الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

قراءة في تجربة العراق بعد التغيير

30 أغسطس 2006 01:07
د· رسول محمد رسول: خاض العراق منذ أبريل 2003 تجربة جديدة من العمل الديمقراطي في ظل أجواء كانت دماء العراقيين خلالها مُراقةً على نحو بخس طالت أغلب شرائح المجتمع العراقي بعد أن تعرَّضت البلاد إلى أعمال عنف داخلي لم تشهد المنطقة العربية في القرن العشرين علائمه من ذي قبل سوى التجربة اللبنانية في القرن الماضي·· ورغم النجاحات التي حققها العراقيون على صعيد ترسيخ البناء الديمقراطي في بلادهم إلا أن تلك التجربة واجهت تحديات كبيرة جعلت من ولادتها عسيرة على كل أطراف المشهد الجديد بالعراق··فلماذا حُوصرت الديمقراطية في العراق؟ وما هي أطواق محاصرتها؟ كان العراق من بين دول عربية عدة قد فكَّر في الديمقراطية بوصفها طريقا للخلاص من الاستبداد الذي بات ينخر روح الأمة قبل جسدها بعد أن تعرّض إلى حملات إبادة من جهات عدة بعد سقوط بغداد عام 1258 ميلادية؛ من هيمنة إمبراطوريات متتالية إلى سيطرة استعمارية، وبالتالي إلى هيمنة حكومات تدّعي الوطنية جاءت من رحم الاستعمار البريطاني والأميركي تباعا· التركة شهد العراق نشوء أحزاب تدعو إلى الديمقراطية، ونتيجة لذلك نما الفكر الديمقراطي في العراق، لكن التطلُّع الديمقراطي ظل يواجه تحديات القهر السياسي والقمع الاستبدادي في ظل ما كانت تتعرّض له منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية من تداعيات، ومنها التداعيات التي انعكست على منطق السياسة الدولية تجاه الشرق العربي، وكان من ذلك ظهور الأنظمة السياسية الوطنية في أغلب الدول العربية، ومنها العراق، وهي أنظمة كان قادتها من العسكريين الذين انقضوا على الأنظمة السابقة في بلدانهم عن طريق الانقلاب العسكري وتحت مسمى الأنظمة الوطنية، لكنها لم تكن قد كرست الوطنية ولا الديمقراطية سوى أنها انقضَّت على الحرية والحوار لتكرس الاستبداد والانفراد بالسلطة، وفي العراق كان نظام صدّام ـ البكر قد انقضَّ على الإسلاميين السُّنة والشِّيعة، وبالتالي انقضَّ على اليسار العراقي من الشيوعيين والقوميين غير البعثيين، ومن ثم انقضَّ على ليبراليي العراق وديمقراطييه فأحال الحكم إلى نظام استبدادي قهري انفرادي لا مجال فيه إلا لديمقراطية التصويت مائة بالمائة للقائد الضرورة الذي ما جاء قبله قائد ولا بعده سلطان على غرار عدله وبسط قيادته الرشيدة، فترك للعراقيين في مطلع الألفية الجديدة تراثاً هائلاً من الاستبداد ظل مركوزاً في الوعي الجمعي العراقي كعبء ثقيل الشأن· لقد خلقت هذه التركة طبقة من العراقيين الذين استطابوا مقت الحرية والديمقراطية واستلذوا على نحو ساديٍّ بالاستبداد وتصريف أشكاله في المجتمع عن طريق العنف المسلَّح والدمار والقتل والإبادة لشرائح المجتمع على أسس جهوية تارة أو مصالح شخصية أو فئوية تارة أخرى· رحم الاستبداد لم يكن العراق هو البلد الوحيد في المنطقة العربية حظيرة للاستبداد، فأغلب الأنظمة العربية هي هكذا ولكن بنسب مختلفة، ولهذا يشترك العراق مع دول عربية عدة في هذا المنحى لأن رحم الاستبداد هو واحد ذاك الذي نمت فيه الأنظمة السياسية العربية، وخرجت من ظلماته القاتمة لتبسط تلك الظلمة على الآخرين· وعندما صار للعراق أن يكون بلدا ديمقراطيا، وبدواعٍ استعمارية جديدة (الاحتلال الأميركي الجديد للعراق) أيضا، فإن ذاك (الكل الاستبدادي) بقي مهيمناً على أجزائه في غير مكان بالمنطقة، وبدا أي تطلُّع ديمقراطي أو تكريس أي فعل ديمقراطي يرنو إليه أي جزء من أجزاء الوطن هو بمثابة الخروج على طاعة المستبد العربي في صورته الكلية المبسوطة على كيان الأمة، ولمّا كان المشروع الديمقراطي الجديد هو تحت مباركة الولايات المتحدة الأميركية، فإن دولا مجاورة عدة محيطة لا تستطيع أن تقول لا للديمقراطية الأميركية في العراق، وفي الوقت ذاته لا يروق لها أن تبقى مكتوفة الأيدي حيال ما يهدِّد استبدادها السلطوي، ولذلك عمدت إلى محاولة قتل الجنين الديمقراطي العراقي وهو يسعى لإطلاق صرخته الأولى في حياته الجديدة؛ وذلك عندما رحَّلت بعض ما تعانيه من مشكلات داخلية إلى العراق أو للتغطية على نظم استبدادها الداخلية أو فشلها في مواجهة التطرف الحاد الذي رحلَّت أطرافه إلى العراق للتخلص من غلوائه وأثره الكبير في دولها· لقد انتشرت في المجتمع العراقي تشكيلات ومجموعات نزيلة من الإرهابيين تحت مسمى الجهاد والوصول إلى الله عن طريق محاربة الكافر المحتل· واغلب تلك المجموعات جاءت من خارج الحدود الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، وكانت النسبة الغالبة من تلك المجموعات من أصل عربي، بعضها قدم من الدول العربية مباشرة وغيرها تسلل الحدود قادماً من أفغانستان وباكستان وقيرغستان والشيشان ودول أوروبية عديدة، وأغلبهم بالطبع من مسلمي العالم· فوجدوا في العراق مجالا لهم، كان الزرقاوي أنموذجاً حياً لكل أولئك، وكان البعثيون الصدّاميون والتكفيريون العراقيون نماذج حية مقابلة، بينما منحت نماذج أخرى من المتطرفين الإسلاميين الشِّيعة تلك التشكيلات مبرِّرات لأن تفاقم عنفها وتصريف خطابها على نحو دمويٍّ للصلاة على جسد العراق وروحه بعد تقطيع أوصاله المادية والقيمية· واشنطن·· والباعث الجذري ما كان الداخل العراقي المستبد على نحو دموي ولا المحيط العربي المُسقط لمشكلاته على العراق الجريح وكذا الإسلامي المُحاذي للعراق، هو فقط الذي يعطِّل الديمقراطية في العراق إنما كانت الدولة الراعية للتغيير الديمقراطي في بلاد الرافدين هي الأخرى كرست أعطالاً حالت دون أن تأخذ الديمقراطية طريقها إلى العراق بسلاسة ولو نسبية· فالباعث الجذري الذي اتخذه المحافظون الجُدد طريقا للتغير في العراق ما كان يجب أن يكون في عراق اعتاد الاستبداد الدموي، ومن ذلك ما كانت فكرة حل الجيش العراقي فكرة مناسبة، وما كانت حتى فكرة اجتثاث البعث مناسبة بالحجم الذي ظهرت فيه، وما كان على الأميركيين أن يجعلوا بين جنودهم من يفضح حرمة الجسد العراقي المهان، وبالمرة ما كان لهم أن يدخلوا العراق محرِّرين من دون عدة تحرير ناجحة وذات جدوى بأقل الخسائر الممكنة· مثَّلت كل تلك السياسات نسيجاً كرَّس بقدر ما فاقمَ إفراغ الديمقراطية المنشودة من مضامينها الواقعية المأمولة، نعم دفع الأميركيون العراقيين إلى الممارسة الديمقراطية، وتحصَّلوا على شيء منها ولكن بثمن غال فاق كل توقعات العراقيين الذين أحبوا الديمقراطية لاعتقادهم أنها طريق الخلاص من الاستبداد· لقد قطع العراق الجديد خطوات كبيرة على صعيد تكريس الديمقراطية والعمل الديمقراطي بين الناس في المجتمع، وإذا كانت صناديق الاقتراع التي شارك العراقيون فيها نظامهم السياسي الجديد قد عدت البادئة على طريق الديمقراطية المأمولة، فإن شعار (حكومة الوحدة الوطنية) يعد اليوم البوابة نحو مسار آخر على طريق تفعيل العمل الديمقراطي للخروج من أزمة ما تعرّض له المشروع الديمقراطي في العراق الجديد من أطواق عدة لمحاصرته ومن ثم ذبحه في معابد الإرهاب الدموي والاستبداد السياسي والمصالح العربية الضيقة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©