الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المؤسسة الثقافية غير قادرة على تحريك المجتمع

المؤسسة الثقافية غير قادرة على تحريك المجتمع
27 أكتوبر 2010 20:56
الكتاب: عروبة اليوم المؤلف: الدكتور عبدالعزيز السبيل من يقرأ كتاب “عروبة اليوم” للدكتور عبدالعزيز السبيل، سيلحظ من خلال المقالات والرؤى بين دفتي الكتاب مشواراً حافلاً من العطاء في مجالات الثقافة والإبداع، مقترنا بما قد نستشفه من سيرة هذا المبدع وهو ينقلنا من رؤية إلى أخرى مثلما سائح لم ينس أن يصطحب معه كاميرته الثاقبة والعميقة لنطالع معه هذه العوالم، خصوصا وهي تأتي بين فترات متباعدة أو أحداث يفصلها عن بعضها فاصل زمني بعيد. فهو يقرأ الواقع الثقافي الراهن بحديثه وجديده ضمن عدة مراحل مرّ بها وظل يساهم طيلة فترات مختلفة في الحقل الثقافي واسهاماته، وهذا ماجعله كمثقف يحمل الكثير من الهم المعرفي والتغييري والتحولي في المشهد الثقافي السعودي، بل ولم ينس أن يعرج على الهم العربي قاطبة ومامر من أحداث وتحولات مفصلية: سقوط بغداد، و11 سبتمبر. يقرأ الدكتور السبيل واقع الثقافة المحلي من خلال رؤيته النقدية لظواهر ثقافية عامة كالعولمة والثقافة والعصر الجديد والتراث واستثماره معرفيا، بل سنعثر على مقالات عن الجزيرة العربية وعن مصطلح الوحدة الثقافية وقضايا المرأة وتحولاتها الاجتماعية المتسارعة، وهو يرى أن تحولات المجتمع السعودي تلعب فيها الجوانب الاقتصادية دورا هاما في كل مراحلها وأن هذا المجتمع “الذي اعترف بالمرأة كقوة اقتصادية فاعلة لم يمنحها الحق في الرأي والمشورة والقيام بنشاطها بشكل يتناسب مع دورها الاقتصادي”. والكثير من القضايا المشابهة للمرأة جعلت المجتمع يعيش مناخا متشابكا ومضطربا فظلت المرأة بعيدة عن حقوقها في مجالات كثيرة. والدكتور عبدالعزيز السبيل الذي عرف أيضا بكتاباته الأدبية والإبداعية لم يغفل في هذا الكتاب ـ الذي يشبه سيرة ثقافية مع أن الكتاب لم يصرح بذلك ـ الحديث عن قضايا إبداعية ونقدية وخصوصا في حواره مع المبدعين من السعودية، فهو يتطرق إلى النقد الثقافي وإلى رؤية الناقد عبدالله الغذامي ويتداخل معه في مسألة “الشعرنة”، حيث يقول إن السلبيات التي يحويها مجتمع ما جاءت بسبب الشعر وأنه ليس لمجرد مايحدث في الشعر وفي المجتمع يوصلنا إلى تلك النتيجة من قيام الشعر على أنساق تشف عن المبالغة والزيف والفحولة ألخ.. ثم يتطرق السبيل إلى رؤيته الخاصة بهذا الصدد متسائلا وفاتحا لنوافذ جديدة يمكن أن تكون بذرة حوار أطول حول النقد الثقافي، وفي إسلامية الأدب وإنسانية الإبداع يتطرق إلى مصطلح الأدب الإسلامي واصفا أياه بأنه ظل مفهوما يتراوح بين الاتساع والانغلاق، ويناقش هذا المصطلح آخذا بحسبانه عدم ثباته وتأرجحه ومن ثم صعوبة الحكم عليه الآن بثبات فكرته، كما يطرح لقضية شعر التفعيلة في السعودية وما دار حولها من مكاتبات وآراء حيث بقيت بعض الأسماء حاضرة في هذا الموضوع كمنصور الحازمي وسعد الحميدين وغيرهما، ويطرح على هامشها قضية الريادة ومن يستحقها فبين قصائد أولى لمنصور الحازمي وديوان أول لسعد الحميدين هنالك أفكار أخرى تطرح اسم علي أحمد باكثير وأحمد الصالح وحسن القرشي، وربما لم يتطرق السبيل إلى ماهي أهمية أن يطرح الكتاب أو مؤرخو الأدب هذه القضية وماهي الفكرة في معرفة الريادة ولمن تكون في أي من مجالات الإبداع، وأعني ماهي القيمة الحقيقية من معرفة تلك الأوليات، أهي للتوثيق؟ أم لإثراء المشهد بقضية وفقط قضية ما؟ وهذا قد نجده في الكتب التي ذكرها السبيل في ثنايا موضوعه. فكرة أن يكون للدكتور عبدالله السبيل كتابا يجمع فيه مقالاته ورؤاه التي كانت متفرقة في الصحف والمجلات الثقافية مثرية وأكتشف من خلالها جوانب ربما خفيت على الكثيرين من حياة وفكر هذا المبدع، فرؤيته المتسامحة والمثقفة ودرايته بالكثير مما يدور في المشهد الثقافي واشكالاته جعلته يضع يديه على أمكنة الثقوب، والثغرات التي يمكن أن يعمل عليها لصنع مشهد يتسم بالوعي ورحلته مع عدد من المثقفين، والمبدعين وذاكرته الخاصة معهم وتلويحته لكثير منهم اعتزازا وتقديرا جعلته يغوص بمقالات جميلة يمكن أن تكون مجتزأ من سيرته الثقافية وعنوانا يشف عن كثير من الظواهر الثقافية، فنقرأه في رسائل مع الراحل غازي القصيبي ورؤية حول المؤرخ السعودي حمد الجاسر وجهوده، والمبدعة خيرية السقاف ورحلة الانجاز الأكاديمي والإبداعي والإداري والصحفي التي بدأت الكتابة في الصحافة مبكرا وهي لاتزال في عقدها الثاني، خيرية السقاف التي أبحرت بنا في عالم من الإبداع الإنساني والجمالي عبر كتبها ومقالاتها وجهودها الكبيرة في خدمة الثقافة. ويقرأ السبيل عدد آخر من رموز الثقافة في السعودية في فترات مختلفة كمنصور الحازمي، وعبدالفتاح أبو مدين، وعبدالله عبدالجبار في موضوع التيارات الإبداعية، ويحضر الشاعر محمد مهدي الجواهري في ذكرى رحيله وكلمة أبدعها على لسانه، ونزار قباني الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، الذي يرى السبيل أنه كان مدرسة مستقلة في شعرنا العربي، مع أنه لايوافق على كل مايطرحه ولكن يجد له مبررا في تمرحله حسب العمر وأجنحته. ومن الحوار الثقافي الذي نقله في الكتاب نقرأ “نحن دائما في كل مرحلة ننادي أن تخرج الثقافة من جلباب أبيها، فالى متى يعيش الانسان في جلباب هذا الرمز، وأعتقد أننا نعايش فئات كثيرة من الشباب ونفاجأ حقيقة بثقافة مختلفة، هناك وعي كبير، هناك اتصال أكبر، كثير من هؤلاء الشباب تجاوز مرحلة الرموز من حيث الرؤية، من حيث الفكر، ومن حيث التطلع، وهذا الشاب أو هذه الأجيال الجديدة يجب أن تمنح الفرصة لتسمع وتناقش بدلا من أسلوب الرفض وفرض الوصاية”. ويختم السبيل هذا الحوار الثري برؤيته عن ثقافة اليوم وعالم الإنترنت ومستقبل المثقف وكثير من الآراء التي اتسم بهانفس كتابه في مجمله حيث “عروبة اليوم” حوار طويل مع الفكر والأدب من مبدع يحمل الكثير من الإنسان قبل كل شيء في داخله ومن الثقافة والوعي الكبيرين، ورحلة مديدة في عالم الثقافة وعوالمها ويمكن أن نضعه تحت مسمى نقد الواقع الثقافي ومساراته وتحولاته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©