الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدعاء.. إظهار العبودية والانكسار والرجوع إلى الله

الدعاء.. إظهار العبودية والانكسار والرجوع إلى الله
31 يوليو 2011 20:56
من المعلوم أن شهر رمضان يستدعي من الصائم القيام بأعمال كثيرة ومتنوعة بجانب صيامه، ومن ذلك قيام رمضان عامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" (البخاري)، والإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن والاجتهاد في العبادة وبالأخص كما تعلمون في العشر الأواخر، فعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر شد مئزرة، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" (ابن حبان). اللجوء إلى الله قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل العبادة الدعاء". (المستدرك). وقال صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ" (الترمذي)، وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا" (أبو داود) هكذا عندما تنزل المحن وتشتد الخطوب وتتوالى الكروب وتعظم الرزايا وتتابع الشدائد، لن يكون أمام المسلم إلا أن يلجأ إلى الله تعالى ويلوذ بجانبه، ويضرع إليه راجياً تحقيق وعده، الذي وعد به عباده المؤمنين، إذ يقول الله تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" (غافر، 60)، فالله اعتبر الدعاء عبادة لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ" بل هو العبادة كلها لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ"، وعليه الذي لا يدعو الله هو آثم عند الله عز وجل ويغضب منه فقال تعالى: "فَلَوْلاَ إِذَا جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ (الأنعام، 43) إذن ليس المقصود من الدعاء الإعلام، بل إظهار العبودية والذلة والانكسار والرجوع إلى الله بالكلية. ويقول المولى كما سبق: إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ" وعليه نفهم أننا بالدعاء نعبد الله ولهذا لا تشغل نفسك بالاستجابة تقبل الله أو لم يتقبل، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه" ولم يجبه الرسول صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة، 186)، فالرسول لم يجب مع أنه أجاب في آيات أخرى عندما قال تعالى: "يستفتونك".... هنا كأنه أراد أن يبين أن العلاقة مباشرة مع الله. وقال: "أجيب دعوة الداعي" ولم يقل المؤمن التقي حتى لا يخطر على بال الذي يدعو أنه يجب أن يكون تقيا، بل العاصي غير المهتدي يدعو الله بل هو أولى بالدعاء للهداية كما قال تعالى في سورة الفاتحة: اهدنا الصراط المستقيم... وقوله تعالى في الآية: "إذا دعاني" كأن الداعي يقول ياالله أنت طلبت الدعاء أنا دعوت فالأمر عندك. وهنا لم يحدد الوقت لاستجابة الدعاء وفي هذه الآية أيضاً ملمح جميل وهو أنه قال: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ" ولم يقل فقل إني قريب فدل على تعظيم حال الدعاء كأنه سبحانه وتعالى يقول عبدي أنت إنما قد تحتاج إلى الواسطة في غير وقت الدعاء أما في مقام الدعاء فلا واسطة بيني وبينك. التوجيهات عندما نقرأ الآيات التي تحدثت عن الصيام في سورة البقرة نجد ضمنها هذه الآية التي استنبطنا منها ما تيسر من التوجيهات: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"، فكأن الله جل جلاله يرشدنا إلى أن الله قريب من عباده وهو قريب منا في رمضان، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ" (ابن ماجه)، وقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي (ابن ماجه). الإخلاص فالباب إذن مفتوح على وجه يوجب اغتنامه من الصائم خاصة، لكن المهم لا بد من الإخلاص لله تعالى والجزم في الدعاء واليقين بالإجابة، مع الإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال. وهذا يعني حضور القلب في الدعاء ولا يشترط بل لا ينبغي التكلف في الدعاء وحفظ بعضها لأن المهم هو التضرع والخشوع واستحضار الرغبة والرهبة. ونراعي ذلك في ليلة القدر. وفي جوف الليل الآخر ووقت السحر. ودبر الصلوات المكتوبات (الفرائض الخمس). وبين الأذان والإقامة. والسجود في الصلاة. والدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر. ومن السنن المتعلقة بالدعاء في رمضان أن يقول الصائم عند الفطر: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت" (أبو داود) والدعاء بعد الإفطار، فعن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذَهَب الظمأ وابتلَّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله "(أبو داود). وفي هذا المقام يجدر الذكر بأن الداعي قد يشتكي ويقول: إني كثير الدعاء ولم أجد الإجابة من المولى، ونقول له: لا بد وأن يجد من دعائه عوضاً إما إسعافاً بطلباته التي لأجلها دعا وذلك إذا وافق القضاء فإذا لم يساعده القضاء فإنه يعطي سكينة في نفسه وانشراحاً في صدره وصبراً يسهل معه احتمال البلاء الحاضر. فأحوال الداعي ثلاثة: - الاستجابة في الدنيا حسب ما طلب. - كف شر قضاء كان ينزل به فينزل القضاء بالبلاء ويرتفع الدعاء فيلتقيا في السماء فيتعاركان إلى يوم القيامة. - توفر الاستجابة ليوم القيامة فيؤتيك الله بها الحسنات. المهم على العبد أن يكون مخلصاً في دعائه كما قلنا حاضر القلب في الدعاء في الرخاء والشدة. فمن أحب أن يوفق للجوء إلى الله تعالى عند الشدة والبلاء فليلزم الدعاء والتضرع إليه حال الرخاء والشكر على النعماء، وليسأل ربه اللطف في القضاء والعافية من البلاء، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ" (سنن الترمذي)، مع كثرة الأعمال الصالحة فإنها سبب عظيم في إجابة الدعاء، ورد المظالم مع التوبة. د. محمد قراط
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©