الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السجاد في الهند.. صناعة إسلامية تحاكي الطبيعة

السجاد في الهند.. صناعة إسلامية تحاكي الطبيعة
15 أغسطس 2014 22:15
تدين صناعة السجاد في الهند بشهرتها العريضة وأرباحها التي تحصدها تجارتها في صالات المزادات العالمية لأباطرة المغول حكام الهند الذين أدخلوا للمرة الأولى هذه الصناعة إلى أراضي شبه القارة الهندية بعد أن كان بلاط سلاطنة دلهي يكتفي باستيراد سجاجيد البلاط من المناطق المجاورة، مثل إيران وبلاد الترك والأفغان. يعتبر الإمبراطور جلال الدين أكبر أول حاكم في تاريخ الهند يأمر بإنشاء مناسج للسجاد في البلاد وبالتحديد في المدن الثلاث الرئيسية أجرا وفتح بور سيكري ولاهور. ويشير أبو الفضل مؤرخ عهد أكبر أن الإمبراطور أعطى توجيها ملكياً بأن تصنع الأنوال في مصانعه الملكية سجاجيد أكثر فخامة وجمالاً من السجاجيد التي تصنع في بلاد إيران وطوران أي بلاد الأتراك. وعلى الرغم من انتشار أنوال صناعة السجاد اليدوي الفاخر في العديد من المدن الهندية، وخاصة في المناطق الشمالية والشمالية الغربية إلا أن المدن الثلاث الرائدة، أي فتح بور سيكري وأجرا ولا هور، ظلت تحظى بإنتاج أفخر أنواع السجاد الهندي إلى جانب مدينة أمريستار في البنجاب التي ظهرت على خريطة مناسج السجاد بدءاً من القرن 18م. وقد اتسمت السجاجيد الهندية المبكرة، وخاصة في عهد جلال الدين أكبر بتأثرها الكبير بالسجاد الذي كان ينتج في هراة وخراسان، ومن ثم يبدو التأثير الإيراني واضحاً فيها، وخاصة في العناصر الزخرفية لدرجة يصعب معها على غير العين الخبيرة التمييز بين سجاجيد الهند وسجاد هراة ومدن خراسان الأفغانية. رسوم الطيور والحيوانات وكان صناع السجاد الهندي يبدون حرصاً كبيراً على استخدام ذات التصميمات المألوفة في السجاد الإيراني فضلاً عن العناصر والوحدات الزخرفية، ولكن طريقتهم في استخدام الألوان منحت لسجاد الهند شخصيته المتفردة، فتميز بالاعتماد في تلوين ساحات أو أرضيات السجاجيد على اللون البني المائل للاحمرار والأحمر النبيذي والبرتقالي الداكن، وكانت هذه الألوان أهم ما يميزها عن سجاد هراة. وبدءاً من عهد السلطان جهانكير «1605 - 1627م» اكتسب السجاد الإسلامي في الهند طابعاً خاصاً بفضل توجيهات هذا الملك التي شملت كافة منتجات الفنون الإسلامية، حيث عني باقتناء النباتات والطيور والحيوانات النادرة والجميلة وتفصح ألبومات صوره عن اهتمامه الشديد برسمها ليس فقط في التصاوير وجلود الكتب والمشغولات المعدنية، بل وأيضاً في المنسوجات والسجاجيد. فمنذ عهد جهانكير ظهرت الرسوم النباتية من أشجار ونباتات وزهور، وكذلك رسوم الطيور والحيوانات على السجاجيد الهندية وعلى الرغم من ظهور أشباهها على السجاجيد الإيرانية إلا أنها تميزت في سجاجيد الهند بقدر كبير من محاكاة الطبيعة والحيوية أيضاً. وتحتفظ المتاحف والمجموعات الخاصة في جابور بعدد كبير من السجاجيد التي أنتجت في تلك الفترة وخاصة بمدينة لاهور، وهي تتميز بألوانها الدافئة وزخارفها الراقية ويعتقد أن معظمها صنع فيما بين العامين 1630 و1650م. سجاجيد الصلاة الهندية ومن أهم المتاحف التي تقتني سجاجيد تعكس الطابع الفني لعهد جهانكير متحف المهراجا ساواي مان سينغ الثاني في جانبور، ومن مقتنياته المهمة سجادة تعود لعهد الإمبراطور شاه جهان، وهي ذات إطار عريض أرضيته زرقاء اللون وبها رسوم لطيور متكررة رسمت بشكل متقابل وتحصر فيما بينها رسم زهرة أما الساحة الرئيسية للسجادة، فأرضيتها حمراء اللون، وقد رسمت عليها مناظر صيد وافتراس وسط رسوم ورود وزهور وأوراق نباتية وتعتبر هذه السجادة مثالاً واضحاً على الطابع الفني لعهد السلطان أكبر والذي استمرت تأثيراته في عهد ابنه شاه جهان. وفي هذا المتحف أيضاً عدة سجاجيد من إنتاج لاهور وقد صنعت خصيصاً في مناسج ميرزا راجا جاي سينغ لتلبية احتياجات قلعته المعروفة بقلعة أمبير. وقد أفصح هذا الأسلوب عن نفسه أيضاً في سجاجيد الصلاة الهندية ذات المحاريب، ولكن بالاعتماد فقط على الزخارف النباتية، ومن أمثلة ذلك سجادة صلاة تعود للقرن الحادي عشر الهجري «17م» زخرف محرابها البني اللون وساحتها ذات الأرضية الحمراء اللون برسوم أنواع مختلفة من الزهور والورد في تكوينات زخرفية رائعة ومبتكرة تتميز بقربها الشديد من الطبيعة. وهناك أيضاً سجادة مزدوجة المحاريب بحيث يمكن استخدامها للصلاة من أي من طرفيها، وهي ذات ساحة أرضيتها وردية اللون بوسطها صرة باللون الأزرق الذي استخدم لرسم كوشتي المحراب في الاتجاهين مع رسوم نباتية في الأرضية، بينما تحيط هذه الساحة ثلاثة أشرطة أوسعها الأوسط الذي يزدان برسوم أغصان وأوراق نباتية مع زهور رسمت على أرضية باللون الأسود، بينما الشريطان الضيقان رسمت بهما زهور على أرضية باللون الأزرق الفاتح. التناسق اللوني وتختلف زخارف السجاد الهندي بحسب مراكز إنتاجه فبينما تبدو لاهور أكثر تمسكاً بالتقاليد المغولية التي ظهرت بدءا من عهد جهانكير نجد أن السجاجيد المنتجة في أجرا تتميز بطابع هندسي نوعاً مع حتى لو احتوت على رسوم أشجار مثل أشجار السرو، وهي غالباً ذات أشرطة ضيقة متكررة أو شريط واحد عريض تحيط بساحة وسطى عامرة بالزخارف المتكررة بانتظام على امتداد رقعتها، وتتميز سجاجيد أجرا بالتناسق اللوني فنجد في بعضها غلبة واضحة للون الأزرق الفاتح الممزوج بلمسات من اللون الأصفر العاجي وإن كان أغلبها يلون باللون الأحمر المحبب للهنود مثلما نرى في سجادة حرص النساج على أن تضم درجات من اللونين الوردي والبرتقالي الفاتح في رسومها النباتية. وتكتسب السجاجيد المصنوعة في كشمير بشمال شبه القارة الهندية سمعة فنية رفيعة بفضل استخدامها لصوف الباشمينه، وهي التسمية التي تطلق على أصواف الماعز الجبلي في مناطق جبال الهيملايا، فضلاً عن أنواع أخرى مخملية تصنع من الحرير ومن القطن أيضاً. وفضلاً عن ذلك فقد اشتهرت بعض المدن الهندية في السنوات الأخيرة من القرن 19م وبدايات القرن العشرين بتقليد سجاجيد حرز المدينة الإيرانية القريبة من هراة، كما اشتهرت مدينة أمريستار في البنجاب بإنتاج سجاجيد تعرف في المزادات العالمية باسمها إلى اليوم وتعتبر إلى حد بعيد بمثابة إحياء لأسلوب عهد جهانكير من جهة الاستخدام الواسع لرسوم الطيور والحيوانات على أرضيات من الزخارف النباتية القريبة من الطبيعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©