الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليمام

27 أكتوبر 2010 21:02
هذه قصيدة لشاعر سوري شاب، مشتغل بالفن وكتابة السيناريو والعمل بالتلفزيون، يسمى أنور عمران، وهي تنتمي كما سنرى لنوع آخر من الشعر الجميل، يستحق أن نتأمل أسلوبه، يقول فيها: “اليمام../ ليس طيراً تماماً/ ليدفع عن كاهلي/ ولعي بالغيوم/ ولا فكرة../ لأزوّج خيبته/ من ضباب الكلام/ هو ضيف الهواء الكسول/ يرى العدل في أي غصن يطال/قنوع بحصنه من مديح العلو/ ويتبع آثاره في هواجسنا مثلما ينبع البدو../ وهم الخيال واليمام../ غلطة الريح/ لم تحتمل وزنه كي يعوّض ما فاته من هبوب الحليب ولم تصقل الطيش فيه/ ليرفع منقار شهوته/ فوق شهد الحرام” يصطاد الشاعر فكرته من الأثير، يجسدها في كائن وديع مثل الفراش يركز عليه عدسته التصويرية، يدير حوله سيناريو التساؤلات، ليختبر كنهه وحقيقيته الوجودية بشكل شعري غير مألوف. ثم يضفي عليه مجموعة من الصفات التي لا تلتصق به، بل تحوم حوله، فهو ضيف كسول للهواء، لا يرتفع إلى الأعالي مثل النور، بل يقنع بمديح العلو، ويرى العدل فيما يدركه من أغصان قريبة، لكنه يتغلغل في سرائرنا الداخلية مثل وهم الخيال عند البدو. وهو غلطة الريح التي لم تحتمل وزنه، ولم تصقل طيشه، حتى يرفع منقاره عن شهد الحرام. ومهما حاولنا التوفيق بين هذه المتتاليات الواصفة للعثور على قواسمها المشتركة فإنها ستظل غير متجانسة في دلالاتها الكلية. لأنها تحاول وصف حالة شعرية تعجز كلمات اللغة مهما أبحرت في المجاز عن وصفها. هذا نوع آخر من شعر الحالات والأمزجة والخيالات والرؤى الحداثية، ينقر غصن اللغة فيثقب أوعيتها المستقرة، ويحلق فوق تراكيبها الناجزة، لكنه لا يوغل في الارتفاع إلى سماء التجريد، فيظل بوسعنا أن نبحث عن المقابل الرمزي لهذا الكائن الهش المدهش، وربما وجدناه في الشعر ذاته، أو في غيره من الدلالات التي تراوغنا في أنساق الصور المتفاوتة مثل الحب والشهوة واقتحام المستحيل، لكن يرجح المقابل الأول قول الشاعر: “كان ينقر قافيتي/ هكذا دربته الهموم وكنت ألملم ريشته/ عن رصيف الصدى فكلانا../ يكمل شغل أخيه/ ويرمي عليه السلام وكلما عاش.. عشت/ حنينا كثيفا لجسّ السماوات لكننا../ لم نطق غير ما وهبتنا الطبيعة فلتذهب الآن أعلامنا/ كي ننام” يمتلك الشاعر حساً فائقاً بالإيقاع وقدرة على توظيفه في الوزن والقافية المتحررة بمهارة كبيرة فيوزع تفعيلاته بأنغام متساوقة، وربما كنا قد ظلمنا قصيدته بتغيير نسق كتابتها على السطور بطريقة تختزل مساحات الصمت والبياض الدالة فيها، ويكفي أن هذ التعديل لايغير من طريقة إدراكنا لما يشبعه هذا الشعر المرهف المحلق من جماليات تختلف بطبيعتها عن جماليات القصيدة العمودية، في طريقة مقاربتها للتجربة التي تذكرنا كثيراً بمحمود درويش، واختيارها لترميزاتها المفاجئة، مما يؤدي إلى اختلاف نوعية النشوة التي تتركها فينا، وإن كانت تنعكس على ذاتنا وتصور انبثاق نورها من قلب تجربتها الممتعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©