الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

د. إسماعيل الشطي: «الإسلام هو الحل» شعار حق يراد به سلطة باطلة

د. إسماعيل الشطي: «الإسلام هو الحل» شعار حق يراد به سلطة باطلة
26 يوليو 2013 23:06
في اللحظة التي كانت جماعة الإخوان المسلمين فيها تختال بنشوة النصر والفوز بالحكم في دول عدة، وتخطط للانقضاض على دول الخليج لإقامة الخلافة الإسلامية التي تحلم بها، خرج هذا الرجل الذي كان منهم وما زالوا يجلونه ويقدرونه بكتاب –عرضته «الاتحاد» الشهر الماضي- أفسد عليهم نشوتهم وعكر صفو الأجواء التي انتظروها منذ نشأتهم، وتنبأ بسقوطهم المدوي عندما كشف عن أن الجماعة التي تعد الناس بالمن والسلوى منذ أكثر من 80 عاماً بلا نموذج للحكم، وأنها لم تحول شعاراتها التي دغدغت مشاعر الجماهير بها منذ عقود إلي مشروع نهضوي، وأنها بشكل عام فوجئت بالسلطة بعد الربيع العربي تسقط في يدها فتسلمتها بجرأة عجيبة لتخوض مغامرة تهدد وجود الشعوب التي تسلطت عليها. المفكر والقيادي السابق في التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين» والوزير السابق ومستشار رئيس الوزراء الكويتي الحالي، د.إسماعيل الشطي ترك الحركة الدستورية الكويتية عام 2005 إثر خلاف تنظيمي وفكري، ومن يومها اعتزل الإعلام فلم يتحدث إلى أي وسيلة إعلامية، وتوقف عن كتابة المقالات وانقطعت أخباره لنحو8 سنوات. ثم فاجأ الساحة الفكرية والسياسية والإسلاميين عموماً هذا العام بكتابه «الإسلاميون وحكم الدولة المعاصرة»، الذي يكشف فيه سراً خطيراً وهو أن حكم «الإخوان المسلمين» سيكون كارثياً على البلاد التي ستسلم لها قيادها لأنها بلا مشروع تقود به الأمة، وأن الجماعة تستدر عطف الجماهير في مواجهة السلطات التي تمنع وجودها سياسياً كي تحصد الأصوات في صناديق الانتخابات، وأن دعوتها الدائمة لتطبيق الشريعة الإسلامية غير صادقة النية، بل غوغائية بلا مضمون، وأنها ترفع شعار الشريعة على سبيل المتاجرة للقفز من خلاله على كرسي السلطة. وصدقت نبوءة د. إسماعيل الشطي التي تنبأ بها كتابه بالسقوط المدوي لـ«الإخوان المسلمين» وبانكشاف أمر الجماعة والتنظيم سريعاً... انكشافاً يهدد وجودهما وكيانهما الذي رسخته الجماعة لأكثر من 8 عقود، وحافظت عليه من خلال الادعاء الكاذب بأنها تمتلك الحل لكل المشاكل عبر شعار صادق في عمومه خادع في رفعه بلا مضمون ألا وهو «الإسلام هو الحل». ثم كانت المفاجأة الأكبر عندما قرر د. إسماعيل الشطي بعد نحو 10 سنوات من الغياب أن يهجر صمته، وأن يتكلم بعد إلحاح شديد مني، وإصراري على أن يفتح «صندوقه الأسود»، الذي يخفي أسرار ما قبل السقوط ويكشف الأسباب الحقيقية التي تجعل سقوط «الإخوان» حتمياً في مواجهة الجماهير المتعطشة للحرية والعيش الكريم والكرامة والمستقبل الناصع. وقد وافق د. الشطي على إجراء هذا الحوار الذي ننفرد به بشرط أن يدور في الإطار الفكري، وألا يتجاوز الخطوط الحمراء نظراً لحساسية وظيفته وموقعه في الدولة الكويتية، وألا يمس شأناً كويتياً مباشراً. ولأن ثمة تداخلاً بين الفكري والسياسي، فقد قفز الحوار إلى أمور سياسية كثيرة جعلته يعاتبني على «توريطه» فيها. في بيته بمنطقة مشرف الكويتية التي يسكنها عدد لا بأس به من الدعاة والمفكرين، استقبلني د. إسماعيل الشطي في أمسية ساخنة، وأهدى إليَّ كتابه «الإسلاميون وحكم الدولة المعاصرة»، بعد صدوره أخيراً الذي كان قد أطلعني عليه قبل نشره، وكان هذا الحوار الذي يكشف عن الكثير من الأسرار والأفكار، علماً بأن هناك بعض الأمور التي امتنع د. إسماعيل الشطي عن الإجابة عنها للأسباب التي ذكرتها من قبل. وهذا نص الحوار: لم تتحدث إلى الصحافة أو أي وسيلة إعلامية منذ نحو 10 سنوات لماذا؟ ظروف عملي لا تسمح بذلك. لا أريد أن يحسب ما أقول على أحد. أتحدث معك الآن في حدود المسموح وما اتفقنا عليه في الحدود الفكرية للكتاب. الكتاب نفسه أصدرته في حدود المسموح. لماذا الكتاب الآن؟ الكتاب مشروع قديم منذ عام 2005، وكنت أسعى لإعداده سريعاً مواكبة لأي فرصة يتولى فيها الإسلاميون الحكم. فقد رأيت أن الإسلاميين يسعون إلى الحكم من دون أن يبذلوا جهداً لإعداد النموذج الذي سيحكمون به أي دولة معاصرة أوحديثة. وعندما قامت ثورات ما سمي «الربيع العربي» وفاز الإسلاميون في الانتخابات، وأصبح مصير الشعوب والدول بين أيديهم، أصبح لزاماً عليّ أن أقول وجهة نظري في هذا الموضوع، وبعد أن تسلم الإخوان الحكم أصبح فرضاً عليّ أن أثير هذه القضية وأن أنبه إلى أنهم لم ينجزوا أي مشروع للحكم حتى وهم في السلطة. النموذج الإسلامي ماذا أردت أن تقول للإسلاميين وللشعوب؟ أردت أن أناقش مع الإسلاميين بعض مفاهيم الحكم كشعار تطبيق الشريعة الذي يرفعونه ويجتذبون به الجماهير، وعلاقة الدين بالدولة، وبعض المفاهيم الخاصة بالدولة القومية أوالمعاصرة وكيف سيتعاملون معها. وأردت أن أتحاور معهم حول نماذج الحكم المطروحة التي قد يستلهمونها وأين سيكونون منها، مثل أسلمة الدولة المعاصرة كإيران، أو نموذج إعادة إنتاج دار الإسلام الذي سلكته «طالبان» الأفغانية، أو نموذج الدولة العلمانية أوالعصرية التي يديرها إسلاميون والمتمثل في النموذج التركي. هدفي هو تبصير الإسلاميين بالأبعاد الحرجة لعدم وجود نموذج لديهم للحكم، لذا قدمت النموذج الذي أعتقد أن عليهم أن يسلكوه لإدارة الدولة الحديثة. أردت أن أقول لهم، أي للإسلاميين -وليس للعامة أو القراء- أن الناس لم ينتخبوهم لإعادة إنتاج تلك النماذج السابقة، ولكن انتخبوهم لمكافحة الفساد ولبناء دولة معاصرة قوية. أنت تتفق معي إذن أن الإسلاميين بلا مشروع أو نموذج للحكم حتى الآن؟ نعم، الإسلاميون ليس لديهم أي نموذج لإدارة الدولة المعاصرة، وهو ما لا ينفيه الإسلاميون أنفسهم. فهم في الاجتماعات التي كنت أحضرها وإلى اليوم يعترفون بأن النموذج لم يجهز أو يحضر. ما أردت قوله لهم: دعونا على الأقل نفكر معاً. إذن فحكم الإسلاميين الآن للشعوب التي اختارتهم في ظل عدم وجود مشروع لهم هو مغامرة غير محسوبة العواقب؟ بلا شك.. حكم الإسلاميين الآن وبهذا الأسلوب فيه قدر كبير من المغامرة. ولكن إذا جاء الإسلاميون إلى الحكم من المنطلق الذي عبر عنه أردوغان عندما قال: أنا إسلامي أحكم دولة علمانية، فلا توجد مغامرة، لأن نموذج الدولة العلمانية قائم والمطلوب إدارته بشكل سليم. المغامرة الحقيقية عندما أسعى لهدم نموذج الدولة العلمانية بدعوى أنه مناقض لفكري وفهمي، فهذا سيشغلني عن إدارة الدولة وإصلاحها. وحتى الآن أعتقد أن الإسلاميين في الدول التي حكموها بشكل كامل أوجزئي التزموا بالدولة العلمانية أو المدنية. فالدستور المصري الجديد هو لدولة مدنية، وكذلك تونس وليبيا والمغرب التي يعمل الإسلاميون فيها ضمن وضع دستوري ملكي قائم. الإسلاميون - شاءوا أم أبوا - سيجدون أنفسهم مضطرين إلى القبول بشعار أردوغان: إسلاميون يديرون دولة علمانية. إذا كان الإسلاميون لا يملكون مشروعاً للحكم ولا لتطبيق الشريعة فماذا تبقى من إسلاميتهم؟ هذا السؤال تم توجيهه لأردوغان من قبل وسأجيب أنا عنه. الإسلام يسعى لبناء أمة قوية في ظل الظروف الدولية القائمة، وبناء الأمة القوية في الاقتصاد والتعليم والحريات، وغيرها، على قمة أهداف الإسلام الكبرى. ديننا الحنيف يسعى لأن يكون الإنسان حراً... جميع خياراته بيده، وليس ذليلاً تداس كرامته من أجل رغيف خبز أو وظيفة. أردوغان نجح إلى حد ما في النهوض بتركيا وبناء دولة وأمة قوية وهذا هو لب الإسلام. وأيضا نجح مهاتير محمد الذي لم يقدم نفسه كإسلامي في بناء نموذج الأمة القوية في ماليزيا بعد أن كانت ضعيفة ينخرها الفقر والفوضي والفساد.أما اختزال الإسلام في موضوع قانوني اسمه الشريعة، فهذا ظلم كبير لديننا، لو كان الإسلام مجرد شريعة لجاء كتاب الله مليئاً بالتفصيلات التشريعية أوككتاب قانون، لكن أكثر من ثلاثة أرباع القرآن يتحدث عن قيمة الإنسان وعلاقته بربه وبالكون وبالحياة التي هي بالنسبة للإنسان ليست مرحلة واحدة وإنما حيوات متعددة: الحياة الدنيا.. البرزخ.. الحياة الآخرة. هل يجوز أن نهمل ثلاثة أرباع الإسلام من أجل الربع الباقي على أهميته؟ هدف القرآن هو بناء إنسان حر كريم منتج محافظ على البيئة. . علاقته بربه جيدة ومنسجمة. أردوغان إسلامي من منطلق أنه يسعى لتطبيق ثلاثة أرباع الإسلام أولاً. أما التشريعات فلا تطبق إلا في ظل مجتمع حر إرادته بيده، وأين هو هذا المجتمع الآن! إرادتنا مفقودة حتى هذه اللحظة. المجتمع الحر هو الأصل في الإسلام، بمعنى أن أضع أمام الإنسان خيارين: الخير والشر وأتركه يختار من دون أي إجبار قانوني أوتشريعي، أوفرض وصاية من أي نوع عليه. لننتقل إلى سؤال آخر: لماذا فشل «الإخوان» في إدارة مصر؟ «الإخوان» فشلوا في إدارة مصر بسبب قلة الخبرة كما قلت ولفشلهم في إقامة علاقات صحيحة مع النخبة. الحقيقة أن مصر لها وضع خاص. فقد ثار المصريون لبناء دولة، وهو ما لا يمكن أن يقوم به طرف واحد، ولا يقرره صندوق الانتخابات. فبناء الدولة كما قلت يتم من خلال النخبة السياسية، والقول إن لدينا الأغلبية التصويتية، ومن حقنا بناء الدولة كما نراها، فهم خاطئ للديمقراطية، وسيؤدي بالضرورة إلى الفشل. ويبدو أن «الإخوان» قرروا أنه بما أننا جئنا عبر صندوق الانتخاب فسنفعل كل شيء. في الولايات المتحدة علي سبيل المثال قد يأتي صندوق الانتخابات بطرف ما، لكن هناك اتفاق عام على أن الاستراتيجيات يشارك في وضعها الجميع .حتى عندما تغير بوش «الجمهوري» لم يغير أوباما «الديموقراطي» هذه الاستراتيجيات، لأن مستقبل الدولة وبناءها يخص الجميع وليس تياراً بعينه .... وألا .. ستتحول الأمور إلى فوضى تشريعية إن لم يكن هناك توافق، وستعطي كل أغلبية نفسها الحق في هدم الدولة وبنائها من جديد. وللأسف، فإن خبرة «الإخوان» السياسية في إدارة الدولة محدودة، ولذلك ارتكبوا هذه الأخطاء الخطيرة. ولا أدري أي مستشارين كانوا حول الرئاسة المصرية، لكن يبدو مما حدث أن ما كان ينصح به الرئيس محمد مرسي هو الاستمرار في التغاضي عن النخبة السياسية. ما أهم إخفـاق للإخوان فـي مصـر بخلاف ما ذكرته؟ أهم إخفاق من وجهة نظري هو عدم قدرة «إخوان مصر» على إيجاد وسيلة للتفاهم مع دول مجلس التعاون الخليجي التي تمثل ثقلاً سياسياً واقتصادياً مهماً، يستطيع أن يعين مصر على الخروج من أزمتها. علاقة دول الخليج مع الأنظمة الإسلامية التي أفرزها الربيع العربي تتفاوت. فهي قوية مع اليمن التي يدير مجلس التعاون العملية السياسية فيها، وهي أقوى مع المغرب علي الرغم من كون الحكومة فيها إسلامية، وليست سيئة مع تونس، ولم تتبلور مع ليبيا. بعيداً عن الأسباب المعلنة لانشقاقك وخروجك من «الإخوان المسلمين»: هل هذا الفكر الإسلامي التقليدي الذي انتقدته بشدة بل ونسفته في كتابك هو السبب في تركك للجماعة؟ الكتاب يحاول الخروج من «اللاممكن» إلى «الممكن». فما يطرحه الإسلاميون ليس نموذجاً لإدارة بلد أو دولة، وإنما مجرد شعارات، ما لم تترجم إلى نموذج ممكن، فهي تضييع لأوقات الناس وتغييب لهم عن الحقيقة. التنظيمات الإسلامية التي تولت الحكم لم تجد أمامها إلا القبول بالدساتير العلمانية كي تحافظ على القدر الذي يسمح لها به المجتمع الدولي بالوجود. وهذا الكلام قلته لهم في كثير من المواضع والمناسبات. ولو كنت في صفوف «الإخوان» الآن لكررته عليهم، وإنْ كنت أعلم أن ما أقوله سيلقى معارضة كبيرة منهم، لذلك فأنا أتحدث بحرية من خارج الجماعة. دعني أسألك بشكل مباشر: لماذا تركت «الإخوان»؟ «ضاحكاً» تركتهم كي أخرج من ضيق تعليمات التنظيم إلي رحابة الحرية الفكرية. «الإخوان» قالوا لي: من يرد أن يعبر عن آرائه الخاصة بحرية تامة فليتفضل بالخروج. وأنا تفضلت بالخروج. . ! لقد عانيت كثيراً من طرح آرائي وأنا مع «الإخوان»، فكان أن توصلت إلى تركهم والتعبير عن آرائي بكامل الحرية بعيداً عنهم. هل ما زلت تعتبر نفسك إسلامياً بعد خروجك من «الإخوان»؟ بالطبع .. فـ«الإخوان» ليسوا هم الإسلام. ما زلت أرى أن الإسلام هو المنقذ للبشرية في ظل نظام عالمي يسوق البشرية إلى المجهول بجنون، وينتزع منها عقلها ويدمر البيئة، ويفقر طرفاً من البشرية لحساب طرف آخر، ويهدد بتدمير الأرض بتلك الأسلحة الفتاكة. منظومة القيم الحالية تقود العالم إلى حتفه، ولذلك نحتاج إلى منظومة أخرى تنحاز إلى الإنسان وليس إلى ثقافة أو شعب من الشعوب. واعتقد أن هذه المنظومة موجودة في الإسلام وليس في تفسيرات البشر لديننا. نظرية إسلامية أين هي تلك النظرية الإسلامية البديلة المجردة من التفسيرات البشرية؟ موجودة.. بالدرجة الأولى في القرآن الذي ينظم العلاقة بين الإنسان وربه والوجود كله. هذه العلاقات هي الدستور الإلهي الذي يجعل الإنسان منسجماً مع كل من حوله، وتنشئ منظومة أخلاقية وقيمية تهتم بالجانب الاجتماعي وبالأسرة، التي عالجها القرآن أكثر من قضية الاقتصاد. فبناء المجتمع في الإسلام يقوم علي الأسرة وليس على الفرد كما هي الحال في الغرب اليوم. إلى أي مدى أساءت شعارات الإسلاميين إلى هذه الرؤية الشاملة الكونية كما جاء بها القرآن؟ للأسف هذه الشعارات أساءت كثيراً للإسلام. ومع هذا، فإن الفكر الإسلامي يتذبذب ما بين النظرة الشاملة للدين، والأخرى الضيقة للإسلام. فهناك من يعرضه بشكل كوني وشامل وحضاري، وثمة من يختزله في شعارات تطبيق الشريعة أو العبادات والزهد وغيرها. إلى أي مدى غيّبت الرؤية الواسعة للإسلام؟ للأسف غيّبت كثيراً. ومن المسؤول عن ذلك؟ الإسلاميون مسؤولون بالطبع لأنهم لم يعوا حتى هذه اللحظة أبعاد الدستور الرباني الذي وضعه الله لإنقاذ البشرية من تخبطها. لقد استيقظوا - أي الإخوان - ووعوا وهم لا يتحدثون سوى عن سقوط الخلافة وقيام الدولة الإسلامية، وبالتالي أصبح فكرهم لا يدور إلا حول هذا المحور. كان الأولى عندما سقطت الخلافة أن نبدأ من البداية الأولى، وهي أن نعيد تنظيم علاقات الناس بمكونات هذا الوجود، ثم نهبط درجة حتى نصل إلى فكرة الدولة الإسلامية. الإسلام مشروع حضاري يعالج أزمة البشرية، وعندما نلتزم بهذا التصور للإسلام سنحفظ حقوق الأجيال القادمة، وسنضمن أن المعيار الحقيقي لكرامة الإنسان هو الإنسانية وليس القومية أو العنصرية، وأن شعباً من الشعوب لن يستحوذ على خيرات الأرض كلها ويدع بقية الشعوب تتقاتل فيما بينها. المتحدث الرسمي ما تطرحه بعيد تماماً عن فكر «الإخوان المسلمين» والإسلاميين! للأسف هذا صحيح. وأذكر أنني ألقيت محاضرة في الشارقة منذ فترة وطرحت هذا المفهوم للإسلام الحضاري، وفوجئت بالمفكر المصري د. حسن حنفي يقول: هذا الكلام لا يصدر عن إسلاميين! أنت شخص علماني! د. حسن حنفي يتصور كغيره أن أطروحات الإسلاميين هي التي تعبر عن الإسلام. لذا قلت له: اذهب إلى القرآن الكريم وسترى العجب. ألا تعتقد أن تقديم الإسلاميين أنفسهم متحدثاً رسمياً ووحيداً باسم الإسلام أضر بديننا الحنيف؟ دعنا نميز بين العاملين بالسياسة والمفكرين من الإسلاميين. فهناك كتابات كثيرة ناضجة تعبر عن الإسلام بصدق وموضوعية، وأبرزت الوجه الحضاري الذي للأسف ليس له «سوق» داخل العمل الإسلامي. فالحركات الإسلامية السياسية بضاعتها الرائجة تطبيق الشريعة والخلافة والشعارات المعتادة فقط. وإذا ما فكر الإسلاميون في اعتبار أنفسهم المتحدث الرسمي باسم الإسلام، فهم مخطئون، لأننا بشر نخطئ ونعصي الله بصفاتنا البشرية، وبالتالي لا يمكن أن نمثل الإسلام. من يمثل الإسلام إذن؟ الإسلام يمثله القرآن مجرداً كما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ما الفرق بين الإسلام الحضاري وأطروحات الليبرالية والعلمانية؟ الليبرالية تتبنى فكر المنظومة التي تحكم العالم اليوم من رأسمالية شرسة وغيرها. أقصد الليبراليين والعلمانيين العرب الذين نراهم يصلون ويصومون كبقية المسلمين؟ في كل الأحوال يجب أن يقدم الليبراليون نموذجهم الذي يسعون للوصول إليه: هل هو الولايات المتحدة أم فرنسا أم بريطانيا؟ فهذه النماذج مهلكة، خصوصاً النموذج الأميركي المدمر للبيئة وللإنسان. فعلى الرغم من أن الإنسان الأميركي يحصل على قدر كبير من الحرية، فإن الذي يتحكم في مصائر الأميركيين هو رأس المال. فاللوم لا يقع علي الإسلاميين وحدهم، وإنما على الليبراليين أيضاً الذين يجب عليهم أن يعلنوا عن نموذجهم. ليس بالضرورة أن يتبنى المسلم أطروحات الجماعات الإسلامية كي يصبح إسلامياً، فمن يعش حياة عصرية وطبيعية ويتبنى المفهوم الشامل للإسلام فهو إسلامي. هناك دعوات قوية بأن يبتعد الإسلاميون عن السياسة ويتفرغوا للدعوة وأعمال الإغاثة لأن المسرح السياسي الحالي لم يعد يتحملهم؟ وأنا أميل إلى هذا الرأي وأؤيده بقوة. كان على الإسلاميين أن يتحولوا إلى «قوة ضغط» وليس إلى أحزاب سياسية. فطالما أنهم يحملون الإسلام، فإن أي فشل أو إخفاق يحسب على الإسلام، وأي عداء للإسلاميين يطال الإسلام بالضرورة. ففي مصر يتعدى البعض على الإسلام إغاظة لرافعي الشعارات الإسلامية. ولذلك أرى أن تسلم «الإخوان» للسلطة في مصر كان مكلفاً كثيراً للدعوة الإسلامية التي كان يجب أن تظل تعمل داخل المجتمع، وتحاول أن تضغط على صناع القرار والمشرعين. أما أن تصبح هي السلطة، فهي على الأقل تجاوزت الدور الأفضل لها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©