في مدينة المكلا الساحلية جنوب اليمن، يفرض تنظيم«القاعدة» سيطرته على زمام الأمور، حيث يجوب مقاتلوه الشوارع، آمرين النساء بتغطية وجوههن، ومحذرين المحلات من عرض الملابس الداخلية. والجماعة التي قام فرعها المحلي«القاعدة في الجزيرة العربية» باستخدام اليمن كقاعدة لشن الهجمات، استغلت الفرصة لتقليد تنظيم «داعش» المنبثق عنها في أسلوبه في السيطرة على الأراضي ثم القيام بحكمها بعد ذلك. وهذا الأمر بات ممكناً بسبب الحرب الأهلية، التي غيرت أولويات القوى المتصارعة على السلطة والنفوذ في اليمن.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة استهداف الإرهابيين في اليمن بضربات طائرات من دون طيار، فإن حليفتها، وهي حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً، تبدو أكثر انشغالاً باستعادة السيطرة على البلاد من أيدي المتمردين «الحوثيين».
«القاعدة أكثر قوة على الأرض الآن» هذا ما تقوله «كاثرين زيمرمان»زميلة معهد «أميركان إنتربرايز» في واشنطن، التي تضيف:«قوات التحالف وخاصة السعودية لديها الرغبة في هزيمة الحوثيين في المقام الأول، حتى لو خاطرت في غضون ذلك بزيادة نفوذ القاعدة».
وقد ادعى التنظيم تحقيق أول اختراق كبير في الأيام الأخيرة، في الوقت ذاته الذي استعادت فيه القوات الحكومية، بدعم سعودي جوي، زمام السيطرة على مدينة عدن الواقعة جنوب البلاد، وانتزاعها من «الحوثيين».
وفي أماكن أخرى في الجنوب، أدى القتال ضد «الحوثيين» إلى تعزيز وضع «القاعدة» التي حققت هيمنة واضحة هناك، يُشار إلى أن التنظيم قد سيطر على المكلا في أبريل الماضي، ونهب فرع البنك المركزي في المدينة، وأطلق المئات من النزلاء من سجنها، كما قام بإحراق مزاراتها الصوفية، وأسواقها التي تبيع القات، وقد دخل مسلحو «القاعدة» المكلا بمساعدة رجال القبائل المحللين، مطلقين على أنفسهم اسم «أبناء حضرموت»- المحافظة التي تمثل المكلا عاصمة لها- وواعدين بالدفاع عنها ضد «الحوثيين»، وهو ما أدى لاكتسابهم تعاطف السكان المحليين، كما تقول «باتريشيا ليتايف» المحللة في شركة أبحاث تتخذ من دبي مقرا لها، وبدلا من أن يوصم مقاتلو التنظيم بأنهم إرهابيون، فإن البعض منهم أصبح مقبولا لدى بعض اليمنيين، وخصوصا في الجنوب، باعتبارهم يمثلون حليفاً مفيداً في القتال ضد «الحوثيين» المتمركزين في الجزء الشمالي من البلاد، في وقت تصف الولايات المتحدة تنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية» ومركزه اليمن، بأنه التنظيم الذي من المحتمل أن يضرب الأهداف الغربية.
خلال معظم العقد الماضي، تلقت حكومة اليمن مساعدات في مجال التدريب من الولايات المتحدة، ومنحتها «قاعدة» يمكنها من شن هجمات الطائرات التي تطير من دون طيار، كما قامت من جانبها بشن غارات على التنظيم.
وفي الوقت الذي تتواصل ضربات الطائرات بدون طيار التي أدت إلى مقتل «ناصر الوحشي» قائد تنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية» الشهر الماضي، فإن الولايات المتحدة تجد نفسها في حاجة ماسة لحليف محلي مستقر وموثوق به، على الرغم من أنها تمتلك قاعدة في جيبوتي الواقعة في الجانب المقابل من باب المندب.
وكلما طالت الحرب في اليمن «كلما تمكنت تلك الجماعات من الازدهار والاستيلاء على المزيد من الأراضي ووضع بصمتها عليها» كما يقول «ماثيو هينمان»، مدير مركز الإرهاب والتمرد بمعهد«آي إتش إس جين» ومقره لندن، في المكلا لم تسع «القاعدة» في البداية لبسط نفوذها على السكان المحليين كما يقوم «ناصر باقزقوز»، الناشط السياسي، ولكن بدأت تفعل ذلك مؤخرا بشكل تدريجي، من خلال عرض أفلام عنهم في التلفزيون، والتحكم في الصادرات والواردات، وإنشاء قوة أمنية تجوب شوارع المدينة لتطبيق الشريعة الإسلامية، يقول «على» وهو ضابط جيش محلي عبر الهاتف«جميع مؤسسات الدولة والبنوك مغلقة، والموظفون عالقون بسبب الحرب ولا يتمكنون من الوصول إلى أعمالهم، وليست هناك مراكز شرطة، ولا نيابة، كما أن الحياة قد توقفت، باختصار لقد قتلوا الحياة هنا».
نفيسة السيد ومحمد حاتم- دبي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
عدد اليوم
