الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

عزيزي القارئ.. كفى حرام!

عزيزي القارئ.. كفى حرام!
26 نوفمبر 2017 10:38
أحمد مصطفى العملة سامح الله الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب الذي تغنى بـ«صوت الجماهير» في أحد أجمل أعماله، فصنع منه اليساريون والليبراليون العرب صنماً، ناضلوا من أجله سنين طويلة، حتى اكتشفوا في النهاية الحقيقة غير السعيدة. فبعد إهدار طاقات هائلة وموارد جبارة، لإعلاء «صوت الجماهير» تبين أنه ليس كما ادعى عبدالوهاب في أغنيته الشهيرة مع كوكبة من الفنانين قبل نحو 60 عاماً. فليس هو الذي «يصحي الأجيال» ولا «هو انتفاض عزم الأبطال» ولا هو حتى «البطل ورا كل نضال». بل ربما كان الأمر العكس تماماً.. وإلا فلماذا تتجه صحف عربية وغربية كثيرة، واحدة تلو الأخرى، لإغلاق الأبواب التي يأتي منها الريح، بسد منافذ تعليقات القرّاء على مواقعها لإسكات «صوت الجماهير»؟!. لقد اكتشف الصحفيون بالتجربة، هنا في العالم العربي وفي الغرب، الحقيقة المعقدة بشأن «صوت الجماهير». ووجدوا أنه في جزء كبير منه، صاخب، ساخط، ساقط، ناقم، عنصري، لاعن. طبعاً كل القراء ليسو سواء. فهناك أصوات عاقلة رشيدة دوماً، لكنها تضيع وسط كم هائل من التعليقات المليئة برسائل الكراهية والتحريض والإهانات المقيتة، التي لا تستثني أحداً، والصحفيون وكتاب الرأي، عادة، في مقدمة الضحايا. هذه الظاهرة السلبية، أحبطت للأسف، حتى الآن على الأقل، ما بدا أنه تجربة واعدة ومبشرة مع ظهور الإعلام الرقمي، الذي منح «صوت الجماهير» قبلة الحياة، عندما أعطى القراء للمرة الأولى في التاريخ، الفرصة ليقفوا جنباً إلى جنب مع أصحاب الرأي ضمن «العرض» نفسه، في التوقيت نفسه. فمن كان يتخيل أنه سيأتي اليوم الذي يتمكن فيه القراء، بسهولة ويسر، من ممارسة حق الرد والتعليق على ما يقرأون، بعدما كانت رسائلهم الورقية تضيع في الطريق أو يتجاهلها المحررون، أو تنشر مختصرة أو متأخرة كثيراً؟!. والخسارة الناجمة عن حرمان القراء من التعليق أو السيطرة بطريقة أو بأخرى على مضمون رسائلهم.. مزدوجة؛ لأن صحفاً كثيرة كانت تعتبر التعليقات (المحترمة)، إضافة حقيقية ذات قيمة لخدماتها، وتمثل مورداً قيماً لأفكار موضوعات جديدة يمكن متابعتها. كما أنها كانت تسهم في زيادة إقبال القراء عموماً. ثم أنها كانت بالفعل تثري النقاش بشأن قضايا معينة. لكن ماذا كان بوسع الصحف أن تفعل، وهي تجد نفسها عاجزة عن مواجهة كم هائل لا نهاية له من تعليقات لا يجوز بأي حال ظهورها على مواقعها، ليس فقط لأنها ضد القانون، بل لأنها أيضاً ضد كل المبادئ الإنسانية.؟! بكلام أحد الصحفيين الغربيين يشبه الأمر تقريبا، كما لو أنك صاحب متجر، وأنك مضطر كل صباح، قبل أن تبدأ عملك، لأن تنظف واجهة متجرك الذي ترك أحدهم عليه رسماً مسيئاً. طبعا يحتاج الأمر لجهدٍ مضنٍ وموارد ضخمة، (14 صحفياً يراقبون في «نيويورك تايمز» يومياً 12000 تعليق)، لتنظيف واجهة المتجر، كل يوم.. لذلك وجدت صحف كثيرة أنها تستطيع حل المشكلة بتصديرها لواجهة متاجر أخرى. وهي هنا في هذه الحالة «فيسبوك» و«تويتر»، حيث يمكن للقراء المشاركة بتعليقاتهم التي لا تتحمل الصحف المسؤولية عنها حينئذ. لكن تبقى المشكلة قائمة؛ لأنه من خلال الحسابات الوهمية، يمارس بعض القراء أبشع أنواع حرية الرأي، عندما تعرض تلك الصحف قصصها وتقاريرها الإخبارية ومقالات الرأي الخاصة بها، على «السوشيال ميديا». إذن ما الحل ليبقى القراء على تواصل إيجابي مع الصحف.؟! صحيفة مثل «هيلسنجين سانومات» كبرى الجرائد الفنلندية وجدت أنه من الأفضل «تعهيد» مراجعة ونشر التعليقات إلى شركة خارجية؛ لأنه أقل كلفة، فيما عهدت فايننشيال تايمز البريطانية بالمهمة لفريق بالفلبين، مديره مقيم بلندن، توفيراً للنفقات، وتطرح صحف أخرى على القراء يوميا ثلاث قضايا، لبدء حوار جماعي بشأنها، لكن طبعا بحدود. والبعض الآخر يطلب من القراء تقديم اقتراحات لموضوعات يحتاجون إلى معرفة المزيد بشأنها. لكن الأهم، هو اتجاه بعض الصحف للاستثمار في تكنولوجيا متطورة، للوصول إلى حلول مبتكرة قد تساعد في مواجهة تحايل البعض بالتخفي وراء هويات مزيفة لنشر تعليقات مسيئة، حسبما جاء في تقرير لمؤسسة «وان إيفرا» نشره موقع نيمان لاب مؤخراً. وأحدث ما تم التوصل إليه في هذا الشأن هو أداة ذكية اسمها «Perspective» طورتها شركة «جيغساو» التابعة لـ «جوجل» لتدقيق تعليقات القراء وتصنيفها بحسب مضمونها، لتحديد مدى صلاحيتها للنشر. نيويورك تايمز اختبرت هذه الأداة ، وتعاونت في الوقت نفسه مع «جيغساو» لتطوير أداة أخرى باسم «Moderator» لتقييم التعليقات أيضا لتحديد ما يصلح للنشر من دون تدخل بشري. الفائدة الأهم في مثل هذه الأدوات، هي أنها سوف تساعد الصحف على فتح الباب باستمرار أمام تعليقات القراء بعد استبعاد المسيء منها. لكن يبقى للأمر أبعاداً أخرى أخطر من مجرد التبعات القانونية أو الأعباء المالية، إذ يطرح تفشي التعليقات المسيئة على وسائل التواصل الاجتماعي تساؤلات جادة بشأن مدى قدرة مجتمعاتنا، في هذه الأوقات العصيبة تحديداً، على إدارة حوار صحي وإيجابي بين الجميع، من دون إساءات أو إهانات أو تحريض.؟!  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©