الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عسكرة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط

عسكرة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
18 أغسطس 2014 00:40
من منظور أخلاقي، تعتبر استجابة الرئيس أوباما لمحنة الأقليات العراقية التي يهدف الإسلاميون إلى انقراضها، استجابةً مبررةً وربما تحظى بالثناء. لكن استئناف العمل العسكري الأميركي في العراق لا يمكنه إخفاء الفوضى الشاملة التي تتميز بها سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. كما أن الأخلاقيات الحساسة التي قد تكون حركت إدارة أوباما لتجديد حرب العراق هي أخلاقيات انتقائية، إذا ما أردنا وصفها بعبارة لطيفة. وفي أماكن أخرى من المنطقة، ترددت واشنطن في مواجهة الشر ووقفت تنتظر بينما كان الأبرياء يتعرضون لأقسى معاملة. ومهما كانت العوامل التي شكلت استجابة الولايات المتحدة للحرب الأهلية في سوريا، أو الأحداث التي شهدتها مصر العام الماضي، إلى جانب الهجوم الإسرائيلي على غزة. . فإن اعتبارات أخلاقية قد برزت، في أحسن الأحوال، بعد فوات الأوان. وإذا ما كانت الإجراءات الأميركية الأخيرة في الشرق الأوسط تنطوي على موضوع مشترك، فهو يتمثل في أمل غامض في أن قمع التطرف الإسلامي المستشري سيساعد على استعادة النظام في منطقة بذلت الجهود العسكرية الأميركية الكثير لزعزعة استقرارها. إلا أن ترجمة هذا الأمل إلى واقع يمثل تحديات مروعة، تبلغ ذروتها في العراق وليس في مكان آخر. وقد أشار «بيتر باركر» بصحيفة «نيويورك تايمز» إلى العراق كـ«مقبرة للطموح الأميركي»، وهذا توصيف ملائم تماماً. فكل من الرؤساء الأميركيين الخمسة السابقين قد رأى العراق كأداة لخدمة المصالح الأميركية، أو توقع أن تمتثل بغداد لمتطلبات أميركية محددة. وقد فشل كل منهم بدوره وأورث عواقب هذا الفشل لمن أتى بعده. وخلال ثمانينيات القرن الماضي، ومن أجل كبح جماح طموحات إيران الثورية، سعى ريجان إلى استخدام العراق كوكيل. وكانت النتيجة الرئيسية، إلى جانب إراقة الدماء بلا طائل خلال الحرب بين إيران والعراق، هي تغذية جنون العظمة للدكتاتور العراقي صدام حسين. وشهدت إدارة بوش الأب تحول العراق من شريك غير ملائم إلى عدو كامل. وعاقب بوش العراق لقيامه بغزو الكويت، واثقاً بأن النصر سيجلب «نظاماً عالمياً جديداً». لكن بدلا من هذا النظام، وجدت الولايات المتحدة نفسها مثقلة بمسؤولية تحصين منطقة الخليج. وللإبقاء على صدام حسين في مربعه، بدأ بوش سياسة الاحتواء الذاتي، وأكدها بيل كلينتون من بعده. غير أن التمركز الدائم للقوات الأميركية في العالم الإسلامي والعقوبات المفروضة على العراق أججت الجهادية المعادية للولايات المتحدة، وبالتالي ساعدت على وضع الأساس لهجمات 11 سبتمبر 2001 التي أوحت لبوش الابن بجعل العراق محور حملته لإقامة مشروع «الشرق الأوسط الكبير». لكن بدلا من وعوده بإرساء الديمقراطية في العراق، أوقف بوش هذا المشروع. ورغم أن تعهد أوباما بتخليص الولايات المتحدة من الحرب غير الشرعية التي ورطها سلفه فيها قد أوصله إلى البيت الأبيض، فإن الأحداث ثبطت آماله في الانفصال بصورة نظيفة. فالعراق ضعيف والقوات العسكرية غير الفعالة –التي تم الإنفاق بشكل كبير على إنشائها خلال سنوات الاحتلال الأميركي- أثبتت عدم قدرتها على التعامل مع العنف الثائر. أن تتخيل في هذا الوقت المتأخر أن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على تغيير هذا الوضع المحزن، فهذا بالتأكيد وهم كبير. لذلك، حتى لو نجح مزيج من القوات الأميركية الجوية في إنقاذ أولئك المعرضين لخطر ماثل، فإن العراق سيظل حالة ميئوساً منها. فالمسارعة لإنقاذ الأكراد أو الإيزيديين أو المسيحيين العراقيين قد تريح الضمائر الأميركية، لكنها لن تصرف سجل الفشل الذي حققه الحزبان والممتد طوال عدة عقود. فهذا فشل نهائي لا يمحى. وسيمضي المؤرخون لتوزيع مسؤولية هذا الفشل، وهو مشروع من المرجح أن يثير جدلاً مستمراً في المستقبل البعيد. والمطلوب من المسؤولين عن صياغة السياسة هو المضي قدماً، مع إدراك الماضي وقبوله على أنه ثابت ويتعذر إصلاحه. وإذا كانت استعادة شكل من أشكال الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط تصب في مصلحة الولايات المتحدة، وهذا أمر مؤكد، فإن اللحظة الحالية تتطلب أمرين: الأول يتمثل في الكف عن القيام بأية إجراءات تأتي بنتائج عكسية. وهذا يعني إنهاء العسكرة المفرطة التي تتميز بها سياسة الولايات المتحدة والتي عززها انشغال واشنطن المفرط بالعراق. فلا شيء سيكون أكثر حمقاً من أن يسمح الرئيس أوباما لنفسه بالتورط في صراع آخر واسع النطاق، الأمر الذي يبدو وكأنه يستسيغه. أما الخطوة الثانية فتعني تحديد أولويات معقولة، والتمييز بين ما هو ضروري حقاً وما هو مجرد مهم. إن هوس واشنطن الذي طال أمده بالعراق على مدار سنوات عديدة قد أدى إلى انحراف أولويات السياسة الأميركية على نحو سيئ. وهناك أماكن ينبغي أن ينظر إليها الأميركيون باعتبارها تستحق القتال والموت من أجلها، أماكن قد يتوقف عليها مصير هذا الكوكب، وليس من بينها العراق. لقد حان الوقت للانفصال عن هذه المشكلة والمضي قدماً. وعلى صعيد آخر، قالت وكالة «رويترز» للأنباء، في تقرير لها، إن الولايات المتحدة يمكن أن تسرع في تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية للعراق مع انتهاء ولاية رئيس الوزراء نوري المالكي، التي استمرت 8 أعوام، لكنها تريد أولا الدليل على أن قادة البلاد الجدد تخلوا عن سياساته الطائفية. وقال مسؤولون أميركيون إن رحيل المالكي يمكن أن يفتح الباب أمام مساعدات عسكرية واقتصادية أميركية أكبر للحكومة العراقية الجديدة إذا تبنت سياسات لا تستبعد أي طرف عراقي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©