السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا: سياسة المسارين في الصومال

27 أكتوبر 2010 20:45
تورّطت الولايات المتحدة في الصومال منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، أثناء الحرب الباردة في البداية، ثم في عام 1992 بسبب المجاعة الواسعة التي عرفتها تلك البلاد، من خلال إطلاق مهمة إنسانية هناك عرفت بـ"عملية إعادة الأمل". ولكن في العقد الأخير تورطت الولايات المتحدة مجدداً بصورة أكبر، ودعمت بنشاط الحكومة الصومالية الانتقالية، معتبرة هذا أنه الوسيلة الأفضل لإعادة أجواء السلام إلى ذلك البلد الذي عانى مريراً من الصراعات الداخلية، والذي ما زال حتى الآن يواجه عنفاً متجدداً ومتزايداً بسبب تفشي الجماعات المتطرفة مثل تنظيم "الشباب". ولكن بينما يشهد الصومال تزايداً في العنف، تمكنت بعض الأقاليم "شبه المستقلة" مثل "بونتلاند"، و"أرض الصومال"، من توفير قدر أكبر من الأمن لسكانها، مقارنة ببقية البلاد. وقد أعلن مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الإفريقية جوني كارسون، مؤخراً، مواقف يفهم منها إدراكه لقيمة دعم وتقوية الاستقرار في تلك المناطق، مشيراً إلى أن حكومة الولايات المتحدة ستدعم "بونتلاند" و"أرض الصومال" عن طريق توفير المعونة التنموية، وستعمل على توفير الدعم ضمن إطار الشراكة الثنائية كجزء من توجه أوسع لضمان الاستقرار في الصومال ككل. ويدعم هذا القرار ما يردده العديد من الصوماليين حول اعتقادهم بأن دعماً تنمويّاً ودوراً إيجابيّاً كهذا سيكون أمراً فاعلاً في استقرار بلدهم على المدى البعيد. ويقول المسؤول الأميركي المذكور إن "المسار الأول مصمم من أجل مساعدة الحكومة الفيدرالية الانتقالية بكل الوسائل على أن تصبح أكثر فاعلية وقدرة على بسط النظام والاستقرار في عموم البلاد، وأيضاً دعمها لكي تصبح قادرة على توفير الخدمات لشعبها". وإلى جانب هذا المسار الأساس سيشكل الانخراط مع إقليمي "بونتلاند" و"أرض الصومال" جزءاً من المسار الثاني، يضيف المسؤول الأميركي. وتهدف هذه الشراكة الأميركية ذات المسارين المتكاملين إلى التسريع بضمان عودة الاستقرار إلى عموم الصومال، وإفشال محاولات المتطرفين ومساعيهم لزعزعة أية فرص استقرار أو تنمية هناك. ولاشك أن تحقق الأهداف المنشودة في الصومال يقتضي تقديم كافة أشكال الدعم والمساعدة، لضمان تمكين المسؤولين المحليين من خدمة مواطنيهم، وتوفير الأمن وضمان حصول الشباب على فرص عمل، الأمر الذي يجعلهم أقلّ عرضة لتأثير ودعاية وتحريض جماعات العنف والتطرف مثل تنظيم "الشباب" وأمثاله من التنظيمات المتطرفة. كما صرح المسؤول الأميركي، في ذات السياق، بأن حكومة الولايات المتحدة ستستمر في دعم الحكومة الفيدرالية المركزية الصومالية والرئيس الصومالي، وكذلك أقاليم، وقبائل أخرى مهتمة بحماية مناطقها من المتطرفين، الأمر الذي رحّبت به الحكومة الفيدرالية الانتقالية الصومالية في ضوء استمرار التحدي الذي تواجهه لاحتواء مخاطر وتهديدات تنظيم "الشباب". وتأتي تصريحات كارسون الإيجابية هذه في لحظة مفصلية حاسمة بالنسبة للصومال، إذ تسعى الجماعات المتطرفة لزيادة حضورها في معظم مناطق جنوب البلاد، حيث أصبحت التفجيرات الانتحارية والأعمال الإرهابية خاصة من جانب تنظيم "الشباب" أكثر وحشية وخطورة. والحال أن عنف تلك الجماعات لا يهدد "بونتلاند" و"أرض الصومال" فحسب، وإنما يهدد كذلك الأمن والاستقرار في كل من كينيا وإثيوبيا وأوغندا واليمن. وتضع خطة المسارين الأميركية في اعتبارها طبعاً العمل المضني اللازم إنجازه من أجل صنع النجاح والسلام في عموم الصومال، وتعزيز الاستقرار المحلي الذي في حالتي "بونتلاند" و"أرض الصومال". ولاشك أن على رأس الأجندة ضمن هذا العمل ما يريده الصوماليون: توفير فرص عمل للشباب، وتقديم المعونة التنموية، والمساعدة على إعادة ترميم البنية الأساسية التي تيسّر إيصال الخدمات، ودعم قوة الدولة المركزية بحيث تصبح فعالة وقادرة على الحفاظ على السلام والاستقرار. لقد ركزت الولايات المتحدة في الماضي على توفير المعونة الإنسانية ودعم جهود مكافحة الإرهاب في الصومال. وسيسمح هذا التحول في سياسة الولايات المتحدة بعدم التركيز فقط على هذه الأهداف قصيرة الأمد، وإنما جعلها توفّر أيضاً أساساً لتغيير طويل الأمد من خلال صناعة وتهيئة ظروف النجاح الممكن، من خلال دعم جهود إنعاش التنمية الزراعية والبنية الأساسية والدورة الاقتصادية والأمن. وفي حالة "بونتلاند" و"أرض الصومال" خاصة، يملك كل من هذين الإقليمين برلماناً ورئيساً وشرطة، ولكنهما ضعيفان ويحتاجان بشكل خاص إلى الدعم التنموي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. وسيشكّل نجاح جهود التنمية والاستقرار في هذين الإقليمين مثالاً يمكن لبقية الصومال اتباعه. وستُبعد تقوية المؤسسات وإعادة تحريك الدورة الاقتصادية والتنموية المخاطر والتهديدات التي يشكلها تغول الجماعات المتطرفة في مناطق أخرى من الصومال. وسيكون من المهم للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الانخراط في عملية دعم تنموي لأقاليم أخرى مهتمة بمواجهة التطرف، وساعية لتكريس التنمية والاستقرار. وسيساعد ذلك هذه الأقاليم على إيجاد فرص الأمل والعمل والتنمية وبناء قواها الأمنية للدفاع عن نفسها ضد أية سيطرة محتملة مستقبلاً من قبل المتشددين. وطبعاً لا يعني دعم هذه الأقاليم المستقرة نسبيّاً ضرورة الاعتراف بها كدول، وقد أوضحت الولايات المتحدة بجلاء أن شراكة كهذه لا تشكّل أبداً اعترافاً بأي من "بونتلاند" و"أرض الصومال" كدولة. وفي رأيي الشخصي أن أميركا وفقت أخيراً في قرارها الإصغاء لما يريده الصوماليون. وقد حان الوقت للولايات المتحدة لأن تتقدم بدعم راسخ قوي على شكل برامج تنمية اقتصادية وأمنية وبنية أساسية لتخفيف معاناة الشعب الصومالي، وفهم طبيعة الأسباب التي أدت إلى ظهور التطرف والإرهاب هناك. وضمان أن يترسخ نظام حكم ديمقراطي، وأن يغرس السلام والاستقرار جذورهما عميقاً في التربة الصومالية. حسين يوسف باحث في معهد تحليل النزاعات بجامعة جورج ميسون ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©