بصفتي عضواً في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، فإني أصادف يومياً ما يذكرني بأننا نعيش في عالم خطِر. عالم عنيف، وفوضوي، وينحو لأن يكون أكثر عنفاً وفوضوية على الدوام. ومن بين التهديدات كافة التي يواجهها أمننا القومي، ليس هناك مجال نعتبر فيه أكثر انكشافاً، ونواجه فيه احتمالات مدمرة وشديدة الخطورة، مثل المجال الإلكتروني. فشبكات القوى الكهربائية، والنظام المصرفي، وأنابيب الطاقة، ومراقبة الحركة الجوية، وغيرها من الأنظمة الحيوية في بلادنا معرضة لخطر داهم.
والهجوم الإلكتروني الأخير على «مكتب إدارة شؤون الموظفين» الفيدرالي يمثل دليلاً على مدى انكشافنا في هذا المجال. ولم يكن من قبيل المصادفة، أن يختار أعداؤنا مهاجمة هذا المكتب بالذات. فهم لم يتمكنوا من النفاذ للمعلومات الشخصية لما يقرب من 22 مليون موظف فيدرالي حالي وسابق فحسب، بل تمكنوا أيضاً من سرقة بيانات على درجة عالية من السرية، كان قد تم جمعها من التصاريح الأمنية التي تمنح للمواطنين في حالات محددة.
ونظراً لأن الهجمات الإلكترونية لا تُحدث تدميراً مادياً مثل ذلك الذي تسببه الاعتداءات التقليدية، فإنه يكون من السهولة عادة، تجاهل الدمار الذي تسببه تلك الهجمات.
والهجمات الإلكترونية تكلف الاقتصاد العالمي ما يزيد على 400 مليار دولار سنوياً. وأهم من ذلك، فإن الهجمات الإلكترونية تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأميركي. لكننا في الولايات المتحدة تأخرنا للأسف، رغم جسامة هذا الخطر، عن إعداد خطة وتطوير إرادة سياسية للتعامل مع مثل هذا التهديد.
وجزء من المشكلة المتعلقة بإعداد استراتيجية للأمن الإلكتروني، يكمن في الافتقار إلى المساءلة في المستويات القيادية من الحكومة. فعندما تحدث هجمات إلكترونية في القطاع الخاص، فإن العواقب تكون فورية؛ فالمدير التنفيذي لشركة «تارجت» الشهيرة تعرض للإقالة من عمله العام الماضي بعد اختراق إلكتروني لنظام بطاقات الائتمان أثّر على أزيد من 40 مليون عميل للشركة، كما فقد موظفون في مستويات أقل في شركات أخرى وظائفهم، بسبب اختراقات أمنية مشابهة.
وكما يتبين من جلسات الاستماع في الكونجرس، فإن مثل هذه الثقافة غير موجودة في الحكومة الفيدرالية. ففي حالة الاختراق الذي حدث في مكتب إدارة شؤون الموظفين الفيدرالي مثلا استلزم الأمر مرور ثلاثة أشهر بعد اكتشاف الاختراق، وأسابيع طويلة من النقد العام الحاد، قبل قيام كاثرين أرشوليتا، مديرة المكتب، بتقديم استقالتها.
لذلك يتعين على الرئيس الاضطلاع بالمهمة الثقيلة المتعلقة بتنفيذ استراتيجية لمواجهة هذا التهديد، تتضمن ردعاً لأعدائنا الذين يفكرون مهاجمتنا، بدلاً من أن ننتظر حتى يشنوا هجماتهم ثم نتصرف بعد ذلك. وكما قال آدام مايكل روجرز، رئيس وكالة الأمن القومي والقيادة الإلكترونية، في شهادته مؤخراً أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ: «في نهاية المطاف، سيكون اتباع استراتيجية دفاعية بحتة قائمة على رد الفعل إجراءً متأخراً ومحتاجاً لقدر هائل من الموارد».
ويكتسب الردع أهمية خاصة عندما يكون المسؤولون عن الهجمات الإلكترونية دولا وليسوا مجرمين عاديين. فالمجرمون الإلكترونيون يريدون عادة سرقة شيء أو تدميره، بينما دول مثل الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، تسعى للحصول على ميزة أو منفعة لتعزيز مصالحها القومية. ففي الهجوم على مكتب شوؤن الموظفين الفيدرالي، يمكن أن تتمثل تلك المصالح في التعرف على الأميركيين الذين يمكن ابتزازهم وتجنيدهم كجواسيس أو التعرف على عملاء الاستخبارات الأميركية.
سواء كان المهاجمون دولاً أو أفراداً أو تنظيمات، فإن ترك تلك الهجمات تتكرر دون اتخاذ إجراءات صارمة، والاكتفاء بالبيانات الشديدة اللهجة، لن يكون رادعاً لهم، بل سيشجعهم على شن المزيد من الهجمات.
والرئيس الأميركي يمتلك السلطة الكافية لمعاقبة المسؤولين عن الهجمات الإلكترونية: ففي حالة الهجمات التي ترعاها دول يمكنه فرض عقوبات وقيود مالية مثلاً، كما يمكنه استخدام محكمة الرأي العام على نحو أكثر كفاءة للكشف عن أسماء الأطراف المسؤولة عن تلك الهجمات وتجريمها، كما يمكن لوزارة الخارجية حرمان المسؤولين من الأفراد عن تلك الهجمات من الحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة.
لكن حتى الآن يشعر أعداؤنا أنه يمكنهم شن مثل تلك الهجمات دون أن ينالوا عقاباً، وهو أمر مؤسف للغاية مرشح للتفاقم، ما لم نطبق سياسة صارمة للردع.
كريس ستيوارت*
*عضو مجلس النواب الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»
عدد اليوم
