السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جدلية الدين والسياسة في الشرق الأوسط

24 يوليو 2012
تُظهر النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية التي أُفرج عنها في ليبيا الأسبوع الماضي أن الفائزين هم من يسمون بـ"العلمانيين" -تحالف القوى الوطنية- وهي المجموعة ذاتها التي قادت الحكومة الانتقالية في طرابلس منذ ثورة العام الماضي التي أسقطت القذافي. ويبدو أن النتيجة تسير في الاتجاه المعاكس لصعود الإسلام السياسي في ما يسمى بـ"الربيع العربي". ولكن هل الأمر كذلك بالفعل؟ صحيح أن محمود جبريل، زعيم التحالف، هو عالم سياسي درس في الولايات المتحدة وقام بالكثير في سبيل حشد الدعم الغربي للانتفاضة الليبية. غير أن واحداً من الإعلانات الأولى لتحالف القوى الوطنية المنتخَب حديثاً كان هو التنصل من وصف "الليبرالي العلماني"، الذي ألصقته به وسائل الإعلام الرئيسية - وتأكيد مكانة دستورية لقيم الشريعة الإسلامية. وهذا التناقض الظاهري في ليبيا يكذِّب الصور النمطية حول عدم التوافق بين الإسلام والديمقراطية – أي أن دوراً دستورياً للدين في الحياة العامة لا يمكن إلا أن يقيِّد الحريات الفردية، وخاصة بالنسبة للنساء والأقليات. والحال أن تلك ليست الكيفية التي يفكر بها الكثير من المسلمين. ولنتأمل، على سبيل المثال، نتائج استطلاع للرأي أفرج عنه مركز "جالوب" الشهر الماضي. استطلاع ركز على الشريعة والنوع، وأُجري بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي". وإذا كان الإسلاميون قد حققوا نجاحات انتخابية في مصر وتونس، فإن أغلبيات كبيرة من النساء والرجال في هذين البلدين - وكذلك في ليبيا واليمن- ترغب في أن تكون الشريعة مصدراً من مصادر القانون. وبالمقابل، فإن الرجال والنساء في سوريا يبدون أقل تحمساً لذلك، وإن كان 49 في المئة من الاثنين مازالت تفضل بعض التأثير من الشريعة على القانون. أما في مصر وليبيا واليمن، فإن الكثير من الناس يريدونها أن تكون المصدر الوحيد للتشريع. ولعل المفاجئ أكثر بالنسبة للأجانب، هو أن الرجال الذين يعتبرون أنفسهم "متدينين" هم أكثر استعداداً للاعتراف بحق المرأة في الطلاق مقارنةً مع الرجال الذين لا يعتبرون أنفسهم كذلك. كما أن أغلبيات كبيرة تدعم حقوقاً متساوية للنساء، ولاسيما في البحرين، حيث يدعم 94 في المئة من النساء و87 في المئة من الرجال المساواة بين الجنسين. غير أن حقيقة أن الإسلام والحقوق يستطيعان التعايش في عقول المسلمين يمثل درساً صعباً بالنسبة لمن يتشبثون بالصور النمطية. أولئك الذين سيشددون على أن الطريق إلى المواطنة المتساوية - لاسيما بالنسبة للنساء والأقليات- إنما تقوم على نظام دستوري علماني قوي. ففي النهاية، ألم تكن تلك هي الخريطة العالمية للحداثة السياسية؟ ألا تتعلق الليبرالية وحقوق الإنسان بوضع الدين في منطقته الخاصة؟ لقد أصبح معظم الشرق الأوسط علمانياً بشكل رسمي بعد الحكم الاستعماري الأوروبي؛ حيث كانت لدى ليبيا وسوريا والعراق واليمن حكومات اشتراكية تشبه كثيراً مصر تحت حكم عبد الناصر، حيث لم يكن ثمة أي وقت للدين. في حين كان لدى تونس تاريخ سياسي علماني شبيه بنظيره التركي. كما كانت النساء تتمتعن بضمانات واضحة وصريحة لوضع متساو تحت تلك الدساتير، وكذلك الحال في حالات كثيرة بالنسبة للأقليات مثل الأقباط واليهود. وأصبحت النساء والأقليات جزءاً من الملامح الأيديولوجية للدول الاستبدادية التي كانت في ما عدا ذلك غير ليبرالية. غير أن أساس هذه الحقوق كانت له علاقة كبيرة بالنفعية السياسية، ولم تكن له أي علاقة بالمواطنة التعددية. ثم إننا ننسى بسهولة أن الليبرالية في الغرب كانت مسبوقة بالإصلاح البروتستانتي؛ حيث شكَّل تحرير اللاهوت المسيحي وتفاعله اليومي مع الناس العاديين بداية السياسة العلمانية. غير أن ذلك لم يكن يعني أن المسيحية توقفت عن التأثير في السياسة. وبالمقابل، فإن الفشل في تحرير التقاليد الدينية يمكن أن يكبح الثقافة المواطنية. فالكنيسة البروتستانتية الهولندية، مثلاً، لعبت دوراً رئيسياً في توفير اللاهوت السياسي لنظام الأبارتايد. كما أن الليبرالية الرسمية للهند بعد المرحلة الاستعمارية تصادمت مع النظام الطبقي الذي كان يستند إلى أساس لاهوتي هندوسي. وعليه، فإن الطريق إلى السياسة المحتضنة للجميع بعد ما يسمى بـ"الربيع العربي" يمر عبر تعددية يؤيدها الدين ويدعمها. والترياق ضد "القاعدة" والحركات المتطرفة السلفية ليس هو الهروب من الإسلام - وهو أمر ليس ممكناً ولا ديمقراطياً - وإنما فهم أكبر لإرث إسلامي يكذِّب القراءات المتعصبة للشريعة. وهو إرث ازدهرت فيه الفنون والطب والفلسفة والسياسة عندما لم تستطع الأرثوذكسية فعل ذلك. فالقاهرة، مثلاً، ولدت في توليفة القرن العاشر من سلالة من الأقلية الفاطمية - وسكان يهود-مسيحيين؛ وطورت امبراطورية كوزموبوليتانية عالمية تضاهي المغول في الهند والعثمانيين في تركيا. غير أن ثمة ثمناً يدفع بسبب الافتراض الكسول الذي يرى أن التسامح والتعددية هما قيمتان علمانيتان فقط. والحرب الأهلية في سوريا، على سبيل المثال، تعكس حماقة مثل هذا التفكير. ذلك أنه بعد نصف قرن من العلمانية الرسمية، مازالت الأقلية العلوية (الشيعية) تخاف من العيش تحت حكم أغلبية سنية. إن الجواب على مثل انعدام التسامح هذا يكمن بشكل رئيسي في التحرير الديني، وهي عملية ستستغرق وقتاً. إذ لا شيء غير استرجاع القيم التعددية التي نمت وتغذت في علاقات طيبة بين المسلمين في ما بينهم ومع التقاليد الدينية الكبيرة الأخرى في العالم سيشكل الأساس لمواطنة شاملة ومسؤولة اليوم. إنه سعي يلعب فيه المعلمون والأئمة والمساجد والإعلام والمنظمات المدنية دوراً مهماً جداً -بما في ذلك في الغرب، بعيداً عن مخاوفنا المرضية وتوهماتنا في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. أمين سوجو أستاذ محاضر في تاريخ وسياسة العالم الإسلامي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©