الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفن الإسلامي يُشع من داخله قوة تتعدى البعد المسطح لتصل إلى البعد الإنساني

الفن الإسلامي يُشع من داخله قوة تتعدى البعد المسطح لتصل إلى البعد الإنساني
22 يوليو 2012
مجدي عثمان (القاهرة) - بدأ الفنان التشكيلي مصطفى عبدالمعطي التعرف على مدى القدرة الجمالية للوحدة الزخرفية الإسلامية من خلال زخارف شباك حديدي، في قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، استخدمه كخلفية لرسم بورتريه لزميلته، وارتبط منذ تلك الفترة بالفكر الإسلامي واكتشاف كيفية التعامل مع المسببات التي أوصلت الفنان المسلم إلى تلك النتائج الفنية الفذة، مؤكداً أن الفن الإسلامي درامي بالدرجة الأولى وليس زخرفياً. وقال عبدالمعطي إن الوحدة الزخرفية في الفن الإسلامي هي ما يساعد العين على الدخول إلى العناصر والتحرك معها، كما لو كان المتلقي في حضرة ذكر، وتلك الحضرة هي الوحدة نفسها التي تأخذني إلى هذا العالم الذي يجعلني في النهاية متحداً معه، فأكون متحدا مع المطلق أو الإله، وأن هذا ليس زخرفاً، مؤكداً أن مفهوم الزخرفة من وجهة نظرهم تلك سطحية، بينما الفن الإسلامي عميق جداً، ولذلك يجب أن يكون التعامل معه بشكل واع ومخلص تماماً، حتى يمكن الدخول إلى عمق أشكاله. وأضاف أنه قبل تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، كان يهتم بالبحث عن أصول الثقافة المصرية ومصادرها، ودله بحثه على أننا حينما نتعامل مع فنون الحضارات ومنها الفن الإسلامي، ننظر للنتائج وليس لمسبباتها، ووجد أنه من الضروري أن نفهم البناء الفكري والثقافي والإيماني الموجود لدى المبدع المسلم، والذي جعله ينتج فناً بهذا الشكل، وبهذه الطريقة يمكنه كفنان معاصر أن يبدع من خلال فلسفة الفن الإسلامي، ورؤية الكون الآن من خلال هذه الفلسفة. فن الحضارة وأوضح أن الفن الإسلامي يتميز بأنه فن حضارة، والحضارة تستمر إلى ما لا نهاية، فالفن الإسلامي خرج من خلال المطلق الرحب، وبهذا المفهوم من المجردات أخرج هو نفسه فنون العصور الوسطى في الغرب من الظلام إلى فن عصر النهضة، كما أن الفكر الإسلامي أسهم في خروج الفكر الأوروبي المغلق، على نفس النحو بعد أن مكث ألف سنة في أوروبا، بسبب هيمنة الفصيل الديني على الحياة وظهور صكوك الغفران ومحاكم التفتيش، فقد ساهم الفكر والفن الإسلامي في تأسيس عصر النهضة، خاصة في بناء الصورة بعد أن جاء إليهم من الأندلس، ويقوم الغرب الآن بالأبحاث في هذا الشأن. وأكد أهمية التجريد في الابداع التشكيلي، من خلال مفهومين، الأول هو “تجريد في الفن”، ويكون ذلك بتلخيص العنصري البصري وحذف زوائده ليصبح في أبسط أشكاله، دون الإخلال بالقانون العام لذلك العنصر، أما الثاني فهو “فن تجريدي”، وهو الذي يبدأ من خيال الفنان في تركيبات غير مرتبطة بالمدلول البصري، وهو بذلك يترك للمتلقي فرصة أن يلقي ما بداخله على العمل الفني، ويضفي عليه مفهومه الخاص. وقال: إنه يتعلّم من الفنّان المسلم كيفية التعامل مع مسبباته الآنية، فهو كفنان يرتبط بنفس الخلفية الثقافية معه إلا أن هناك فارقاً زمنياً بينهما، وهذا الزمن هو التجربة الإنسانية المضافة تاريخياً لصالحه، فيتعامل مع الفن الإسلامي من خلال دراسة وفهم، موضحاً أنه كي تكتب الخط العربي يجب أن تدرس عمارته وقواعده وفلسفته التي قام عليها، فحرف الـ “أ” هو بناء معماري تجريدي ضخم، ولا بد أن يفهمه الفنان جيداً حتى يخرج بعمل فني مستوحى من الخط العربي ولا ينقله، إنما هو ذو ملامح تدل على التأثر به. البعد الروحي وقال إن العمل الفني الحقيقي له القدرة على أن يستدرج المتلقي عن طريق الجمال، والوقوف أمامه، وهو ما يحدث عند مشاهدة عمل من الفنون الإسلامية، فعظمة الفن أن يُشع من داخله قوة تتعدى البعد المسطح، لتصل إلى بعد آخر هو البعد الإنساني أو الروحي، وأن العمل الذي لا يحمل هذا البعد الدرامي هو عمل زخرفي، وهو ما يتنافى مع جوهر الفن الإسلامي الذي يعبأ بأعلى درجات الدراما الإنسانية. وأضاف عبدالمعطي أن الغرب لا يستطيع أن يرى الفن الإسلامي إلا وحدات زخرفية متكررة، وذلك أنه منذ الحضارة اليونانية التي يعتبرها العالم الغربي الحضارة الأم، وهو ينتمي إلى الماديات، بعد أن تركت له ميراثاً عقلياً من خلال فلاسفتها، فكان المحبذ للاكتشاف العلمي، لاعتماده على التفكير المادي والملاحظة، لذلك عندما يتعلق الأمر بما هو أبعد من الإدراك العقلي، لا يستوعبه الغربي، والفن الإسلامي قائم على إدراك ما بعد البصري، أو اللامحدود، إلا أنه لا ينكر أن هناك عدداً من المبدعين حينما تعمقت رؤيتهم للفن الإسلامي أدركوا فكرة المطلق، مع الأخذ في الاعتبار أنهم ينتمون لأوروبا الشرقية أمثال كاندينسكي وفازاريللي. وأكد أن الفنّان العربي يدخل الفن الإسلامي في مكوناته الثقافية، لأنه مكون روحي مكمل لعقيدته ودينه، وأن الدين الإسلامي دين غير عادي في رحابته، بعد أن جاء ليخرجنا من الأفكار وعبودية الحياة إلى مطلق الحرية. الخط العربي .. والفراغ يرى عبدالمعطي أن الخط العربي هو أكثر عنصر يحمل معنى الفن الإسلامي، وهو ثري ثراء اللغة العربية، لامتلاكه العديد من الأنواع والأشكال، كما أن لحروفه علاقات وحلولا تشكيلية كثيرة، طبقاً لتركيبها وترتيبها وعلاقتها بالحروف الأخرى، على عكس الحروف اللاتينية، وأن الخط العربي يجذب الفنان ويثيره على الاستلهام منه، وهو يشبه العمارة، فحرف الـ “أ” في عمارته يقارب المئذنة، والهمزة فوقه مثل الهلال أعلى المئذنة، موضحاً أن هناك القليلين الذين تعاملوا مع الخط العربي بالاستفادة منه كلغة تشكيلية وليست حروف تقرأ، أما الباقون فقد وقعوا في فخ عدم القدرة على استيعابه. وعن الفراغ في الفن الإسلامي وما يثيره بعض المستشرقين من أن الفنان الشرقي يهابه، أوضح عبدالمعطي أن الفراغ لدى الفنان المسلم هو الجزء الذي ليس فيه عنصر بصري، فأصبح مرسوماً وغير مرئي إلى جانب الآخر المرئي، ومن دون ذلك الفراغ أو العنصر غير المرئي لا يتأكد العنصر المرسوم المرئي، حيث إن فلسفة الفنان المسلم تتفق مع انعدام الفراغ بتعامله مع الغيبيات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©