الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدارس لبنان والعراق وفلسطين.. مأوى مَنْ لا مأوى لهم

مدارس لبنان والعراق وفلسطين.. مأوى مَنْ لا مأوى لهم
3 سبتمبر 2006 00:27
اليوم تفتح المدارس أبوابها لتتقاطر أسراب الأطفال إلى ساحاتها· يأتون مزهوين بثيابهم وحقائبهم وأحذيتهم الجميلة المعدة خصيصاً للمدرسة، فرحين بدفاترهم وأقلامهم وألوانهم التي سترسم الفراشات والطيور والأشجار، وتغزل الأماني والأحلام الجديدة· اليوم تنفتح عوالم الصغار على سماوات صافية، وباحات تلعب فيها الشمس، وقاعات مجهزة بكل ما يلزم من أجل النجاح· اليوم يغني الأطفال بكل براءة: يا مدارس يا مدارس شو أكلتو ملبَّس خالص أشكرك يا معلمتنا ع نظافة مدرستنا مدرستنا حلوة خالص إلا أطفال العراق ولبنان وفلسطين، لن يذهبوا إلى المدارس لأنها بكل بساطة غيرت وظيفتها، ولم تعد مفتوحة لاستقبالهم وتدريسهم بعد أن تحولت بفعل الحرب والعنف والاحتلال إلى ملاجئ للمنكوبين والمهجرين، ومن فقدوا بيوتهم وفقدوا معها طفولتهم وأحلامهم العادية البسيطة· لن يذهب أطفال لبنان والعراق وفلسطين إلى المدارس، لأنها باتت مكان سكناهم، وبدلاً من أن يتسلموا الدفاتر والألوان ليلونوا عالمهم بالأصفر والأخضر والوردي، تسلموا ''صواريخ'' لونت حياتهم بـ''الأحمر القاني'' الذي غدا اللون الوحيد في عيونهم وعالمهم· لن يذهب أطفال لبنان والعراق وفلسطين إلى المدارس، لأنهم حصلوا بدل ''الملبَّس والحلوى'' على قنابل عنقودية وفراغية لم تفرغ بيوتهم من الهواء فقط، بل من كل ''فرح'' يمكن أن يداعب قلوبهم أيضاً· لن يذهب أطفال لبنان والعراق وفلسطين إلى المدارس، ولن يغنوا للمعلمة وللمدرسة النظيفة لأنهم ببساطة لن يروا لا المعلمة ولا المدرسة النظيفة لأن الحرب ''نظفت'' حياتهم من كل شيء ولم تترك لهم جمالاً ولا طفولة ولا ما يحزنون· سيذهب أطفال العالم إلى مدارسهم، وستصحو أمهاتهم في الصباح لتعد لهم ''علبة الطعام'' ملأى بما لذ وطاب من الفواكه والخضار والشوكولاتة والحلوى، ومعها دعوات بالسلامة والنجاح· أما هناك، في العراق ولبنان وفلسطين فلن يكون في وسع الأمهات فعل شيء من هذا كله، وسوف يودعن أطفالهن الذاهبين إلى المدرسة -إن تسنى لهم الذهاب- وهنَّ يضعنَ أياديهنَّ على قلوبهنَّ خوفاً مما ينتظرهم من مكروه، ووجلاً مما يربض لهم في الأزقة والدروب· سوف يُسْلِمْنَهم إلى دروب لا يعلمنَ هل سترجعهم إليهنَّ أحياء أم تبتلعهم في جوفها! أطفال لبنان والعراق وفلسطين يعيشون في خوف، يصحون على الرعب وعليه يبيتون، ولا يعرفون ما يخبئ لهم النهار وما يختفي تحت عباءة الليل، حتى ألعابهم لم تعد بريئة كما كانت، مفرداتهم تمتلئ بالجنود والدم والقنابل والأسلاك الشائكة والحواجز وغيرها كثير مما لا يعلم إلا الله كيف يتفاعل داخل نفوسهم الغضة الطرية، وأي آثار سيترك في أعماقهم وكيف ستظهر حين يكبرون ويصبحون قادرين على الفعل والرد على ما لحق بهم من ظلم؟ إنهم أطفال الحرب الذين يرون أمام عيونهم أشلاء آبائهم وأمهاتهم وأخواتهم وإخوتهم وأصدقائهم وجيرانهم، يرون الطائرات والدبابات التي تقصف، والقنابل التي تقتل وتشرد وتدمر، والأكفان التي تنتظر أصحابها، والجنائز التي تحمل الأحبة··· وغيرها وغيرها من كل أشكال العنف، فكيف سينشأون؟ وكيف سيذهبون إلى العلم ليتعرفوا على الحق والخير والجمال والعدل فيما هم يرون البشاعة في كل ما يحيط بهم، ويلمسون بأيديهم ويرون أم عيونهم مشاهد الخراب والدمار التي تغتال كل جمال، وهم في صميمهم يشعرون أن العالم لم يكن أبداً عادلاً معهم، ولم يلق بالاً لآلامهم؟ أي تعليم وأي مدرسة يمكنهما أن يمحوا أثر كل ما يرونه ويعايشونه من نفوسهم؟ في لبنان والعراق وفلسطين ما يزال أمام المدارس متسع طويل من الوقت لتعود إلى مهمتها الطبيعية، وسوف يظل الأطفال هناك، يحدقون في ما يحيط بهم من الخراب والدمار وفي عقولهم الصغيرة تضج أسئلة لن تتمكن من الإجابة عليها كل المدارس حتى لو فتحت أبوابها وعادت إلى العمل··· فأي مدرسة بل أي إنسان -حتى لو كان يعرف السبب- يستطيع أن يجيب طفلاً منهم يسأل: لماذا لا نستطيع الذهاب إلى المدرسة؟ لماذا لم تشتروا لنا مريولاً وحذاء وحقيبة وأقلاماً ودفاتر؟ لماذا يحدث لنا هذا؟ لماذا لا نستطيع اللعب مثل كل أطفال الدنيا؟ لماذا لا نستطيع الحياة بأمان في بيوتنا وحاراتنا وشوارعنا ومدننا وأوطاننا؟ لماذا الحرب؟ لماذا العنف؟ لماذا الموت؟ لماذا···؟؟!!!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©