الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستثناء الألماني... وسط الأزمة الأوروبية

3 يناير 2012
لو أخذنا مركز "أليكسي" التجاري وسط العاصمة الألمانية برلين مؤشراً موضوعيّاً على تأثير الأزمة الاقتصادية في ألمانيا فإنه يمكننا القول بكل ثقة إن البلد بأحسن حال مقارنة بجيرانه الأوروبيين. ففي الوقت الذي تتبنى فيه الدول الأوروبية القريبة التي تعاني من أزمة ديون ضاغطة إجراءات تقشفية للحد من العجز المالي وتطمين المستثمرين المتخوفين وخفض أسعار الفائدة المرتفعة على حساب الأمن الاجتماعي، يستمر المتسوقون الألمان في إنفاق أموالهم كما يتضح ذلك هنا في مركز "إليكسي" الذي يعج بمتسوقين يتسابقون لشراء الهدايا بمناسبة أعياد رأس السنة الميلادية. ومن هؤلاء الألمان الذين لا يبدو عليهم الشعور بالأزمة، على غرار نظرائهم في البلدان الأوروبية، هناك "فينجا كوث"، الموظفة الاجتماعية التي تقول، وهي تخرج من المركز التجاري محملة بالمشتريات، إن مواطنيها لم يشعروا قط بالحاجة إلى خفض نفقاتهم وهذا هو الشعور العام الآن خلال عطلة رأس السنة الميلادية، موضحة ما تعنيه بقولها: "إن ألمانيا تحتل موقعاً أفضل وأريح مقارنة بباقي البلدان الأوروبية التي تعاني أزمة حقيقية، ولذا فلسنا قلقين كثيراً بشأن ما يجري على حدودنا ونحن نستمر في شراء ما يحلو لنا من هدايا". بيد أن هذا الشعور المتساهل مع الأزمة لدى الألمان يثير استياء جيرانهم الذين يواجهون أوقاتاً صعبة، بالإضافة إلى مخاوف أيضاً لدى الاقتصاديين حول العالم، فعلى رغم القوة المالية لألمانيا وقدرتها على إنقاذ الدول المتعثرة في منطقة "اليورو" فقد قاوم قادتها السياسيون المطالب الدولية بالتدخل المالي الحاسم لوضع حد للأزمة التي تعصف بالغرب وتهدد بالانتقال إلى مناطق أخرى من العالم. ولكن ما الذي يدفع ألمانيا إلى الاستعجال؟ فاقتصادها القائم على التصدير ما زال نشطاً، ونسبة البطالة هي الأقل منذ أكثر من عشرين عاماً، أما مؤشر الثقة في قطاع الأعمال الذي أصدره خلال الأسبوع الجاري معهد "إنفو" في ميونيخ فقد أشار إلى تفاؤل كبير منذ شهر فبراير الماضي، فيما واصل معدل إنفاق المستهلكين ارتفاعه خلال الربع الأخير من السنة الجارية وتصاعدت مبيعات المحال التجارية خلال الأسابيع التي سبقت أعياد الميلاد. وعن هذه الأجواء الإيجابية التي تعم ألمانيا قال "سباستيان دوليان"، الخبير الاقتصادي بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "إنها أزمة لا أحد يستشعرها، هناك شبه إجماع هنا على أن ألمانيا عرفت كيف تتجاوز الأزمة نظراً للإجراءات الصحيحة التي اتخذتها". ومع وجود تحذيرات من ركود ثان قد يجتاح أوروبا دافع الاقتصاديون الأوروبيون عن ضرورة التدخل الشامل للحكومات الأوروبية لإنقاذ الاقتصاد وتهدئة روع المستثمرين، وفي هذا السياق ظهر مقترحان أولهما طرح سندات أوروبية مشتركة، والثاني تحويل البنك المركزي الأوروبي إلى مقرض الملاذ الأخير. ولكن ألمانيا رفضت هذه الاقتراحات باعتبارها سوابق خطيرة تناقض المبادئ المؤسسة للاتحاد الأوروبي كما تتعارض مع تحمس ألمانيا الكبير والتقليدي للتحوط المالي، وبدلاً من ذلك ضغط قادة ألمانيا في اتجاه تشديد المراقبة المالية على جيرانها المنفلتين، وفرض وحدة مالية أكبر على منطقة "اليورو"، وخلال الشهر الجاري أقنعت ألمانيا بالاشتراك مع فرنسا دول الاتحاد الأوروبي بالموافقة على فرض حدود على الإقراض والإنفاق وفرض عقوبات تلقائية على البلدان التي تنتهك هذه القواعد، ولكن تلك المساعي لفرض القيود على الحكومات الأوروبية جعلت ألمانيا محط انتقادات شديدة مؤداها أنها استغلت الأزمة لتنفيذ وتمرير السياسات التي طالما سعت أصلاً إلى تطبيقها. غير أن مسؤولاً ألمانيّاً بارزاً رفض الكشف عن اسمه نفى أن يكون هدف ألمانيا هو استغلال الأزمة الراهنة لتنفيذ أجندتها الخاصة، حيث يقول: "نحن لسنا دهاة ولا أشراراً، ولا نسعى إلى توظيف الأزمة المالية الحالية، بل إن كل همنا هو إنقاذ اليورو من الانهيار". ولكن مع ذلك هناك دلائل تثبت استفادة ألمانيا فعلاً من الأزمة، فقد أشارت مجموعة الأبحاث "ري ديفاين" التي تتخذ من بروكسل مقراً لها إلى أن تكلفة الإقراض بالنسبة لألمانيا انخفضت بأكثر من 50 في المئة طيلة الأزمة الأخيرة بسبب هروب المستثمرين من سندات الدول المتعثرة وإقبالهم الكثيف على السندات الألمانية الأكثر أماناً، وهو الأمر الذي مكن ألمانيا من ادخار 26 مليار دولار من تكلفة الإقراض في 2009. ومع ذلك تجد الإجراءات الألمانية الداعية إلى التقشف مقابل الحصول على مساعدات صدى واسعاً في أوساط النخبة الألمانية، فقد أظهر استطلاع للرأي استجوب 500 شخص من النخبة بأن الأغلبية الساحقة منها تؤيد الإجراءات الحكومية، معربة في الوقت نفسه عن ثقتها في تلك الإجراءات للخروج من الأزمة الأوروبية، وهكذا أبدى فقط 11 في المئة من المستجوبين تخوفهم من انهيار "اليورو" فيما أقر 90 في المئة منهم بأن خطط الإنقاذ الموجهة للدول المتعثرة يجب أن تقترن بإجراءات تقشفية صارمة. وهذا المناخ المتفائل في ألمانيا أفسح المجال أمام ميركل لأخذ وقتها في معالجة الأزمة والتركيز على تعزيز المؤسسات الأوروبية بدلاً من التدخل السريع والقوي الذي يطالب به بعض الأوروبيين، وهو أيضاً ما يفسر إقبال الألمان الكثيف على التسوق فيما جيرانهم يربطون الأحزمة ويستعدون للتقشف. آرون وينر - برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©