الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السياسة طغت على المسائل الأخلاقية

السياسة طغت على المسائل الأخلاقية
27 أكتوبر 2010 20:56
يعد هذا الكتاب “تاريخ الفلسفة في الإسلام” للمستشرق الهولندي ت. ج. دي بور، والذي صدرت طبعته الإنجليزية أوائل القرن العشرين، والعربية بترجمة د. محمد عبد الهادي أبو ريدة عام 1948، ويعاد إصداره ضمن سلسلة ميراث الترجمة عن المجلس القومي للترجمة، أول محاولة لبيان تاريخ الفلسفة الإسلامية في مجملها، الأمر الذي جعله يحظى بالنقل للعربية في أكثر من ترجمة، وأن ينقل نقلا دقيقا، بل ويزود بتعليقات وشروح هامة خاصة في تلك الطبعة التي ترجمها أبو ريدة، وراجعها الإمام الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق والمفكر أحمد أمين. والكتاب لا يتجاوز كونه يعطي فكرة شاملة عن تاريخ الفلسفة الإسلامية منذ نشأتها ويبين تطورها متوقفاً عند أهم فلاسفتها سواء في علوم اللغة والفقه وعلم الكلام والأدب والتاريخ والطبيعة والرياضيات، فاصلا بين المشرق والمغرب، وكل ذلك في إطار رؤية تاريخية ينقصها العمق في كثير من الأحيان، وأحكام جائرة ينقصها التدقيق والمراجعة، وهو الأمر الذي كلف المترجم الكثير من الجهد حيث تشكل تعليقاته وشروحه جزءا أساسيا من الكتاب. يرد المؤلف الفلسفة الإسلامية إلى اليونانية سالبا جهود وعطاءات تشكل نسيجاً خاصة في الفلسفة الإنسانية، يقول في حكم لا يمكن وصفه إلا بالجائر “نكاد لا نستطيع أن نقول: إن هناك فلسفة إسلامية بالمعنى الحقيقي لهذه العبارة، ولكن كان في الإسلام رجال كثيرون لم يستطيعوا أن يردوا أنفسهم عن التفلسف، وهم وإن اتشحوا برداء اليونان، فإن رداء اليونان لا يخفي ملامحهم الخاصة، ومن اليسير علينا أن نستهين بشأنهم إذا أطللنا عليهم من ذروة إحدى المدارس الفلسفية الحديثة المزهوة بفلسفتها”. ويرى دي بور أن السياسة نالت في الإمبراطورية الإسلامية من عناية الباحثين أكبر مما نالته المسائل الأخلاقية، وكان الكفاح بين الأحزاب السياسية أو عامل أحدث اختلافا في الآراء “فنجد النزاع في مسألة الإمامة، أعني رياسة الجماعة الإسلامية يتمشى في التاريخ الإسلامي كله، غير أن المسائل التي قام حولها النزاع كانت شخصية عملية أكثر مما كانت نظرية، فلا حاجة لمؤرخ الفلسفة أن يتعمق فيها، إذ تكاد لا يخرج منها شيء له قيمة فلسفية”. لكن الملاحظات التي يمكن أن تؤخذ على الكتاب لا تنفي صواب بعض آرائه، وذلك مثلا حين أن هم الجهد الفلسفي في الإسلام كان موجها إلى الناحية النظرية العقلية، و”لم يهتم الفلاسفة بأن يعالجوا المسائل التي عرضتها لهم الحياة الواقعية من اجتماعية وسياسية إلا عند الضرورة”. وهكذا الفن الإسلامي من وجهة نظر دي بور “فهو وإن كان حظه من العبقرية أوفر من حظ العلم، فإنه لم يعرف كيف يبعث الحياة في المادة غير المصورة، وإنما كان يتلاعب بصور الزخرفة، فالشعر العربي لم يبتدع “دراما” ولم تكن فلسفة العرب فلسفة علمية”. ويشير دي بور أن الفلسفة النظرية بعد أيام ابن سينا (980 ـ 1037) وأصحابه لم تلق كبير عناية في شرق الإمبراطورية الإسلامية، واضطرت اللغة العربية إلى التخلي عن مكانها في الحياة وفي الأدب للغة الفارسية “على أنه إذا كانت اللغة الفارسية أقل من اللغة العربية ملاءمة للمباحث المجردة في المنطق وفي الإلهيات، فإن هذا لم يكن له الشأن الأول في تقليل العناية بالبحوث النظرية، بل يرجع ذلك إلى أن أحوال الحضارة كانت قد تغيرت وتغيرت معها المسائل التي من شأنها أن تثير عناية الناس، وأخذت المسائل الأخلاقية والسياسية تتبوأ المكان الأول شيئا فشيئا”. وعلى العكس من آراء الكثير من الدارسين المعاصرين الذي هاجموا حجة الإسلام الشيخ أبو حامد الغزالي رؤيته وفلسفته، أشاد دي بور بالغزالي ورأى أنه أعجب شخصية في تاريخ الإسلام وأن مذهبه صورة لشخصيته “زهد الغزالي في محاولة تفهم هذا العالم أو حب الدنيا، ولكنه أدرك المسألة الدينية أعمق مما أدركها فلاسفة عصره، فقد كان هؤلاء الفلاسفة عقليين في نزعتهم، شأن أسلافهم اليونان، فاعتبروا أن مقررات الدين ثمرة للقوة المتخيلة أو الوهم من جانب الشارع، بل ثمرة لهواه، ورأوا أن دين المتدينين إما انقياد وطاعة عمياء “عند البعض” أو هو ضرب من المعرفة، فيه حقائق أدنى مرتبة من حقائق الفلسفة “عند البعض الآخر”، يعارض الغزالي هذا الرأي بأن يبين أن الدين ذوق وتجربة من جانب القلب والروح، وليس مجرد أحكام شرعية أو عقائد تلقى، بل هو أكثر من ذلك، هو شيء يحسه المتدين بروحه إحساسا حيا”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©