الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رحمن النجار يكتشف جماليات البنى السردية في ديوانه «أشياء»

رحمن النجار يكتشف جماليات البنى السردية في ديوانه «أشياء»
24 يوليو 2012
يشتغل الشاعر العراقي رحمن النجار على مكونات مختلفة لقصيدة النثر، على إمكانيات هذه القصيدة في أن تمنح الصورة الشعرية بعداً آخر وتأويلات مختلفة تنمو في ذهن المتلقي. ويتساءل رحمن النجار مع “روي باترسون” في قصيدته الشهيرة “من عين الشمس” “ماذا يعني أن نكتب شعراً؟ فالذي يستطيع هذا لا يتعلمه أبداً، والذي ما تعلمه لحد الآن، يستطيعه على الأرجح دوماً”. وربما كان جان كوكتو قد سبقهما معاً وأعني “النجار” و”باترسون”، حيث عرف الشعر فقال: الشعر ضرورة ولكن لا أعرف لماذا؟. وفي ديوانيه الأخيرين “أشياء” و”رسائل من أناي الأنثى”، يقدم رحمن النجار صورة حقيقية عن القصيدة التي يكتبها، إنها قصيدة ليست محايدة، فيها واقعية تمتزج بروح سريالية تحاول أن تقدم العالم بشكل كما يراه الشاعر نفسه وليس كما هو موجود في الواقع. تتصدر أعمال رحمن النجار الشعرية، وفي أغلفة دواوينه تجد لوحات للفنان العراقي ستار كاووش الذي يلعب على روح الأشياء، مأساة الذات، انصبابها في عمق مأساتها الخاصة، الوجوه الساهمة، والأشياء المنظمة بشكل أكثر دقة، مع انشغال كامل بالعيون التي تفضح عوالم الذات المتأملة. أعتقد - وبشكل ظاهر كما يبدو - أن هناك علاقة أو لنقل أواصر مشتركة وملامح لا تخلو من تعالق بين طرفين، وهما روح رحمن النجار الشعرية وتأملات ستار كاووش الإنسانية الفذة. في ديوان “أشياء” يقول رحمن النجار: اسألك وتقولين لي أشياء وأشياء خذ الطبيعة مثلاً.. هل أذنت لنا بالإقامة؟ خذ يدك.. كيف أمسكت برقة اليوم كما الدمية خذ الطريق مثلاً.. هل أفضي إليك؟ يبدأ رحمن النجار في كشف عوالم ديوان “أشياء” من خلال الأسئلة التي لا تفضي إلى إجابة، وكأنه يفلسف نصه الشعري عبر تساؤلات الذات الحائرة، وهذا ما نجده - وأقصد الحيرة - في أعمال ستار كاووش: اسألك وتقولين لي بالأحمر ذيلنا أسفل الصفحات... وبالنهر أطبقنا على اليابسة وقلنا قد ختمنا الكتاب.. الوردة تنطوي على شوكة ملاكها الحارس من التأبين.. كن شوكة الوردة على الأقل واحرس اليابسة.. قُلت لي. قلت إن رحمن النجار يتخذ من العناصر الواقعية مفاتيح للدخول إلى سريالية القصيدة، إذ هو يبني الفكرة المخادعة، التي تمنحنا ما تريد هي وليس ما نريد نحن، في قصيدته “حطب وشتاء” نقرأ عنواناً تقليدياً، غير أن الشاعر ينتقل إلى متن شعري لا تقليدي، حيث يقول: لغتي مشت خلف الدليل.. في الطريق الذي كان طوال الرحلة يلوي رقبته ويشير بأصبعه أن اتبعني.. تبعته وقلت لنفسي، إنها أوهامي في قصيدة “حطب وشتاء” سردية واضحة، وبناء معماري يعتمد التشويق، إلا أنه لا يخلو من طرافة الخواتيم إذ يخدعنا النجار بأنه يسير مع الطريق بواقعية صرفة، إلا أنه كان يسير مع أوهامه. في قصيدته “شعرة معقوفة” نقرأ هذه السريالية الباذخة في الصورة الشعرية، حيث يقول: “في أية ظهيرة.. جدي وبسبابته يتحسس ظهر أنفه له شعرة معقوفة، تنمو وتنمو، بسبابته وأبهامه ينتزع الشعرة يرفعها قليلاً.. ينظر إليها وينفخها لتسقط في أية ظهيرة.. أبي وبسبابته يتحسس ظهر أنفه في أية ظهيرة وبسبابتي أتحسس ظهر أنفي، لي شعرة معقوفة تنمو وتنمو”. في “حطب وشتاء”، لعب النجار على مضمون القصيدة، وفي “شعرة معقوفة” لعب النجار على البنية السردية للحكاية، مشكلاً من خلال بنية شكلية ثلاثية بين ثلاثة أجيال، حكاية بسيطة تبني نصاً يتفاعل بروح سردية قوية، من مثل هذه البنية يقدم رحمن النجار عوالمه التي تفجر اللمحة الشعرية داخل البنية السردية ذاتها، فمن قصيدة “وسخ وزحام” يقول: “تحت السرير يتساقط النوم” وفي قصيدة “الملامح” شرط أن تكون العقدة على العقدة، يقول: “من الخزانة آخذ معطفي وأفتح الباب وأجد الحكاية تسعل في البيت”. هذه هي حياة رحمن النجار الذي التصق اسمه بالنجار المهنة التي عمل بها كل حياته، وتوارثها عن أبيه الذي ربما توارثها عن جده، وجميعهم نفخوا الشعرة التي طارت في هواء بعيد. يعود النجار إلى طفولته يتأملها بواقعية وكلاسيكية سردية، إلا أنه يبثها بطرائق سريالية أخاذة. وربما نتساءل حقاً، هل يكتب هذا الشاعر المهووس بالسرد قصيدة نثر أم أنه يكتب نصوصاً مفتوحة على الشعر والقصة والبنى الحكائية حيث يقول: اليوم الذي ستموت فيه سيكون كما باقي أيامك لكن أقصر بقليل. هذا ما كتبه في قصيدته “لي وللناس ما بين النهرين من أيام كاملة”، وكأنه بهذا المقطع الجميل يختزل كل حكايات العراق في أيامهم الناقصة والتي ربما يملأونها أغنيات يريدون أن يوقفوا الموت بها حيث يقول: “هذا العراقي الذي يدندن أبدياً في دروب عودته، يتوهم ويغني ماذا عساه أن يدندن كي لا يقتل؟” يظل هاجس رحمن النجار هو الأسئلة، الخوف من أن يجيب عن أسئلته التي تبدو واقعية غير أنها حقاً أسئلة متفلسفة. الشاعر رحمن النجار وُلد في بغداد 1959 نجاراً، وفي 1966 اشتغل في جماليات القصيدة، له ديوان “الأحمر والأبيض” عام 2008، والآن له أشياء ورسائل من أناي الأنثى ويعيش في كوبنهاجن منذ 1992.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©