ربما يصاب أحدنا بالذهول إذا ما قام بزيارة إلى عيادة أو مشفى خاص بمعالجة الأمراض النفسية، وذلك لكثرة أعداد المراجعين، ليتساءل في نفسه هل باتت الأمراض النفسية تهدد حياتنا من حيث لا نعلم؟ وإذا كان كذلك فما هي الأمراض الأكثر انتشارا؟ وما هي أنواعها وأعراضها؟ وكذلك طرق الوقاية منها؟
الحديث عن الأمراض النفسية والقلق والكآبة صار له شعبية في جلساتنا الخاصة والعامة لاسيما في العامين الأخيرين، حيث يؤكد العديد من الناس شعورهم بالقلق والكآبة من وقت لآخر، وذلك لكثرة الضغوطات الخارجية والداخلية· ويشير رشيد سالم إلى أن الأحداث السياسية في العالم ومشاهدة الأخبار العربية بما يتخللها من مشاهد للحرب والقتل والدمار، ناهيك عن ضغوط العمل التي تتزايد باستمرار نظرا للأزمة الاقتصادية في العالم تزيد من ظاهرة الكآبة لدى الأفراد·
من جهته يتساءل وليد مقبل، عما إذا كان أحد ما يشعر بالسعادة في هذه الدنيا، مؤكدا شعوره بالكآبة، معللا ذلك بكثرة المسؤوليات المادية الملقاة على كتفه وضغوطات العمل، ناهيك عن الغربة والبعد عن الأهل والتي تضاعف من كمية الحزن والكآبة·
ويضيف مقبل، إنه عندما تعتريه مثل هذه الحالة، وما أكثرها، فإنه يفضل الجلوس وحيدا، حيث يكثر من التدخين كما يتجاهل الردّ على المكالمات الهاتفية، وحتى إذا ما ردّ على الضرورية منها فإن الكلام يكون مقتضبا جدا· ومع أنه شخص هادئ بطبيعته إلا أنه يعترف بأن شعوره بالكآبة يجعله عصبيا ومتحفزا لافتعال المشاكل·
من جهة أخرى يقول سعيد العلي إن الضغوطات المادية وارتفاع إيجارات الشقق وزحمة السير القاتلة وعدم وجود مواقف لصف السيارات، كلها أسباب تثير العصبية وتبعث على الإحباط، وتدفعه، بالمحصلة، للشعور بالكآبة·
أما بلال فوزي، 18 عاما، فيعتقد أن جيله من الشباب هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من الكبار، كونهم يفكرون في كل ما يدور حولهم من أمور ومشاكل، بالإضافة إلى مشاكلهم الحياتية الخاصة والتي ترتبط بالنجاح أو الرسوب في الدراسة، فضلا عن المسائل والتجارب العاطفية·
يضيف بلال: ''في العادة عندما يصاب أحد من الرفاق بالاكتئاب ندعوه للخروج معا ونمرح سويا، لكن ثمة شبابا يلجأون للتدخين أو ارتياد الأندية الليلية، وربما تتطور لديهم الأمور لأسوأ من ذلك كتعاطي المخدرات''·
أمراض القلق
حول هذا الموضوع يتحدث الدكتور محمود فاضل استشاري الأمراض النفسية، موضحا أن الأمراض النفسية حالها كحال الأمراض العضوية تعتري الإنسان من فترة لأخرى، لكنها في الفترة الأخيرة أصبحت شائعة بين العامة بشكل ملفت للانتباه· مشيرا إلى أن غالبية الحالات التي يواجهها الأطباء النفسيون في عياداتهم بشكل واقعي وسريري، تشخص كحالات توتر عام نتيجة الضغوطات المتعددة على الجهاز النفسي، سواء أكانت ضغوط مادية من الحياة العصرية، وزحمة الشوارع ومشاكل العمل والسكن· أو نتيجة ضغوطات معنوية لها علاقة بواقع الحضارة الحديثة، مثل ضعف الأثر المعنوي في حياتنا البشرية، كأن يشعر الإنسان بفقدان جزء من حياته، بعد أن كان يملكه قبل عشرين عاما أو ثلاثين عاما، مثل انتمائه للعائلة أو لمجتمع معين كان يعطيه الحماية، كما يمكن أن يتعلق الضغط المعنوي بمسأله إيمانية لها علاقة بالإيمان بالله سبحانه وتعالى·
ولا يشخص الضغط النفسي والتوتر، بحسب فاضل، كأمراض حقيقية بقدر ما يرشحان الإنسان لنشوء الأمراض، حيث تنهك المقاومة النفسية وينتقل الإنسان من خانة التوتر النفسي إلى خانة المرض النفسي· فالجهاز النفسي مرتبط جسديا بالجهاز العقلي أي الدماغ بشكل مباشر، وهذا يعني أن العمليات النفسية هي عمليات دماغية عقلية بحتة· وبما أن الدماغ هو أكثر الأجهزة التي تتعرض للضغط في الجسد، لذلك فإن إمكانية المحافظة عليه من الضغوطات تكاد تكون مهمة مستحيلة· فالإنسان يمكن أن يتدارك بعض تلك الضغوط أو المشاكل، كما يمكن أن يبرمجها أو يتحاشاها أو يخفف منها، لكن من المستحيل أن يستطيع نفيها تماما·
وتعتبر أمراض القلق من أكثر الأمراض النفسي شيوعا في دولة الإمارات، بحسب الدكتور فاضل الذي يؤكد أن الأطباء النفسيين يواجهون صورا مختلفة للقلق، أكثرها القلق العام، أي توقع حدوث أشياء سلبية، وإحساس داخلي بعدم الارتياح والاستقرار، يصاحبه اضطراب بالوظائف البيولوجية كالأكل والشرب والنوم، ودائما يشعر المريض بأفكار سلبية مخيفة وتوقع بحدوث أمر سيء له أو لمن يحب· مشيرا إلى أن هنالك أنواعا مختلفة للقلق كالهلع، وهو عبارة عن هجمات شرسة من القلق الفظيع الذي لا يستطيع احتماله إنسان، وحالات خوف مكثفة تهجم على الشخص بشكل نوبات، قد تتركه لفترة بسيطة ثم تعود مرة ثانية وثالثة ورابعة، ولا يستطيع الشخص على المستوى الفردي أن يعالج نفسه، بل يحتاج العلاج إلى خبرة ودقة وتعاطف مع المريض، ويحتاج إلى وعي من الشخص ووعي من قبل عائلته أيضا·
وهنالك نوع آخر من القلق نواجهه، يضيف فاضل، وهو اضطرابات ما بعد الصدمة، وهو يتعلق بالناس الذين يواجهون مشاكل ضخمة وغير متوقعة، مثل خسارة مالية كبيرة في وقت غيرمتوقع، ويعتبره الجهاز النفسي في الدماغ كأنه تحدٍ، أو ظرف مرفوض، لذلك تكون الاستجابة عنيفة فتبدأ علامات القلق بالنشوء· ومن علاماته وميزاته السريرية، حدوث أفكار تذكر الشخص بالحدث الذي حصل له ربما قبل ستة أشهر ويعيش معه كمشهد حي في دماغه، وكلما يتكرر كأنما هو صدمة جديدة تديم حدوث المرض، وهو ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة·
كآبة العصر
النوع الثاني من الأمراض المنتشرة هو الاكتئاب، وهو ينتشر في العالم بشكل سريع، لقد كان معروفا أن نسبة انتشاره في المجتمع هي من 3% إلى 6%، لكن ترشيحات منظمة الصحة العالمية تتوقع لعام 2010 أن ما نسبته 20% من المجتمع البشري سيعانون من الكآبة·
والكآبة، كما يوضح الدكتور يوسف التيجاني، استشاري الأمراض النفسية، لها علاقة وطيدة بالإحساس بالفقدان، وهذا الأمر لا يرتبط بالأشخاص وحدهم بل بنمط الحياة الحديثة، أو خسارة نوع معين من الحياة الماضية·
ويعترف الدكتور التيجاني بأن أمراض القلق والكآبة لهما حصة الأسد في العيادات الخارجية، لاسيما في القطاع النفسي الخاص، لافتا إلى أن أكثر الأمراض النفسية انتشارا في الوقت الحالي هو العصاب، وهي اضطرابات يكون القلق النفسي فيها هو العامل المشترك، وهو القلق العام، كما يوجد الاكتئاب العصابي وأمراض الوسواس القهري، والرهاب أي ما يسمى ''بالفوبيا''، وهذه هي أكثر الأمراض النفسية انتشارا في الوقت الحالي·
وعن أعراض التوتر والقلق العام يتحدث التيجاني قائلا إنها تتمثل في الغالب من الخوف من شيء محدد نتيجة الجهل بالمستقبل أو نتيجة الأشياء أو التصرفات، وعموما فإن عدم التحديد هو ما يميز القلق· كما يتميز القلق بأعراض نفسية وجسمانية، وأكثر الأعراض النفسية تتمثل في التوتر والخوف وعدم الراحة، وقد يرافقه اضطراب في النوم وفي التركيز أيضا·
أما الأعراض الجسمانية فهي عديدة مثل الصداع التوتري، واتساع حدقات العيون، وتسارع في نبضات القلب، يرافقه ضيق في الصدر، وتعرق، ورجفة في اليدين، وقد يرافقه آلام القولون العصبي، وربما يرتفع ضغط الدم بعض الشيء· وعندما يصاب الشخص بهذه الأعراض الجسمانية يلجأ إلى طبيب الباطنية، فيجري له الفحوصات ثم لا يجد شيئا، فيحوله إلى الطبيب النفسي ليكشف له عن حالة القلق·
وحول طرق الوقاية من القلق يضيف الدكتور يوسف التيجاني قائلا إن على الإنسان الابتعاد قدر الإمكان عن التوتر والضغوطات، (قد يبدو ذلك صعبا في المهن والأعمال التي يتخللها الكثير من الضغط والتوتر)، ومن هنا ننصح الناس دائما بأخذ قسط وفير من الراحة، وأخذ حمامات دافئة، وممارسة الرياضة والتي تساعد كثيرا في إزالة التوتر، كما ننصح بأخذ إجازات متكررة، بمعنى لو أن شخصا لديه إجازة لمدة شهر في السنة، فمن الأفضل أن يأخذ كل ثلاثة أشهر سبعة أيام، وذلك أفضل من أن يأخذها لمدة شهر متواصل، كذلك فمن المفيد للإنسان قضاء إجازته بعيدا عن المدن الصاخبة، كأن يذهب إلى منطقة منعزلة هادئة جبلية، أو ساحلية قرب البحر ذات طبيعة جميلة ساحرة· ومن الخطأ جدا أن يستمر الإنسان في عمل متواصل، دون ان يمنح نفسه إجازة لأن ذلك يأتي على حساب صحته·