الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كثرة الاحتياجات مع قلة الإمكانات المادية أسباب رئيسية للمتاعب النفسية

كثرة الاحتياجات مع قلة الإمكانات المادية أسباب رئيسية للمتاعب النفسية
19 يناير 2013 21:37
في لحظة صدق مع ذاتك، حاول أن تقف أمام المرآة متجرداً من كل ما يحيط بك من مؤثرات وضغوط ـ تعلمها أو تخفى عليك ـ وتسأل نفسك ثلاثة أسئلة مباشرة: كيف ترى نفسك؟ وكيف يراك الآخرون؟ وما هي فكرتك ومدى إلمامك بفكرة الآخرين عنك ؟ الدراسات النفسية تؤكد أن هناك قلة قليلة للغاية من الناس الذين يدركون مدى سلامة صحتهم النفسية، ومن ثم يمكنهم استقراء أنفسهم، وفهم ذواتهم، بصورة موضوعية ودقيقة وصادقة، إما لعدم صدقهم مع أنفسهم، أو لأن تأثيرات الحياة وضغوطها وهمومها ومشاكلها قد ألقت بظلالها الكثيفة على الشخصية، وأصابتها بضبابية تحجب وتخفي عن صاحبها ما يعتريه، ويعاني منه من أمراض أو اضطرابات، يجهلها تماما، حتى أنه بات لا يعلم حتى عن أعراضها شيئاً! خورشيد حرفوش (أبوظبي) ـ كان ينظرـ حتى وقت قريب ـ إلى الاضطرابات أوالأمراض النفسية على أنها نوع من الجنون، أو أنها من صنع قوى خارقة أوجدتها، وكان ينظر إلى المريض النفسي بدونية واعتباره من فئة المنبوذين. بل وارتبطت مهنة العلاج النفسي بالدجل والشعوذة وأحيطت بالكثير من الأساطير والخرافات!. فمن السهل على الإنسان أن يستوعب الأمراض العضوية من التهابات وجروح وكسور وآلام بشكل أسهل من استيعابه للأمراض النفسية. لذلك يشعر الكثير من المرضى النفسيين بالعزلة عن بقية الناس بسبب مرضهم، وبسبب موقف الناس، بل لسوء المعاملة في أحيان كثيرة. فلقد شهدت السنوات الأخيرة تزايدا هائلا في انتشار الاضطرابات النفسية المتنوعة مع التغيرات الحضارية الحديثة السريعة. البعض كان يظن أن التقدم العلمي الذي حقق للإنسان الكثير من الإنجازات سوف يثمر عن استمتاعه بالراحة والرفاهية، لكن كانت النتيجة عكس ذلك تماماً، فقد واكب هذه التغيرات الحضارية تنوع أسباب التوتر للإنسان ومصادر متاعبه حتى أصبح البقاء في حالة من الاتزان و السلام النفسي مطلبا عزيز المنال. قد يكون هناك قلة من الناس لا يعتقدون مطلقاً بمفهوم المرض النفسي ولا يرون أن مظاهر اضطراب المصابين علامات «لمرض»، وإنما هي أساليب متوقعة لسلوك بعض الناس في صراعهم مع ظروف معيشية وحياتية معينة. متاعب الدكتور لطفي الشربيني، استشاري الطب النفسي يوضح حقيقة الصحة النفسية على أنها قدرة الفرد على التعامل مع المحيط الاجتماعي، والتفاعل معها بشكل سليم وايجابي، من خلال إيجاد طرق وقنوات أمنه للتفاعل والاتصال والتواصل، لتحقيق الذات ولعب دور فعال في المجتمع الذي يعيش فيه، حيث « يتأثر الإنسان بالجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والدينية ويختلف تأثير هذه الجوانب على الإفراد حسب طبيعتهم البيولوجية والوراثية والعمرية، فمنهم من يصل إلى توازن مع ذاته والبيئة المحيطة به دون المرور بحالة نفسية ومنهم من بحاجة إلى تدخل خارجي لمساعدته للوصول إلى توازن مع ذاته ومحيطة». لذا فالصحة النفسية بحسب منظمة الصحة العالمية تعني ما هو أكثر من مجرَّد انتفاء المرض، بل هي تشتمل على كامل طيف الانفعالات، والسلوكيات، والأماني، والمساعي الإنسانية، وتتفاعل معها جميعاً. ومن ثـَمَّ، فهي تمثِّل الأساس الذي يقوم عليه بنيان النماء الإنساني. ويضيف الدكتور الشربيني:«الآن .. أصبحت الحالة مختلفة تماماً، وأدرك الناس مفهوم المرض النفسي، والاضطرابات النفسية، بل وازدادت شكوى الناس من أعراض المتاعب النفسية، ومن أعراض الاكتئاب والضيق والملل، والشعور بالقلق أو الخوف أو الرهاب، والوساوس، واضطراب المزاج، والهلاوس، وغير ذلك من أمراض نفسية جسمية «الأمراض السيكوسوماتية»، وهي الأمراض العضوية ذات المنشأ النفسي، أو الأمراض النفسية التي تسبب متاعب جسمية، كذلك الأمراض العصبية أو الذهانية «العقلية»، وأصبح الناس يعانون من خلط في الفهم والتعامل مع أية أعراض نفسية، وبات الناس يستشعرون أهمية الطب والعلاج النفسي مع ظهور تخصصات علم النفس الدقيقة». وحسب ما يضيف الشربيني أن تقديرات نسبة الإصابة تتفاوت من مكان لآخر، ولعوامل متعددة. فإن الإنسان لا يستطيع أن يعطي إجابة شافية عن قضية انتشار الأمراض النفسية في بلادنا. وإذا سمعنا بنتائج الدراسات الغربية والدولية، فيمكن أن نقول إن هناك تقديرات عامة تقول بأن امرأة من كل خمس أو ست نساء، وكذلك رجل من كل تسعة أو عشرة رجال، قد يحتاجون لمساعدة اختصاصية بسبب مرض أو حالة نفسية في مرحلة ما من مراحل حياتهم. وقد وجدت بعض الدراسات أن عشرة بالمئة من الذين يراجعون عيادات الطبيب العام لديهم إصابات نفسية، ويقدر أن شكاوى ثلث زوار العيادات الطبية عبارة عن شكاوى وثيقة الصلة بالمشكلات النفسية والعاطفية. ويقدر بأن أسرة من كل خمس أسر في المجتمع قد يصاب أحد أفرادها بمرض نفسي، ولذلك فهناك احتمال كبير أننا في مرحلة من مراحل حياتنا قد نصاب نحن أو غيرنا من العائلة، أو أحد معارفنا أو أصدقائنا بمرض من الأمراض النفسية. ويمكن إثبات ذلك من خلال التساؤل حول عدم مواجهة جميع من يتعرضون لنفس المشاكل الاجتماعية والنفسية إلى إمراض نفسية واجتماعية». الأسباب الدكتورة غادة الشيخ. استشارية العلاقات الأسرية تشخص أسباب المتاعب النفسية عند قطاع كبير من الناس، ويرى أنه في الآونة الأخيرة كثرت الشكاوى من الأمراض النفسية التي قد يرجع أسبابها الأصلية إلى الإصابة بأي مرض عضـوي مزمن، وضعف الوازع الديني، أو الإحساس بالابتعاد عن أداء الواجبات الدينية، والجهل، والاستـسلام للشك والهواجس والانقياد لأفكار غيبية، والإحساس بعدم الرضا، والتطلعات المفرطة التي لا تتناسب وقدرة الفرد وإمكاناته الذاتية والمادية، وعدم قدرة الفرد على التكيف والتوازن مع ضغوط الحياة وأعبائها ومشاكلها. لذا نرى تزايد حالات الاكتئاب الذي يصل إلى أكثر من 340 مليون حالة على مستوى العالم، وبنسبة تزيد عن 7%، في حين نجد أن هناك 1% مصابين بالفصام، و3% يعانون من الوسواس القهري، وثلث البشر مصابون بالقلق، ونجد أن النساء معرضات بمقدار الضعف مقارنة بالرجال لمعاناة الاكتئاب لعدة أسباب كفقدان الشريك، والطلاق أو الوفاة أو الانفصال. وتضيف الدكتورة الشيخ :«إن العالم الذي يحيط بنا حافل بالمشاكل، والأحداث المؤسفة التي تزيد من هموم الناس وضغوطها، فنادراً ما نسمع خبراً ساراً، وهو ما يؤثر علينا سلباً، أضف إلى ذلك أن التقدم التكنولوجي بدلاً من أن يكون وسيلة تحقق الرفاهية للبشر، أصبحت وسائله من أهم مسببات المتاعب النفسية، فشبكات التواصل الاجتماعي أثرت على إيجابية التواصل بين الناس والأسرة الواحدة، وسببت تباعدهم وعدم تواصلهم الإيجابي، كما أنها أسهمت في نقل المظاهر السلبية التي غطت على إيجابياتها، وسادت عادات غريبة بين الشباب، وانشغلوا بأشياء تبعدهم عن تحديد رؤى واضحة لمستقبلهم، واهتموا بثقافات هشة على حساب أشياء أكثر أهمية، كما أن هوجة التقدم التكنولوجي فرضت على الناس أعباء مالية إضافية لم تكن موجودة في السابق، وفرضت عليهم بالتالي نمطاً استهلاكياً جديداً لم يكن موجوداً من قبل، واضطر البعض إلى أن يلجأ إلى القروض والاستدانة، وهي أمور من شأنها أن تثقل كاهل الناس، وتضاعف متاعبهم وهمومهم اليومية، فالخلل بين الطموح والإمكانات المادية من شأنه أن يسبب مشاكل لا حصر لها». الاستقرار الأسري والمتاعب النفسية الدكتورة غادة الشيخ تشير إلى أنه لا يجب أن نغفل ما لخروج المرأة للعمل على حساب البيت والاستقرار الأسري من آثار سلبية، فبعيداً عن إشكالية مفاهيم لمساواة والندية والحقوق، نجد أن خروجها للعمل كان في أغلب الأحوال بحثاً عن تحقيق الذات وإثبات الجدارة والإسهام في الحياة العامة، وهذا أمر محمود إن لم يكن على حساب الأسرة وتربية الأبناء، ودون أن يسبب لها مزيداً من الضغوط، لكن أن تؤدي هذه الحالة إلى مشاكل اجتماعية وأسرية، فمعنى ذلك أن هناك متاعب نفسية غير منظورة على المستوى القريب، لكنها تلقي بظلالها الكثيفة على الحالة النفسية للمرأة الأم وباقي أفراد الأسرة بكل تأكيد».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©