السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا نهضوا وتأخرنا؟·· جواب تركي

لماذا نهضوا وتأخرنا؟·· جواب تركي
14 فبراير 2008 00:04
لماذا تأخر المسلمون؟ سؤال قديم جديد طرحه سعيد حليم باشا رئيس وزراء تركيا الأسبق في رسالة له بالعنوان نفسه ترجمها إلى العربية عن التركية د· عبدالرازق بركات الأستاذ بجامعة عين شمس وصدرت مؤخراً في كتاب بعنوان ''لماذا تأخر المسلمون؟''· سعيد حليم باشا ولد بالقاهرة في 19 فبراير 1863 وهو ابن الأمير حليم من أسرة محمد علي واضطر والده للهجرة إلى تركيا اثر خلاف بينه وبين الخديو إسماعيل حول الأحقية في حكم مصر، حيث كان يرى أن حكم مصر من نصيبه هو· ودرس سعيد علوم عصره من دين ولغة وتاريخ وأدب ثم أرسله والده إلى سويسرا مع شقيقه الأمير عباس حليم لدراسة العلوم السياسية وقضى هناك خمس سنوات وعاد إلى تركيا في زمن السلطان عبدالحميد، وكان عبدالحميد يثق به إلى حد أن فكر مرتين في تعيينه خديوياً لمصر، وتقلب في العمل السياسي بالدولة العثمانية حتى تولى رئاسة مجلس الشورى ثم رئاسة الوزراء ''الصدر الأعظم'' بالإضافة إلى وزارة الخارجية وعمل مع الاتحاديين، وكان الصدر الأعظم للدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى وقبض عليه وحُوكم في انقلاب سلطة عام 1919 وأفرج عنه في عام 1921 وهاجر إلى روما حيث اغتيل على يد أحد الأرمن في السنة نفسها، وقد اعتبر في نظر الأرمن أنه المسؤول عن المذابح التي تعرضوا لها أثناء الحرب العالمية الأولى وكان قد اتجه للكتابة، وله العديد من الرسائل حول قضايا المسلمين والعالم الاسلامي، وكان يكتب باللغة الفرنسية، على الرغم من إجادته للتركية والفارسية وترجمت أعماله إلى التركية العثمانية ثم التركية الحديثة وعنها نقل هذا الكتاب· خطأ غربي ويلاحظ سعيد حليم أن الغرب سبقنا إلى اكتشاف تأخرنا كمسلمين لكن المشكلة أن الغرب أرجع تخلف العالم الإسلامي إلى الإسلام ذاته، وليس إلى أي شيء آخر، فقابله المسلمون بالتمسك بدينهم والدفاع عنه فاتهمهم الغرب بالتعصب الشديد، وبذلك جعل الغرب القضية دينية بالأساس وهي ليست كذلك، لقد ارتكب الأوروبيون هذا الخطأ لأنهم جعلوا تجربتهم الخاصة معياراً للعالم الإسلامي، هم كان تأخرهم بسبب سيطرة الكنيسة ورجالها على الحياة، وبالفعل نهضت أوروبا حين أبعدت الكنيسة ورجالها عن مجرى الحياة لكن الأمر مختلف في العالم الإسلامي، لقد قال الأوروبيون بذلك تأسيساً على أن التأخر أمر مشترك في العالم الإسلامي لكن لم يكونوا هم وحدهم المتأخرين وكانت هناك الصين والهند غير المسلمتين· والأسباب التي يحددها لتأخر العالم الاسلامي تتركز في استبداد الحكومة وجهل العلماء والبعد عن أوامر الدين، ويلخص ذلك في عنوان محدد هو ''جمود الفكر الديني'' ذلك أن الغاية السامية للدين هي تحقيق السعادة للبشر من خلال استثارة غريزة الارتقاء الموجودة في فطرة البشر وتحريرهم من جهالات الماضي وضلالاته وهدايتهم إلى الفضيلة ودفعهم إلى الرقي الإخلاقي والفكري· والأمة الإسلامية لم تلتفت إلى ضروريات فترة التحول الحضاري فلم تستطع إدراك أهمية مواجهة المستجدات الحديثة بالاجتهاد في تفسير الدين وتطبيقه بشكل أرقى وأكثر إفادة وكان ذلك أحد أسباب الانحطاط، وهناك بعد آخر يتعلق بالعداوة الشديدة بين العالم الإسلامي و الغرب المسيحي، تلك العداوة كانت سبباً في نشوب حروب طاحنة لعبت دوراً كبيراً في الحد من قدرة المسلمين على النهضة والتقدم، فلم تتح للأمة الإسلامية الفرصة لمعرفة المدنية الحديثة، سريعة التطور والاستفادة منها، وبينما كان الغرب آخذا في التطور والتقدم، ظلت الأمة الإسلامية آخذة في التراجع وكان ذلك سبباً للادعاء بأن الإسلام هو سبب الانحطاط· ويعترض سعيد حليم على التساؤل الذي كان مطروحاً في مطلع القرن العشرين وهو ''لماذا يعوق الإسلام المسلمين عن التقدم مثل الغرب؟'' فالسؤال على هذا النحو خاطئ ويسير في الأفق الذي يريده مفكرو الغرب، وصحة السؤال يجب أن تكون على النحو التالي: لماذا لم تستفد الأمة الإسلامية من النعم العظيمة الموجودة في دينها··؟ ذلك أن الدين لا يمكن أن يكون عائقاً للتقدم، لقد نهضت اليابان مثل أوروبا وبلاد الغرب ولم تمنعها بوذيتها من النهوض ''إيما أمة تأخذ بالأسباب اللازمة للتمدن لا يعوقها الدين عن بلوغ هدفها··'' مشكلة التقليد ومشكلة التقدم بالنسبة للأمة الإسلامية تعود في جانب منها إلى قادتها ومثقفيها، ذلك أنهم تصوروا أن النهوض لن يتحقق إلا بتقليد الغرب، في كل شيء من الكتابة إلى الأفكار والنظم الاجتماعية والسياسية، وهو هنا يتحدث تحديداً من خلال خبرته بالتجربة التركية أيام جماعة ''الاتحاد والترقي'' فهؤلاء كانوا مفتونين بالغرب إلى أقصى درجة وحاولوا استنساخ التجربة الأوروبية في الدستور والحكم والثقافة فكان نصيبهم الفشل الذريع، وهذا ما دعاه إلى أن يدافع عن السلطان عبدالحميد، على الرغم من أن سعيد حليم كان احد الذين شاركوا في إطاحة عبدالحميد والانقلاب عليه وأكد أن المشكلة في الدولة العثمانية لم تكن بسبب السلطان وحده ولكن بالافكار التي حكمت· عاش سعيد حليم في مصر فترة قصيرة، حين غضب السلطان عبدالحميد عليه وفيما يبدو لم يتح له الاطلاع على التجربة المصرية والعربية في النهوض، ورؤية المفكرين العرب لهذه القضية، فقد كان السلطان عبدالحميد بالنسبة للمفكرين العرب هو الكابوس الأكبر وهو رمز التخلف والاستبداد لكن سعيد حليم يبدو قريباً من الناحية الفكرية من مدرسة الإمام محمد عبده، حيث رأى ضرورة النهوض بالتربية والتعليم أولاً ثم النهوض الفكري ثم التحول السياسي لإحراز التقدم المطلوب· لا يعرفون وطنهم حمل سعيد باشا بشدة على تقليد الغرب وبلاد أوروبا وهاجم بضراوة المثقفين الذين يدعون لذلك واتهمهم بأنهم لا يعرفون وطنهم، ومع ذلك نراه يفضل الكتابة بالفرنسية لأنها لغة الأدب والفكر في ذلك العصر، ولانه يريد أن يخاطب الرأي العام في أوروبا وليس في العالم الإسلامي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©