السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأميركيون في أفغانستان... التأمين أولاً ثم الانسحاب

الأميركيون في أفغانستان... التأمين أولاً ثم الانسحاب
31 يوليو 2011 23:00
تحولت هذه المقاطعة الزراعية الواقعة على امتداد نهر هلمند، والتي كانت في السابق واحدة من معاقل حركة "طالبان" في جنوب أفغانستان، إلى منطقة هادئة خلال الشهور الثلاثة الماضية، لدرجة أن قوات المارينز الأميركية المتمركزة داخلها في الوقت الراهن باتت تتحرق لخوض القتال. "فقط أريد أن أطلق بعض الطلقات حتى نشعر بأننا مارينز حقاً"، كان هذا ما قاله أحد الجنود المعسكرين هناك. ومنذ أن وصلت الكتيبة الأولى من فوج المارينز الثالث إلى "جارمسر" في منتصف شهر أبريل الماضي، لم تصطدم سوى بما يقل عن عشرة ألغام أرضية لم يسفر أي منها عن وقوع خسائر بشرية، كما لم يتم إطلاق سوى قذيفة واحدة، وعدد محدود من الرصاصات "لا يزيد عما يمكن أن تضعه في جيبك الأمامي"، كما يقول الليفتانت كولونيل (مقدم) "شين ريوردان" قائد الكتيبة. ومنذ صيفين كان دوي طلقات الرصاص، وانفجارات القنابل يشق الهواء عبر حقول الحنطة، وكانت طائرات الإخلاء الطبي العمودية تهبط في المكان كل يوم تقريباً لإخلاء القتلى والمصابين من جنود المارينز. والهدوء النسبي الذي يسود هذه المنطقة في الوقت الراهن، يبدو كما لو كان هو الشرط الضروري المسبق للانسحاب الأميركي منها، وتسليم مسؤولية الأمن فيها لقائد شرطة أفغاني شجاع أدهش الضباط الأميركيين لما يتمتع به من جرأة ودهاء. يقول "ريوردان" إن المرحلة الانتقالية "تتطلب منا البدء بطريقة حذرة ومخطط لها جيدا". ويضيف: "السبب هو أننا لا نريد أن يظن الناس هنا أننا نتخلى عنهم قبل الآوان". والحقيقة أن المثال الخاص بجارمسر يظهر الخيارات الصعبة التي يواجهها كبار القادة الأميركيين في الوقت الراهن، وهم يحاولون جاهدين تنفيذ الأمر الأخير الذي أصدره الرئيس أوباما بسحب 10 آلاف جندي من أفغانستان بنهاية العام الحالي، ثم سحب 23 ألف جندي إضافي بحلول الصيف القادم، مع تحويل عدد الجنود المتبقي بعد ذلك وهو 68 ألف جندي إلى شرق أفغانستان لمواجهة التمرد المتصاعد هناك. والغرض من تنفيذ الانسحابات على هذا النحو هو الرغبة في عدم التضحية بالمكاسب التي تحققت في الجنوب. فكل قائد لواء أو كتيبة عاملة في المنطقة لديه العديد من الأسباب التي تدفعه للمطالبة بإعفاء المنطقة التي يعسكر فيها اللواء أو الكتيبة من خطة خفض القوات. فبالنسبة لجارمسر يتمثل هذا السبب في قرب المنطقة الشديد من باكستان. وفي مناطق أخرى يصر القادة على استثناء مناطقهم لأنها من المناطق التي تكثر فيها زراعة نبات الخشخاش الذي تمول حصيلة بيعه التمرد المستمر في أفغانستان. وفي منطقة "زاري"؛ إلى الغرب من قندهار، يكمن السبب في الأهمية الرمزية للمدينة بالنسبة لمقاتلي "طالبان" نظراً لكونها مسقط رأس قائدهم المختفي الملا محمد عمر، كما أن هذه المدينة استخدمت لفترة طويلة كمركز للقيادة والسيطرة للمتمردين الذين كانوا يسعون لاستعادة السيطرة على قندهار. كبار الضباط الأميركيين يعتقدون أن الاحتفاظ بأعداد كبيرة من القوات في الجنوب لعام آخر أو عامين، يمكن أن يساعد على المحافظة على الثقة، خصوصاً في الوقت الذي ينتقل فيه الصراع إلى مرحلة جديدة تشتمل على المزيد من عمليات القتل المستهدف، أي استهداف مسؤولين بعينهم بعمليات الاغتيال من جانب المتمردين، مثل تلك العملية التي جرت في قندهار وتم فيها اغتيال "أحمد والي كرزاي"، رئيس مجلس المدينة وشقيق الرئيس الأفغاني"حامد كرزاي"، وكذلك العملية التي تلتها وتم فيها اغتيال عمدة المدينة ذاتها، بالإضافة إلى العشرات من العمليات الأخرى التي استهدفت شخصيات أقل شهرة ومسؤولين أصغر مستوى في مختلف مدن وقرى الجنوب الأفغاني، ممن عملوا مع الحكومة المركزية أو القوات الأميركية وهي عمليات نشرت الخوف والرعب في أوساط السكان المحليين. والثقافة العسكرية تجعل كل قائد من القادة يسعى إلى الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من الجنود حتى لا ينظر إليهم أحد من سكان المنطقة على أنهم قد جاءوا وغادروا على عجل، ولم يمكثوا الفترة الكافية اللازمة لتأمين المنطقة. وكبار الجنرالات الأميركيين يتمسكون باستراتيجية بناء الأمم التي تتطلب موارد كثيفة، على الرغم من الأمل الذي يراود بعض كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، مثل نائب الرئيس "جو بايدن"، في أن خطة خفض عديد القوات سوف تجبر الإدارة على تقليص نطاق المهمة في أفغانستان بحيث تركز على قتل قادة "القاعدة"و"طالبان" فقط. ويراهن القادة العسكريون الأميركيون على أنهم قادرون على تحقيق أهدافهم الأصلية -أي هزيمة "طالبان"، وبناء حكومة أفغانية، وتكوين قوات أمنية، وإقناع المقاتلين في المستويات القيادية الدنيا بتغيير الولاءات- قبل أن يضطروا لإعادة أعداد كبيرة من القوات إلى الوطن. والقرار النهائي الخاص بتحديد الطريقة التي يتم بها توزيع القوات الأميركية، يبقى في يد الجنرال بحري "جون ألين" الذي استلم المسؤولية مؤخراً كقائد لقوات الحلفاء في أفغانستان من الجنرال ديفيد بيترايوس. وعلى الرغم من أن "ألين" قد ألمح لمرؤوسيه بأنه لا يرى وجود فرصة لإجراء تعديل كبير على الاستراتيجية الأميركية العامة لمقاومة التمرد في أفغانستان، إلا أنه سيضطر إلى معالجة المطالب المتنافسة في الجنوب والشرق. والجنرال "ألن"، كما يقول مسؤول أميركي عسكري كبير في أفغانستان، "يواجه أمامه تحدياً صعباً للغاية. حيث سيحتاج إلى إيجاد طريقة لإطفاء الحرائق الجديدة، في نفس الوقت الذي ينشغل فيه بالتأكد من أن الحرائق التي يقول القادة الأصغر إنها تحت السيطرة، هي تحت السيطرة فعلا ولن تشتعل مجدداً. ويشار هنا إلى أن المجهود الذي تقوم به الولايات المتحدة لطرد "طالبان" من جارمسر قد بدأ بوصول كتيبة من قوات المارينز في صيف عام 2008 للحلول محل مفرزة أصغر حجماً من القوات البريطانية. وفي ذلك الوقت كان المتمردون يسيطرون على المنطقة بكاملها تقريباً، وكانت الخطوط الأمامية التي أقامها البريطانيون عبارة عن خنادق تشبه إلى حد كبير الخنادق التي كانت تستخدم في الحرب العالمية الأولى، تبدأ على بعد يقل عن ميل واحد إلى الجنوب من قاعدتهم المقامة في المدينة الرئيسية بمنطقة جارمسر. وقد تمكنت الموجه الأولى من قوات المارينز من الاستيلاء على عدة أميال مربعة من الأراضي من "طالبان". وبعد ذلك جاءت أربع كتائب متلاحقة لتستكمل هذا المجهود، بيد أنها خسرت العشرات من الجنود بين قتيل وجريح أثناء اندفاعها جنوباً على امتداد نهر هلمند، عندما اصطدمت الآليات العسكرية بألغام أرضية مدفونة على جوانب الطرق، وفي الحقول، بل والجدران الطينية للبيوت التي قد يستند إليها الجنود في بعض الأحيان عندما يتوقفون طلباً للراحة. وقد بلغ هذا المجهود ذروته في بداية هذا العام بتطهير آخر جيب كان يحتله المتمردون في الأجزاء الجنوبية النائية من المنطقة. وفي الوقت الراهن لا توجد سوى خلية واحدة من خلايا "طالبان" تعمل في المنطقة، وهي على ما يبدو تركز جهدها الرئيسي على إخافة وإرهاب السكان الأفغان، وتحذيرهم من مغبة التعاون مع موظفي الحكومة أو القوات الأميركية. وما حدث في جارمسر احتاج إلى فترة أطول بكثير من الفترة التي تتراوح بين 18 و24 شهراً التي كان كبار القادة العسكريين قد وعدوا أوباما بأنها هي كل ما يحتاجونه لاستكمال المهمة، حيث احتاجت مهمة مقاومة التمرد في هذه المنطقة التي يبلغ تعداد سكانها 150 ألف نسمة، إلى ثلاث سنوات تكبدت الولايات المتحدة خلالها ما يقرب من ثلاث مليارات دولار. وتعليقاً على ذلك، يقول قائد ميداني أميركي في أفغانستان رفض ذكر اسمه لأنه ليس مخولا بالإدلاء بتصريحات، ولأن التقييم الذي يقدمه كما قال يتناقض مع تقييم مرؤوسيه،"إن أي أحد يقول لك إن الانتقال من مهمة قتالية بالكامل إلى مهمة قتالية محدودة (انتقالية)، يمكن أن يحدث خلال عامين فقط، هو شخص غير واقعي تماما". ويضيف لما سبق قوله: "والدرس الذي يمكن لنا أن نخرج به هو أن الأشياء هنا سوف تحتاج إلى وقت طويل، وإلى الكثير من الموارد المادية". راجيف تشاندرا سيكاران جارمسر - أفغانستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©