الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

رؤية شافيز وقضايا العرب

31 أغسطس 2006 00:49
خالد عمر بن ققه: للحكم على المواقف التي يتخذها الرئيس الفنزويلي '' هوجو شافيز '' تجاه جملة من القضايا الدولية الراهنة بدءا بتأييده للحق العربي وليس انتهاء بالعولمة، لا بد من العودة إلى التاريخ ، ليس فقط لمرحلة التجربة الثورية في بلاده التي بدأت في العقد الثالث من القرن قبل الماضي (تحديدا1821) ، لكن إلى ما قبل ذلك بقرون، أي منذ أن حل الاستعمار الأسباني في تلك البلاد بعد السقوط المروع للمسلمين في الأندلس، ما يعني أن هناك تاريخا مشتركا وجامعا بين المسلمين وبين السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية ، يحاول البعض - بوعي أو بدونه- تجاهله عند الحديث عن المواقف المتواصلة من الرئيس شافيز لجهة رفضه السيطرة الأميركية في المنطقة العربية، بل وفي العلم كله، غير أن هناك سؤالا ملحا لكونه يتعلق بالعلاقات الدولية مفاده : أليس الهجوم على الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الراهن مجرد تغريد خارج السرب، ذلك لأن دول العالم - بما في ذلك الكبرى منها - قد استجابت طوعا أو كرها للامتداد الإمبراطوري المتمثل في أمريكا ؟ الواقع أن محاولات التدخل في الشأن الداخلي لفنزويلا جعل من رئيسها في موقف الدفاع، محاولا التنبيه إلى خطورة التحكم في مصائر الدول وإلغاء سيادتها، ثم تحول ذلك إلى هجوم متواصل على مستوى الخطاب السياسي، لكن هذا لا يعد كافيا من أجل الذهاب إلى فضاء لا يسكنه البشر الآخرون ، - تستثنى هنا الدول التي تختلف مع أمريكا مثل كوبا وإيران وباق المستضعفين الذين لا تتجاوز أصواتهم قامتهم - بل أن التصرف في العلاقات الدولية بمنطق الثورات لا يجعل الدول ذات الواقع المشترك على موقف واحد نظرا لاختلاف المصالح، ما يؤكد هذا موقف فنزويلا لسحب سفيرها من إسرائيل أيام الحرب على لبنان تأييدا للمقاومة وللحقوق العربية، الموقف الذي لم تتخذه الدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل· الركائز الأساسية هنا يمكن القول إن التاريخ الإنساني المشترك لجهة رفض الاستعمار قد تحرّك عند الرئيس شافيز، في حين لم يوظّفه بعض القادة العرب لصالح قضيتهم، وتلك هي القضية الجوهرية في علاقتنا مع دول أمريكا اللاتينية، بل كل المجتمعات الباحثة عن الحرية والعدالة وتقرير المصير الخطاب السياسي للرئيس شافيز مؤسسا - على نحو ظاهر - على ثلاث ركائز أساسية، أولها : رفض عودة الاستعمار القديم بمسميات جديدة مهما كانت جمالية تلك المسميات، وهذا الرفض قائم على التجربة وليس الخوف، ذلك لأن شافيز يعلم أن الاستعمار لن يكون في مقدوره احتلال كل دول العالم بنفس الأساليب السابقة، والمثال واضح في أساليب الإدارة الأميركية مع أفغانستان والعراق· ثانيها : التوجه إلى حيث المشاعر المشتركة بين البشر، حيث لم يعد المدخل لمواجهة الاستعمار ومحاربته عندما يحل على الأرض· وإنما بالتصدي لأفكاره ومواقفه قبل أن تتحول إلى فهم، ومن هنا علينا النظر إلى مواقفه تجاه العولمة، باعتبارها استعمارا أبشع من ذلك الذي تحررّت منه الشعوب المضطهدة في الأمس القريب، وتلك المواقف تجد من يؤيدها داخل الدول التي تعثو حكوماتها فسادا في الأرض، ما يعني أن الحرب الفكرية بالنسبة له تقع على أرض الآخرين، ومنها يأتي التجمع الإنساني الذي لا يقاس هنا على أساس عددي، ولا على التقسيم الجغرافي أو الطبقي أو الثقافي، وإنما على معاناة البشر جميعهم من أجل الحياة بسلام على كوكب الأرض، وهذا الطرح قد يعد تطورا في المفاهيم الثورية وحتى الاشتراكية، حيث لا وجود في التصور الجديد للتميز على أساس طبقي ولا فئوي وأيديولوجي، وإنما وضع عام لتوسع طبقة المستكبرين في العالم ، ففنزويلا ليست فقيرة كدولة ولكن 47% من شعبها يعاني من الفقر والصين مكتفية ذاتيا ودول الخليج لا تعاني من الفقر، ولكن هذه النماذج الثلاثة لها نفس المصير في علاقتها بقوى الاستكبار العالمية، إذن يجمعها مصير واحد تحركه مشاعر إنسانية متقاربة إن لم تكن مشتركة القدرات الذاتية· ثالثها : الإيمان بالقدرات الذاتية، وهذا يعني بالنسبة لشافيز أن العالم ليس متروكا لقطب واحد، يحدد مصيره، ويسحب سكانه نحو نموذج أثبتت التجارب عدم جدواه لجهة تغيير الثقافات والمواقف، حتى لو أثبت فاعليته عند التطبيق في بعض دول العالم، ذلك لأن الميراث المجتمعي للشعوب والأمم مختلف وعلينا من أجل البقاء أن نحافظ عليه لا لأن ذلك يعد حماية للدول الرافضة الدخول في فضاء المتحكمين في العولمة، وإنما لكونه يقضي على التنوع في الممارسة السياسية التي هي بعد أساسي في تحديد طبيعة السلطة، وقد رأينا خلال العقدين الماضيين المصير الذي آلت إليه الدول التي استعجلت تطبيق الديمقراطية وكيف تحوّلت إلى الفوضى ودمرتها الحروب الأهلية، فلا هي تمكنت من التحول نحو واقع ديمقراطي جديد، ولا هي استطاعت العودة إلى استقرارها السابق ·· لقد تقطعت أوصالها حين لم يتم الرهان على قدراتها الذاتية، ما يعني أن طاقة الشعوب - في نظر شافيز- هي الرهان الحقيقي على التغيير، وليس تصدير تجارب الآخرين التي قد تكون صالحة لأهلها تلك هي الركائز الأساسية التي تقوم عليها رؤية الرئيس الفنزويلي، والتي قد تبقى سائدة إلى فترة طويلة حتى في حال عدم فوزه في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نهاية السنة الجارية ( ديسمبر المقبل)، لكونها تركز على البشرية لجهة تغييرها نحو الأحسن، حيث الكرامة الإنسانية ليست حكرا لشعب دون آخر، غير أن تلك الرؤية في بعدها العالمي تتحرك ضمن دوائر آخذة في الاتساع كلما ازداد جور الدول الكبرى، يهمنا هنا الدائرة العربية والإسلامية، والتي تبدو أولوية عند الرئيس شافيز، تظهر في مواقفه تجاه مجمل القضايا العربية، آخرها الحرب الأخيرة على لبنان·· ولكن لماذا هذا التأييد المتواصل للعرب والمسلمين، في الوقت الذي تتهمهم الدول الغربية بالإرهاب والتطرف، وفي الوقت الذي يخرجون أنفسهم من صناعة التاريخ ؟ المسلمون العبيد ··والثورات الإجابة نجدها في التاريخ وفي الانتماء ، فبالنسبة للأول، فإنه يعود أكثر من خمسة قرون ، إذ أغرى الذهب البرتغال وأسبانيا- بعد اكتشافات كولومبس- بالاستيلاء على أمريكا اللاتينية واستيطانها، وجلب آلاف الزنوج المسلمين من غرب أفريقيا وسواحلها لاستخدامهم كأيد عاملة في المشاريع الرامية إلى استغلال ثروات البلاد ، كما جيء بالعديد من المسلمين الأسبان، الذين كانوا يخفون إسلامهم سرا وتم بيعهم في أسواق الرقيق بأميركا اللاتينية، أحفاد هؤلاء هم الذين قاموا بثورات عرفت بثورات العبيد المسلمين، التي خاضوها ضد الاستعمار البرتغالي في البرازيل، كان أخطرها ثورة ،1835 وقد تأثر بها فيما بعد ثوار أمريكا اللاتينية، وبالتأكيد أن شافيز على إطلاع بهذا التاريخ وتأثر به هو الآخر أما بالنسبة للانتماء فقد أعلن هذا صراحة حين زار الجزائر منذ شهور بقوله: أنا انتمي لهؤلاء العرب، أحس أنني منهم، إنهم يعبرون وهم يمتطون ظهور الخيل على البطولة والفروسية '' لكن على ما يبدو أن العرب في مواقفهم السياسية لا يودون أن يواصلوا صورة أولئك الذين صنعوا التاريخ ، وتمنى كثير من الناس أن يكونوا من أحفادهم وبعيدا عن التاريخ أو الانتماء ، فالواضح أن شافيز بمواقفه المختلفة تجاه القضايا العربية يذكرنا بتلك الجهود التي بذلها قادة عرب سابقون من أجل التعاون والتنسيق في المواقف بين أفريقيا وآسيا ودول أمريكا اللاتينية، لقد تراجعت الآن وبذلك فقدنا سندا لكثير من قضايانا، لا يزال في مقدورنا الركون إليها إذا قررنا الخروج من دائرة القطب الأوحد، الذي بات منزعجا بكثرة الأتباع لكونهم قللوا فرصه في الحياة لغياب النقيض، فاتخذ منا ـنحن الحلقة الأضعــــف في هذا العالم ـ نقيضه الذي عليه مصارعته، وهو يعلم أننا لسنا كذلك ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©