذا كان يخبر الرجال بأن المؤذن قد يقدم أو يؤخر الأذان وقت الإفطار، ولذلك كان يبعث بأحد الشباب الأتقياء ليقف قرب الشاطئ ليشهد غروب الشمس في الأفق، ثم يعود مهرولاً ليخبرهم بأن يؤذن للإفطار. يقول ابن غافان، إن معظم الآباء والأمهات الذين تربوا على يد الأجداد من جيل الثلاثينيات والأربعينيات هم جيل متميز أيضاً، ولكن نحن نريد أن نحث الأهالي على أن يركزوا على السنع والأصالة والعادات التي تتبع في التعامل مع الآخرين، وأن لا يكون الأبناء مجرد شخصيات استهلاكية تحب الترفية والسفر’ ولا نريد أن تكون هناك شخصيات تعمل فقط لأجل الراتب’ ولكن أن تكون كل شخصية إماراتية متشربة بكل القيم التي فطر الله عليها المجتمع من نخوة وشهامة وعزة’ وأن يكون الإنسان بقدر المواقف التي يتعرض لها أو قدر نفسه عند الحاجة إليه’ وقد ارتقت تلك الأجيال التي ولدت في الخمسينيات والستينيات بمجتمع الإمارات’ رغم أن البعض لم تكن لديه أي شهادة’، ولكن كان الحب والوفاء وروح التضحية المحرك للعمل والبناء. ويضيف ابن غافان «في طفولتي، كنت العب مع بقية الأصدقاء مباشرة على البحر، وهو بالضبط كان أمام بيتنا، لدرجة أن موجات البحر الصغيرة كانت تصل إلينا، وفي هذه المساحة كانت ألعابنا وجلسات الأمهات وتجمعات الرجال، والبحر كان مثل النفس الذي يتردد في الرئة، وعندما كبرت أدخلت لأول مدرسة وهي مدرسة الأمير، نسبة إلى أمير الكويت عبدالله السالم الصباح، رحمة الله عليه، وعندما وصلت إلى الصف الثالث الابتدائي، توفي والدي فانضممت إلى صيادي السمك؛ لأجل أن أتعلم مثل بقية الشباب ولكي أكسب عيشي وكنت أكمل تعليمي أيضاً في الوقت ذاته، ولكن عندما وصلت إلى الصف الرابع المتوسط، وهو ما يعادل الصف التاسع الآن، تركت الدراسة كي أعمل في الجوازات في الديوان الأميري بأم القيوين، فكل من يقرأ أو يكتب كان يعتبر سنداً ومساهماً في البناء، وبقيت حتى عام 1972م، ولكن تلك الوظيفة لم تجعلن أتخلى عن البحر، حيث جمعت ذخيرة وخبرة عن الطقس، وكل ما يتعلق بالمناخ وأماكن الصيد وأمراض الأسماك’ لأني كنت أرافق كثيراً الأجداد من أهل البحر في أم القيوين». ويضيف «انتقلت بدءاً من عام 1968 وحتى عام 1970 للدراسة في المعهد الديني بإمارة عجمان، حتى حصلت على الثانوية العامة من خلال التعليم المسائي، وبعد ترك العمل في الديوان توظفت في وزارة الصحة في دبي، وكنت مصراً على مواصلة تعليمي، فكنت أعود من العمل في باص إلى أم القيوين، وبعد الغداء أذهب للتعليم والدراسة، ورغم ذلك حصلت على الثانوية بتفوق، وقد تقدمت بطلب إجازة دراسية لأكمل تعليمي الجامعي، وبعد التخرج عملت في قسم الخدمة الاجتماعية، واستطعت أن أنال تحويل من وزارة الصحة إلى وزارة التربية كاختصاصي اجتماعي». ويتملك الحنين إلى الماضي ابن غافان بقوة، لذلك أخذ عهداً على نفسه بأن يعمل على نشر الثقافة الخاصة بالتراث، وبقصص الماضي والمكان والأهل من ذاك الزمان. ويقول، إن أهل أم القيوين خبرة في البحر، وهم لا يزالون على عهدهم من التواصل مع البحر، ويمكن مشاهدة ذلك من خلال تجمعات صغيرة؛ لأن تلك التجمعات تسرد من خلالها عبارات الحنين والشوق إلى زمن الأجداد وهم يسافرون شهورا للغوص، ومازالت ترانيم وأهازيج وأصداء أصوات مشتاقة تصدر عن النهام الذي يسكن داخلي». النهمة النهمة هي أهازيج تواكب سير العمل في السفينة، وهي فن مقصور على البحر والبحارة، ويشمل نداءات وأهازيج من نوع اليامال والخطفة، وأدعية وابتهالات، ولا يستخدم فيها أي أدوات موسيقية، والهدف منها هو التخلص من الشوق والحنين إلى الديار، وبعث الحماس في نفوس الصيادين و تشجيعهم على العمل وبذل الجهد لتحقيق الصيد الوفير و العودة أو القفال، والنهمة تعبير عن آلام ومتاعب هذه المهنة وطلب العون من الله للتخفيف من مخاطرها». الدرور تعلم ابن غافان قراءة الأحوال الجوية من الأجداد عن طريق حساب «الدرور»، وهو من الحسابات الهامة والضرورية لأصحاب الزراعة وأهالي البحر من أجل تنظيم حياتهم اليومية بحثاً عن مصدر الرزق، وبـ «الدرور» استطاع الأهالي الاستمرار في الزراعة وتحسين محاصيلهم والمحافظة على الثروة الزراعية، كما ساعد هذا النوع من الحسابات البحارة في مواعيد خروجهم للصيد.
المصدر: أم القيوين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©