السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

راينهارد كيفر يغوص في الواقع المعيشي للناس في أغادير

26 يوليو 2013 00:25
محمد نجيم (الرباط)- على شكل مذكرات رحالة، كتب الباحث والشاعر وعالم الأديان الألماني راينهارد كيفر انطباعاته وتأملاته عن مدينة أغادير المغربية، المدينة التى أحبها وخالط فيها ناسها البسطاء، وفيها ألف كتابه «مقهى موكا.. تأملات في أغادير» الكاتب كتب يومياته بحس شاعري مرهف، حيث يغوص المؤلف في الواقع المعيشي لأناس اقترب منهم وخالطهم. ولأن المغرب العربي، والمغرب بصفة خاصة، شكّل طيلة القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين، الوجهة السياحية المُفضلة للأدباء والمفكرين الألمان. جعلوا من ثقافته وأساليب العيش هناك، مادة لمؤلفاتهم وموضوعاً لأبحاثهم، غير أن هذا الاهتمام ما لبث أن عرف بعضاً من التراجع بسبب الاستعمار الفرنسي، وما ترتب عنه من تبعية سياسية واقتصادية لكل ما هو فرانكفوني. أضف إلى ذلك، ضعف انتشار اللغة الألمانية بين أوساط المثقفين المغاربة، الأمر الذي حال دون إطلاع هؤلاء على نتاجات الأدباء الألمان، وما يكتبونه عن بلادهم، ويقول مُترجم الكتاب، محمد خلوق، إن المغرب أصبح اليوم يشكل أحد مواضيع الشعر والنثر الألمانيين، وعن طريق الترجمة بات ممكنا للقارئ المغربي الاطلاع عليها، خصوصاً مدينة أغادير في الجنوب التي حظيت في فترة حكم وليام الأول والثاني، بأهمية اقتصادية وسياسية قصوى دون أطماع استعمارية. ولد الشاعر والروائي راينهار كيفر والباحث في علم اللاهوت سنة 1956، يعيش اليوم بمدينة أخن. اتخذ من مدينة أغادير وطناً له. يزورها سنوياً ولمرات متعددة. يلحظ تطور المجتمع ويحوله إلى نصوص أدبية، مُوظفاً في ذلك مرجعيته المسيحية والألمانية. يضع المقارنة تلو المقارنة بين تجربته الخاصة بأغادير، وما ترويه وسائل الإعلام من جهة، وما تواتر إليه عن طريق حكايات ألف ليلة وليلة من أحكام مسبقة وصور نمطية في الغرب، من جهة ثانية يكتشف الثراء الثقافي والإبداعي لهذه المدينة التي قلما أدرك أصحابها قيمتها الحقيقية، هنا تبرز أهمية الآخر في التعرف على الذات، إذ حين يشير الآخر بأصبعه إلينا تحصل ردة الفعل. في كتابة «مقهى موكا» الصادر سنة 2003 والمتكون من مائة وأربعة عشر مقطعاً، قدم عصارة تجربته مع الواقع المعيش بمدينة أغادير، مستفيداً من حمولته الثقافية والمعرفية عن الشرق. ويرى المترجم أن الإقبال الذي حظي به هذا الكتاب لدى القارئ الألماني، جعل الحاجة تبدو ملحة إلى ترجمته إلى اللغة العربية، لكي يتمكن القارئ العربي والمغربي من الاطلاع على بعض من صورته لدى الآخر، وعلى الواقع الذي تخلفه ثقافته لدى النقاد والملاحظين وعامة الشعب هناك بهذه الطريقة فقط، يصبح ممكناً بناء جسور التواصل بين الثقافة الألمانية والمغربية، لأن العلاقة بين الثقافتين لا يجب أن تقتصر فقط على كل ما هو سياسي أو اقتصادي، بل يجب أن تتجاوزه لتشكّل كل ما هو فكري. اتخذ راينهارد كيفر من مقهى موكا فضاء لامس من خلاله حقيقة الواقع المغربي عن قرب، وسبر أغوار مرجعيته الثقافية. اظهر قدرة فائقة على فك رموز هذه الثقافة ونقلها إلى قرائه من الألمان، ليحصل على مادة مكثفة وإيحاءات لا تنضب، وظفها في قالب غني ومبدع من الحكايات عن المغرب. حين يترك صيرورة الأحداث والوقائع تمضي من حوله بانسياب دون التدخل أو تعديل، فإنه بذلك يحصل على احترام الجميع. ويرى المترجم أن راينهارد كيفر يدرك التمايز الثقافي والديني بين المرجعيتين. لا يربط الإسلام على غرار نظرائه من الأوروبيين بالتخلف وبأفكار ما قبل عصر التنوير، بل بالحكمة والعقلانية الكامنة في أعماقه. هذا الدين يعد أكثر انفتاحاً وتقدمية مما تلاحظه هنا في أغادير من مظاهر مادية واستهلاكية ذات أصول غربية، إنه يربط إيمانه بالفناء، وأن الحياة ماضية بما يعيشه من تجارب متغيرة في الواقع المغربي. بوصف شاعري، وإحساس بالغ الرقّة وبنفس سردي يصف لنا هاينهارد كيفر مقهى «موكا « بقوله «هناك بضع ساعات في اليوم ترغب دوماً في قضائها داخل مقهى موكا. كان يشعر بالانزعاج كلما وجد مكانه الذي اعتاد الجلوس فيه إلى أحد الأركان بجانب النافذة، محتلاً من قبل أحد الزبائن. بمجرد أن يقعد في إحدى الطاولات، يأتي النادل إليه حاملاً كوباً من القهوة. يتم هذا الأمر بتلقائية ودونما حاجة إلى فعل أي شيء أو إبداء أدنى إشارة. لا أحد هنا يكترث لوجوده. ربما لأنه ليس واحداً من سكان هذه المدينة، أو حتى واحداً من زوارها. لعله أصبح جزءاً من هذا المقهى كأي قطعة أثاث فيها». لينتقل بنا هاينهارد إلى قصبة أغادير الشامخة ليصفها بقوله «وأنت في القصبة، تطالعك صورة مقبرة دفن فيها ضحايا الزلزال الذي ضرب أغادير سنة 1960، حين تميل بناظرك قليلاً تجد الميناء، وغير بعيد عنه مصنع لتعليب السمك الذي يفسد هواء المكان بما يصدر عنه من روائح نتنة. تطالعك صورة مسجد من جهة أخرى، كلما رفع المؤذن صوته بالأذان إيذاناً بحلول وقت الصلاة. لتصل أخيراً بناظرك إلى البنايات الجديدة والمعاصرة التي شيدت مباشرة بعد الزلزال، وإلى شاطئ البحر الذي يمتاز بطول مسافته واتساع مساحته، مكتظاً بأفواج السياح وبممارسي لعبة كرة القدم». ولأن ثقافة المؤلف هي ثقافة دينية موسوعية، فنراه يقترب من ثقافتنا الصوفية، فيمنح للقارئ لحظات من التأمل في هذا الأثر الصوفي الزاخر بالمعرفة «يحكي الشاعر الفارسي المتصوف مولانا جلال الدين الرومي: خرج بعض النمل للتنزه فوق إحدى المخطوطات. لم ير بادئ الأمر فوق الصفحات غير ورود العيسلان والنرجس. اكتشف بعد مرور برهة من الزمن، أن ما كان يسحبه ورودا، لم يكن في حقيقة الأمر سوى حروف. بدأ يبحث في أصل هذه الكتابة. أيقن أنها نتاج لتفاعل الريشة بالحبر. لا، ليست الريشة سبباً مباشراً للكتابة، بل اليد التي تحركها. إلى هذه النتيجة انتهى به البحث. الآن فقط يمكنه معرفة الكاتب». كما لا يخلو الكتاب من تأملات تسلط الضوء على ديننا الحنيف بقوله: «الله نور. كما جاء في القرآن بتعابير مليئة بالأسرار. الله نور. مصباح. نافذة مضيئة. ضوء داخل زجاجة. نجم ساطع. نور يوقد من زيتونة. زيتونة لا شرقية ولا غربية. زيت شجرة يكاد يضيء لفرط قربه من النور. نور على نور كناية الله بالنور، تعكس استحالة الإحاطة بالذات الإلهية وفهم مكامنها، وأن الحديث عنه لا يتم إلا عبر تلك الصور غير القابلة للتأويل. من يكون هذا الإله الذي يحصر أمر معرفته وفهمه في صور وكلمات؟ كتب الفقيه الجرجاني: بقدر ما يكون إعمال العقل دقيقاً وواضحاً، بقدر ما سيستعصي عليك ويشعرك بعجزك الواضح، ليحيد عنك في نهاية المطاف».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©