السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حروب الهوية والمواطَنة.. مَن يساعد العرب؟

16 أغسطس 2014 23:55
صحيح أن نوري المالكي رفض بإصرار وعناد حكم العراق بسياسة جامعة لا تقصي أحداً، وصحيح أن حكم عائلة الأسد لسوريا تميز بالوحشية والتطرف، وأن معمر القذافي لقي مصيره بعد أن ترك الليبيين من دون مؤسسات وطنية. لكن الأمراض التي ابتلي بها هؤلاء القادة لا يمكن أن تفسِّر بشكل دقيق الفشل الذريع الذي تعاني منه تلك البلدان. لقد كان العالم العربي خلال فترة طويلة من الزمن منشغلا بكفاح أوسع مدى. وكان تائهاً بين مواصلة الصراع ضد الاستعمار، وبين تحديد المعنى الأساسي لكون المواطن مصرياً أو عراقياً أو ليبياً. وكانت الصراعات الأكثر وضوحاً في العديد من البلدان العربية تدور حول المفاهيم المتعلقة بالقومية والهوية الوطنية وحق المواطنة. وما لم يتمكن المواطنون في معظم بلدان العرب من تحديد هويتهم والدفاع عن حق المواطنة في دولهم، فلن يجدوا لدى واشنطن الشيء الكثير مما يمكنها أن تساعدهم به. وقد كتب لهذا الجدل أن يتواصل منذ القرن التاسع عشر عندما هبّ الإصلاحيون، الإسلاميون والقوميون، المطالبون باستعادة حرياتهم، في ثورتهم الغاضبة ضد الهيمنة الأوروبية. ومع حلول أواسط القرن العشرين، انسحبت بريطانيا وفرنسا من المنطقة العربية، وظهرت نخبة من القادة السياسيين من أمثال عبد الناصر في مصر وهواري بومدين في الجزائر والحبيب بورقيبة في تونس. . لتقود بلادها نحو عصر جديد وتستعيد مكانتها بين الأمم. وكانت التساؤلات المتعلقة بالانتماء الوطني أو الإثني أو الديني أو المذهبي لا تحظى بإجابات شافية، بدعوى أن الأوضاع تتطلب إعطاء الأولوية للكفاح ضد الاستعمار بدلًا من البحث في هذه القضايا. ورغم الخطاب الحماسي الذي ساد آنذاك داعياً لتحقيق الوحدة العربية، فإن المشاعر الحقيقية لمعظم الشعوب العربية كانت تركز على «الثلاثية الثورية» التي نراها ماثلة بقوة في ضمائر الجزائريين، والقائلة: «الجزائر وطني، والإسلام ديني، والعربية لغتي». وكانت النُخب الثورية العربية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات قد تحولت إلى حرس قديم محافظ، وهي التي استبدلت حمأتها الثورية بشعارات فارغة لا تصلح لحل المشاكل المستعصية لبلدانها. وقد ذهبت تلك النُخب إلى تعريف الهويات الوطنية في البلدان التي تحكمها باستخدام شعارات وأساطير تاريخية. وفيما كان الحكام قد ثبّتوا أركانهم في السلطة باعتبارهم قوميين بامتياز، فقد عمدوا إلى تطبيق إصلاحات مبنية على مبادئ ومناهج الاقتصاد الحر المخططة في مكاتب وأروقة صندوق النقد الدولي. وتمكنت بعض تلك الدول من مواصلة مسيرتها بالاعتماد على المساعدات الآتية من الغرب. واليوم، لم تعد شعوب الشرق الأوسط قادرة على استعادة ذكرى الانتصارات التي حققتها في ثورات التحرر والاستقلال. وفي منطقة يقل فيها متوسط عمر السكان عن 30 عاماً، واجه معظم المواطنين العرب بطش حكامهم ووحشية رجال الأمن وعدم المساواة بين الناس في تقلد المناصب الرسمية. وعندما تمكن المتظاهرون من عزل زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح، وهددوا الأسد، فقد استعادوا بذلك الفرصة لإعادة البحث عن هوياتهم والتمسك بانتماءاتهم الوطنية. ويعد العراق مثالا على ذلك. ويمكن القول إن السؤال حول ما تعنيه كلمة «عراقي»، لم يلقَ جواباً شافياً حتى الآن. وأثناء سفري مؤخراً من أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، إلى السليمانية، وعودتي، سألت الأكراد الذين قابلتهم: «ماهي المشاعر الوطنية أو العقائد التي تشتركون فيها مع سكان بقية المناطق العراقية؟»، فكان جوابهم جميعاً ومن دون تردد: «لا شيء». وهذا الجواب لا ينطوي على عنصر المفاجأة إذا أخذنا بالاعتبار أن الأمم المتحدة، وبضغط من بريطانيا، أصدرت قراراً بضم المناطق ذات الأغلبية الكردية إلى العراق بعد ست سنوات من الاستقلال وقيام الدولة العراقية. ومنذ وقته وحتى الآن، لم يتوقف الأكراد عن محاولة التنصل من الانصياع لذلك القرار. وفي العراق الذي يبلغ عدد سكانه نحو 30 مليوناً، ما زال معظم الناس يعيشون حياة المعاناة منذ سقوط صدام حسين لسبب أساسي وهو أن مفهوم «المواطَنة العراقية» أصابه الكثير من التصدع. وتمكن تنظيم «داعش» الإرهابي من استغلال هذا الفراغ السياسي والأمني ليستولي على مناطق واسعة من العراق وسوريا. وباستثناء العراق، لا يبدو أن تقسيم دول المنطقة إلى دويلات أمراً وشيكاً. لكن، ونظراً لأن بعض السياسيين الأوروبيين هم الذين خططوا لإنشاء الدول العربية عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، فإن استيطان تلك البلدان من طرف أقوام متعددة الأصول والمشارب لم يكن يعني أبداً أنها غير معرضة للتحلل والتقسيم. وحتى الدول الأكثر احتواءً على الاختلافات العرقية والدينية، يمكنها أن تحتفظ بكياناتها لو تمكن قادتها من تقديم مفهوم واضح وواعد لما يعنيه أن يكون المرء جزءاً من مجتمعها، وخاصة إذا كانت المبادئ التي تقوم عليها محسوسة ويستشعر الناس تطبيقها الصادق يومياً. وإذا لم يحدث هذا، فالأمور ستنتهي إلى العنف والاحتكام إلى السلاح. ووفقاً لكل هذه الاعتبارات، يمكن القول إن الانتقادات التي وجهت للرئيس أوباما بسبب نقص اهتمامه بأحداث المنطقة، تبدو في غير محلها. ولا شك أنه كان على البيت الأبيض أن يستجيب لطلب الأكراد للسلاح للتصدي لتنظيم «داعش» قبل شهرين. وربما كان هذا التأخير قد زاد الموقف تأزماً وأدى إلى عودة الولايات المتحدة لإنجاز عمل عسكري في العراق. وأثبتت الأحداث أن العقلية السياسية التي اعتمدها أوباما في المنطقة صحيحة جداً. فعندما ينخرط شعب في حرب واسعة النطاق للدفاع عن الهوية والحق في المواطنة، فالأمر يعود له ولقادته أولاً وأخيراً حتى يتوصلوا معاً إلى صيغة تجعل العيش المشترك أمراً ممكناً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©