الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العدوان على غزة.. كشف «الربح» والخسارة

العدوان على غزة.. كشف «الربح» والخسارة
16 أغسطس 2014 00:01
لن يبقى في الذاكرة من حرب غزة الحديث عن دوافعها الأمنية المزعومة ولا الخطب التي تبررها، ولا المكاسب التكتيكية التي قد تحققها إسرائيل. فالصورة الدائمة التي ستتركها هذه الحرب لهذا العالم هي صورة أربعة صبيان على الشاطئ يلعبون كرة القدم، وعند العدوان يحاولون النجاة بحياتهم ولكنهم ينتقلون في غمضة عين من طفولة بلا هموم إلى العالم الآخر. وطبعاً لا توجد قبة حديدية بوسعها أن تحمي إسرائيل من مثل هذه الصورة. ولا توجد أيضاً قبة حديدية يمكن أن تمحو صور المعاناة والدمار المحفور في ذاكرتنا، لأن صورة إسرائيل دمرت بسبب هذا الإثخان في القتل. وحتى لو صدقنا أن القبة الحديدية تحمي إسرائيل مما يحاول الآخرون أن يلحقوه بها من ضرر، إلا أنها لا تستطيع أن تحميها من نفسها. دعونا نقبل لبعض الوقت كل حجة توردها القيادة الإسرائيلية لعدوانها على غزة، وهي أن الهجمات الصاروخية لا يمكن التهاون معها، وخطف وقتل مراهقين إسرائيليين أمر مرعب، و«حماس» جماعة إرهابية تستخدم دروعاً بشرية لحماية أسلحتها ومقاتليها، وكل بلد له الحق في الدفاع عن نفسه. ومن السهل القبول بهذه الحجج، من وجهة نظر تل أبيب. ودعونا أيضاً نضرب صفحاً عن الحجج المقابلة، وعن حقيقة أن هذا العدوان بدأ على الأرجح تعبيراً عن غضب الحكومة الإسرائيلية تجاه التوافق على حكومة الوحدة الفلسطينية، قبل أن يكون رداً على مخاوف أمنية. ودعونا كذلك نضرب صفحاً عن كون الحرب في جانب منها رداً انفعالياً على خطف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين بقدر ما هي رد على الهجمات الصاروخية. هذا مع أن الهجمات الصاروخية التي أطلقت من قطاع غزة قد أدت إلى ضرر محدود نسبياً منذ بدايتها قبل عقد من الزمن، وأن رد إسرائيل عليها كان غير متناسب بكل المقاييس. قد يكون كل هذا صحيحاً. . ولكن هناك حجج يتعين وضعها في الاعتبار أيضاً. ومن المؤكد أن هذه الحجج المقابلة ليست أقل إفحاماً، فسكان غزة الذين يشعرون بالقمع والحصار لقرابة 1,8 مليون نسمة في بيئة حضرية كئيبة، من حقهم هم أيضاً المطالبة بالحرية والكرامة والأمن. ومن حقهم أن يعتقدوا أنه لا شيء يبرر قتل أطفالهم وشقيقاتهم وأشقائهم وأمهاتهم وآبائهم الأبرياء، بصرف النظر عن تصرفات «حماس». ولو كان الهدف الرئيسي لإسرائيل هو دعم أمنها فإنها لن تحقق هذا إلا على المدى القصير على الأرجح. فحركة «حماس» ما زالت موجودة. والجمهور الذي قد تستمد منه أفرادها ازداد غضباً. والممولون الدوليون في مناطق بعيدة ما زالوا في أمان دون أن يمسهم سوء، وقد لا يثنيهم شيء عن تقديم المزيد من المساعدات. وإذا كان هدف إسرائيل هو إلحاق الأذى بحركة «حماس»، فمهما يكن من أمر ما حققته في الحرب فقد جاء على حساب سمعتها. ومهما يكن عدد المتحدثين الذين تدفع بهم إسرائيل لمناقشة مسألة الدروع البشرية، فقد تواروا خلف صور النساء والأطفال القتلى والجرحى والأسر المشردة، وخلف الحقيقة الأساسية المتعلقة بأن هناك دولة قوية عسكرياً ومتقدمة تكنولوجياً، تدمر أرضاً تحتلها لتتخلص من مجموعة صغيرة من المقاتلين لا يمثلون إلا تهديداً طفيفاً لها. وباختصار، فإسرائيل تشن عملاً عسكرياً ضد خصم كان يشن حملة سياسية، وبالتالي تبنت آليات خاطئة، وقاست تقدمها بمقاييس خاطئة أيضاً. ولا يمكن إنكار حقيقة أن التكتيكات الإسرائيلية لن تجتاز أبسط الاختبارات لو قيمناها من الناحية الأخلاقية ومن حيث التناسب والفعالية. ومن الناحية الاستراتيجية لا يتعلق الأمر بالصواريخ ولا بالأنفاق. بل يتعلق في جوهره بالشروط التي يحصل بها شعب فلسطين على دولته وفق مفاهيم ومبادئ القانون الدولي. وبناء على كل الأسباب المذكورة أعلاه، فإن ما فعلته إسرائيل يضرها هي وحدها. ولاشك أن نزيف الدم في غزة سيجعل العالم أكثر ميلاً إلى دعم الجهود الفلسطينية لإعلان الاستقلال. وعلاوة على هذا، وبغض النظر عن «حماس» فالعالم يدرك فوائد السماح لزعماء السلطة الفلسطينية الحاليين بأن يتولوا أمر الشعب الفلسطيني، لتنتقل الأمور إلى زعامة أكثر مشروعية مما ينزع من إسرائيل واحداً من مبرراتها المفضلة التي تحول دون تحقيق تقدم باتجاه إبرام اتفاق سلام. فمع غياب «حماس» وغياب الانقسام الذي تتسبب فيه سيكون هناك نظام فلسطيني حاكم أكثر وحدة ومقبولية على مستوى العالم. والراهن أن الوضع على الأرض في غزة في أعقاب العدوان لا يساعد كثيراً على تحديد الفائز من الخاسر، في خضم المآزق الأخلاقية والحقوقية والانتهاكات والحاجات الإنسانية وقوائم الأولويات السياسية. وقد تعلن إسرائيل أنها قد ألحقت أضراراً كبيرة بـ«حماس» بعد أن حطمت الصواريخ والأنفاق وكشفت تكتيكاتها المتهورة. وتستطيع «حماس» أيضاً أن تدعي ببساطة أنها قد وُهبت الحياة، وأنها ستظل حية وتستمد مقاتليها من سكان أغضبتهم هذه الحرب. ولكن من شبه المؤكد أن الجانبين قد خسرا معاً أكثر مما كسبا. وفي النهاية، خسرت إسرائيل ويرجع هذا في جانب كبير منه إلى أنه رغم جيشها القوي ومواردها الهائلة في مقابل فقر الفلسطينيين وضعف مقاتلي «حماس»، فقد تمتع الفلسطينيون بسلاح سري تفوق على القبة الحديدية هو أن الزمن في جانبهم. فكل يوم يزيد سكانهم عدداً مع تزايد الظلم الذي يعانون منه. ومع كل يوم تضعف حجج إسرائيل الخاصة بتأجيل قيام دولة للفلسطينيين. ورغم كل الحرص الواجب في التوازن، ففي نهاية المطاف لا يمكن تفادي النتيجة التي مفادها أن أحد الجانبين قد خرج بالفعل خاسراً. وإذا جمعت النتائج النهائية والدلالات طويلة الأمد لهذه النتائج، فإنها ستشير على الأرجح إلى أن إسرائيل كانت أقل مكسباً وأكثر خسارة مقارنة مع الفلسطينيين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©