الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثواب الصبر

ثواب الصبر
14 أغسطس 2014 20:05
أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ- حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا- إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»، (أخرجه البخاري). هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، في كتاب المرْضَى، باب ما جاء في كفارة المرض وقول الله تعالى: (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)، «سورة النساء: الآية 123». إن فضيلة الصبر من أعظم الفضائل، فالصبر نصف الإيمان، وما من فضيلة إلا وهو دعامتها، ومن المعلوم أن منزلة الصابرين عند الله من أشرف المنازل، وأسعد الناس من رُزق لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وجسداً على البلاء صابراً، وذلك هو المؤمن الكامل. وقد وردت آيات كثيرة من القرآن الكريم تحثّ على الصبر وتبين ثواب الصبر والصابرين منها: - قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة آل عمران: الآية 200». - وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُواْ بالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابرِينَ، «سورة البقرة: الآية 153» - وقوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، «سورة البقرة: الآية 155 - 157». - وقوله تعالى: (ألم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)، «سورة العنكبوت: الآية 1-3». كما وحثَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- على وجوب التحلي بخُلُق الصبر، لِمَا لَهُ من فضل كبير وثواب عظيم، من ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم: - عن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- «قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»، (أخرجه الترمذي). - وعن عطاء بن أبي رباح قال: «قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ. فَدَعَا لَهَا»، (أخرجه البخاري). - وعن أم سلمة- رضي الله عنها - قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا»، (أخرجه مسلم). - وعن صهيب الرومي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، (أخرجه مسلم). إن الصبر قيمة عظيمة وصفة كريمة من صفات الرسل الكرام - عليهم الصلاة والسلام-، كما أنه عنوان الإيمان الصادق وبرهانه، ومن المعلوم أن الإيمان نصفه شكر على النعماء، ونصفه صبر على البأساء والضراء، ومن الجدير بالذكر أن فضيلة الصبر تدل على أنّ صاحبها قد تحلى بضبط النفس، وثبات القلب، ورباطة الجأش، وصدق الإيمان، وكمال الرجولة، لأن أثقال الحياة وتكاليفها وأحداثها لا يطيقها الضعاف المهازيل، وإنما يطيقها أصحاب النفوس الكبيرة، لذلك فإن جزاء الصبر عطاء من الله بغير حساب في الآخرة، وهو في الدنيا ضياء في الأحداث، وثبات يُكَفّر الله به الذنوب، ويفتح باب الفرج القريب. أليس الصبر سلاح الطالب حتى ينجح، وعون التاجر حتى يربح، وعدة الزارع والصانع حتى تنمو ثروتهما، وملهم الباحث والعالم ليبلغ غايته؟ نعم: إنه الزاد لكل أبناء الأمة، حتى يكونوا اللبنات القوية التي تشد من أَزْرِ أمتهم، وتحقق لها الأمجاد، وتقيم صروح العزة والكمال. لقد اقتضت إرادته سبحانه وتعالى أن يختبر المؤمنين، ليميز الله الخبيث من الطيّب، وليظهر الحقَّ من الضلال، تلك سنَّة الله، ولن تجد لسنّة الله تبديلا، ومن المعلوم أن الحياة الدنيا دار ابتلاء واختبار، فمن سرَّه زمن ساءته أزمان، فالإنسان معرَّض للشدائد حيناً، والفرح والسرور حيناً آخر، وتلك هي سنة الحياة، كما في قوله تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، «سورة الأنبياء: الآية 35». والإنسان الذي يعمر الإيمان قلبه يلجأ إلى الله دائماً في السراء والضراء، يشكره على نعمائه ويسأله العون وتفريج الكروب فهو على كل شيء قدير، لأن ثقته بالله عظيمة، فالليل مهما طال فلا بدَّ من بزوغ الفجر، وأما غير المؤمن فيضعف أمام الشدائد، فقد ينتحر، أو ييأس، أو تنهار قواه، ويفقد الأمل لأنه يفتقر إلى النزعة الإيمانية، وإلى اليقين بالله. وما أظن عاقلاً يزهد في البشاشة أو مؤمناً يجنح إلى التشاؤم واليأس، وربما غلبت الإنسانَ أعراضٌ قاهرة فسلبته طمأنينته ورضاه، وهنا يجب عليه أن يعتصم بحبل الله كي ينقذه مما حلَّ به، فإن الاستسلام لتيار الكآبة بداية انهيار شامل في الإرادة، يطبع الأعمال كلها بالعجز والشلل. إن القنوط واليأس أمرٌ يفتك بالأمم، من هنا حارب الإسلام ذلك وأوجد البديل، حارب اليأس وأوجد الأمل، وحارب التشاؤم وأوجد التفاؤل، فالمؤمن يجب أن يكون متفائلاً بفرج الله، كما ورد عن تميم الداري، قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ «يعني أمر الإسلام» مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ، إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلامَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ»، (أخرجه أحمد). وكلمة ما بَلَغَ الليل والنهار في هذا الحديث الرائع، كلمة جامعة من خصائص البلاغة المحمدية، ولا أرى نظيراً لها في الدلالة على السعة والانتشار‍. فعلينا أن نكون متفائلين، وأن نثق بفرج الله، وأن نوكِّل الأمر لصاحب الأمر، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وإن الفجر آتٍ بإذن الله، ورحم الله القائل: وَلَرُبَّ نازلةٍ يضيقُ بها الفتى ذَرَعاً، وعند اللهِ منها المخرجُ ضاقتْ فلمَّا استحكمتْ حَلَقاتُها فُرجتْ، وكنتُ أظنّها لا تُفرجُ لذلك يجب علينا أن تكون ثقتنا بالله عظيمة، فما زالت الآيات القرآنية تتردد على مسامعنا: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، «سورة الشرح: الآيتين 5- 6»، تقول لنا جميعاً: سيأتي الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر، فلا نحزن ولا نضجر، فلن يغلب عسرٌ يسرين بإذن الله. ففي ظل التعاليم القرآنية والسنّة النبويّة الشريفة عاشت البشرية حياة الخير والسعادة: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)، «سورة طه: الآية 123». أما آن لنا أن تخشع قلوبنا لذكر الله وسنة رسوله؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)، «سورة الأنفال: الآية 24». اللهم اجمع شملنا، ووحّد كلمتنا، وألّف بين قلوبنا، وأزل الغلّ من صدورنا، بكرمك وفضلك يا أكرم الأكرمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©