الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كردستان والحرب على «داعش»

16 أغسطس 2014 00:00
من الواضح أن هناك مجموعة كبيرة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والانتخابية والانتهازية والأخلاقية وغيرها، تجعل الرئيس أوباما لا يرغب في العودة للانزلاق في حرب أخرى في العراق. لكن، لماذا إذن يقصف المتطرفين الإسلاميين في المنطقة الكردية من العراق ويقول إنه قد يواصل هذا لبضعة شهور؟ ببساطة، لأن ما يفعله لا علاقة له بالعودة إلى حرب العراق! وهذا في أدنى صوره قد يبدو مفارقة، ولكن ليتمهل معي القارئ قليلاً. يمكننا أن نتفق جميعاً على أن حرب العراق تشير إلى الفترة بين عامي 2003 و2011 عندما غزا تحالف بقيادة أميركية العراق وأطاح الحكومة المركزية في بغداد، وفكك كل هيئات السلطة مما ألقى معظم أنحاء البلاد في أتون حرب طائفية. وقد حاول القادة الأميركيون التصدي لتحديات الحرب الطائفية في بداية الأمر بمجرد فرض سلطة الاحتلال، ثم في عام 2007 من خلال آليات مقاومة التمرد الأكثر مهارة التي كفت الفصائل الطائفية عن التناحر مع بعضها بعضاً، مما قلل إلى حد كبير مستويات العنف وأدى إلى التوصل إلى هدنة مؤقتة. وحتى المدافعون عن تلك الاستراتيجية الجديدة ومن بينهم الجنرال ديفيد بيترايوس أكدوا أن فوائدها ستكون مؤقتة في أفضل الأحوال. وبالتالي فإن كل ما تستطيع القوات الأميركية أن تقدمه هو «مساحة تنفس» للفصائل السياسية العراقية لتنسق العمل فيما بينها. وبعد أن عادت القوات الأميركية إلى وطنها بموجب اتفاقية في عام 2008، وقعها بوش بناء على إصرار البرلمان العراقي، اتضح بعد فترة قصيرة أن رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي ليست لديه رغبة في التعاون مع الفصائل الأخرى، ولا في المحافظة على الهدنة مع خصومه السُّنة، بل شن في الواقع حملة لاضطهادهم. واندلعت حرب طائفية جديدة. وهذه هي حرب العراق الجديدة التي لا يريد أوباما أو أي أميركي أن يعود إليها. وضربات أوباما الجوية ضد معاقل الإسلاميين المتطرفين في كردستان شيء مختلف. وأرجو أن يلاحظ القارئ أنني في مطلع المقال في تلخيصي لحرب العراق أشرت إلى أن الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003 وتفكيك كل وزاراته ألقت «معظم» البلاد في حرب طائفية. والمنطقة الوحيدة في العراق التي بقيت محصنة تقريباً من الفوضى، واعتبرتها السلطات الأميركية «مستقرة» خلال فترة طويلة من الاحتلال، كانت المنطقة الشمالية التي تعرف باسم كردستان ويقطنها ما يقرب من ستة ملايين كردي. وقد ساد الاستقرار المنطقة رغم التنوع العرقي لسكان كردستان وأغلبيتهم الساحقة مسلمون وإن كان هناك أيضاً الإيزيديون وطائفة «يارسان» والمسيحيون، وقد بقيت هادئة نسبياً رغم صراعها المرير على مدى عقود مع بغداد. والسبب الرئيسي لاستقرار كردستان هو إعلان الإقليم في عام 1970 منطقة تتمتع بحكم ذاتي. ولكن لعل الأبلغ أثراً والأقرب زمناً هو أنه بعد حرب الخليج في عام 1991، أعلن مجلس الأمن في قرار 688 أن المنطقة «ملاذ آمن» يستطيع الأكراد الاحتماء به من بطش صدام حسين. وكان نظام صدام قد قتل آلاف الأكراد بالأسلحة الكيماوية أثناء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. ووافقت الولايات المتحدة على تنفيذ القرار بفرض منطقة حظر طيران. وبعبارة أخرى، فإن أي طائرة عراقية تحاول التحليق فوق الأراضي الكردية كانت ستسقطها القوات البحرية والجوية الأميركية. وقد انتعشت كردستان في ظل هذه الحماية. وتجاوز متوسط دخل الفرد فيها دخل باقي العراقيين بنحو 50 في المئة، وفيها مناطق تجارة حرة مع تركيا وإيران اللتين كانتا خصمين وعدوين ذات يوم، وتتمتع المنطقة أيضاً بعلاقات وثيقة مع عدد من الشركات الغربية. ولكن ثروة كردستان جاءت معها أيضاً بتوترات عديدة. فبعد أن حول العنف الشيعي السني العراق إلى «دولة فاشلة»، بدأ الأكراد يبرمون صفقاتهم مع شركات نفطية ويسعون لتحقيق الطموح الذي يراود بعضهم وهو الانفصال التام. وكان الاستعماريون البريطانيون والفرنسيون بعد الحرب العالمية الأولى قد قسموا الأراضي الكردية بين العراق وتركيا وسوريا وإيران. والانفصال التام قد يحرم بغداد والعرب السنة من قسط كبير من عائدات النفط. وإذا كان العراق، سواء كدولة مركزية أو كاتحاد فضفاض، لديه أي آمال في أن يصبح مستقراً أو ديمقراطياً فإنه يتعين أن تكون كردستان جزءاً منه بل ونموذج يحتذيه. وعندما انتقل مقاتلو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف باسم «داعش» إلى العراق في يونيو الماضي عبّر كثيرون في الغرب عن قلقهم، ولكن هذا القلق لم يترجم إلى فعل ملموس. وفي بداية الأمر، بدت «داعش» صغيرة الوجود إلى حد كبير، ثم في ظل قيادة المالكي الفاسدة أصبح الجيش العراقي مجرد شكل بلا مضمون إلى حد كبير، ثم استغلت «داعش» عداء كثيرين من السنة لحكومة المالكي الشيعية. ولذا قال معظم القادة الغربيين إن الطريقة الوحيدة لحل المشكلة هي أن يشكل العراقيون حكومة جديدة أكثر تمثيلاً لجميع الطوائف. وفي الوقت نفسه لو دافعنا بطائراتنا عن حكومة شيعية قمعية، فسيُنظر إلينا باعتبارنا «قوات المالكي الجوية»، وبالتالي قد ندفع المزيد من أفراد السنة إلى الانضمام إلى صفوف «داعش». وأخيراً جرى التأكيد في بداية الأمر أن قوات البشمركة الكردية تستطيع أن تدافع عن نفسها إذا دخلت «داعش» إقليم كردستان. وجاء إعلان أوباما يوم 11 أغسطس عن الضربات الجوية وتعزيز الشحنات العسكرية بعد أول بادرة على أن «داعش» يستطيع أن يتحدى البشمركة على خلاف ما كان متوقعاً. وخلاصة القول، أن تحركات أوباما لا ترقى إلى مستوى استئناف حرب العراق، ولكنها رد ضروري ليس فقط على أزمة إنسانية ولكن أيضاً على خطر جسيم يواجه حليفاً حيوياً في المنطقة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©