الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ديون اليونان بين التهوين والتهويل!

24 يوليو 2015 22:15
في الآونة الأخيرة، اكتسب عبء الدَّين اليوناني سمات أسطورية، وتحولت الأسئلة بشأن الرواية السائدة عنه إلى شكل من أشكال الهرطقة. وأنا، بدوري، دأبت على تكرار العبارة القائلة «حتى صندوق النقد الدولي، يعتبر الدَّين اليوناني غير قابل للاستدامة». مع ذلك، فإن هذا لا يمثل سوى نصف الحقيقة، ويمكن بالتالي أن يؤدي لتشويه السياسة المتبعة لحل أزمة هذا الدَّين. هذا التأكيد ورد في وثيقة صندوق النقد الدولي الصادرة في 26 يونيو الماضي، التي وصفها وزير المالية اليوناني السابق «يانيس فاروفاكيس» بأنها وثيقة «ممتعة في قراءتها». ولكنه مضى في أسلوبه المنمق للتأكيد بأنه «لم يحدث من قبل أبداً أن مؤسسة موثوقاً بها دافعت عن سياسات تصادمت من دون رحمة مع أبحاثها الخاصة.. ولم يحدث من قبل أبداً أن صندوق النقد الدولي قد اتفق، بناء على تحليل اقتصادي، مع حكومة سعى لتحطيمها». ولكن ورقة صندوق النقد الدولي، لم تتفق أيضاً مع التحليل الاقتصادي لحكومة رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس. وكل ما قالته هو أن إجراءات تلك الحكومة، قد أخرجت حزمة الإنقاذ التي تم تطبيقها عام 2012 عن مسارها الصحيح، وزادت من احتياجات اليونان المالية. وركزت تلك الورقة في معرض سردها لتلك الإجراءات التي قامت بها الحكومة اليونانية، على حقيقة أن تلك الحكومة لم تعمل على جمع ضرائب كافية، كما توقفت عن اتمام عمليات التخصيص، ما أدى في نهاية المطاف إلى تأخر تقدم الاقتصاد، عما كان مأمولًا. وعلى فاروفاكيس، وتسيبراس، ألا يحاولا كسب محللي صندوق النقد الدولي واعتبارهم حلفاء، حتى إذا ما انتهى الأمر بهؤلاء المحللين إلى المطالبة بتخفيف أعباء الدَّين اليوناني، لأن ذلك لن يجدي نفعاً، فالمسألة ببساطة هي أن صندوق النقد الدولي يعمل بموجب منطق مختلف، وإن كان في الوقت نفسه منطقاً سهل المساءلة. ويقول «جوليان شوماخر»، و«بياتريس ويدر دي ماورو» من جامعة «ماين» إن هناك إطارين محددين يستخدمها صندوق النقد الدولي في تحليلاته المتعلقة باستدامة المديونية: الأول، خاص بالدول الغنية نسبياً التي لديها قدرة على النفاذ للأسواق، والثاني، للدول الفقيرة التي لا تستطيع الاقتراض من الأسواق المالية. بالنسبة لليونان تم استخدام الإطار الخاص بالدول الغنية الذي يركز على مستويات الدَّين الاسمية، ومن هذا المنظور، فإن الدَّين اليوناني يبدو مهولًا، لأنه سيتجاوز وفق تقديرات الصندوق 200 ضعف ناتجها القومي الإجمالي خلال العامين المقبلين في حالة ما إذا تمت الاستجابة لاحتياجاتها التمويلية. والمشكلة المتعلقة بهذا الإطار، هي أن نموذج الدول الغنية لم تعد له علاقة باليونان على رغم نصيب الفرد فيها يعد مرتفعاً (26 ألف دولار سنوياً عام 2014)، وأن نموذج الدول الفقيرة ينطبق على الدول ذات الدخل المنخفض، الذي يقع ما دون 1,200 ألف دولار سنوياً. ويمكن الرد على هذا بالقول إن الحقائق الاقتصادية الأخرى الخاصة باليونان، ومنها نسبة البطالة التي تعدت 25,5، والقيود المصرفية المطبقة لديها، والتي لا تسمح لأي عميل مصرفي سوى بسحب 420 دولاراً فقط في الأسبوع، لا تؤهلها للبقاء كدولة غنية من العالم الأول، لأنها لا تملك الإمكانات والموارد الاقتصادية، ولا القدرة على النفاذ للأسواق، وهي أوضاع قد لا تمكنها من التعافي قبل مرور سنوات. ويضاف إلى ما سبق أن اليونان تتشارك مع الدول التي يطلق عليها صندوق النقد الدولي «الدول منخفضة الدخل في خاصية» محددة، وهي أن معظم الديون المستحقة عليها -79 في المئة تحديداً- مستحقة لدائنين من القطاع العام. ويرى شوماخر ودي ماورو أن بسبب هذه الملامح المتعلقة باليونان فإن إطار الدول المنخفضة الدخل الذي يركز على القيمة الحالية للدَّين قد يقدم صورة أكثر دقة عن وضعها المالي. وباستخدام معدل الخصم البالغ 5 في المئة الخاص بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قدرا أن القيمة الحالية الصافية للدين اليوناني هي 93 في المئة من الناتج القومي الإجمالي، و281 من الصادرات و213 من إيرادات الحكومة. ويرى الاثنان أن نسبة 213 في المئة مقارنة بالإيرادات الحكومية تقع ما دون عتبة الخطر المحددة من قبل صندوق النقد الدولي. وما يعنيه ذلك هو أن الدَّين اليوناني، وبمعايير الصندوق نفسه، ليس بالدَّين الذي لا يمكن تحمله من قبل الحكومة، التي يفترض أن ستقوم بسداده، حتى وإن كان يبدو أكبر من اللازم، مقارنة بأوضاع الاقتصاد المحلي. ولذا يتعين على الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، و«صندوق الإنقاذ المالي الأوروبي» والبنك المركزي الأوروبي، إلقاء نظرة مختلفة على إطاري الاستدامة المتعلقين بالدَّين، والاتفاق على أي منهما تحديداً يفضلونه، ومن ثم اقتراح الحل الملائم لأزمة الدَّين اليوناني، فما زال هناك وقت لذلك. ليونيد بيرشيدسكي * * كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©