الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العين العليا

العين العليا
28 نوفمبر 2017 22:28
حسام نور الدين منذ أن قدم المخرج الأميركي الرائد دافيد وارك جريفيث أول لقطات الكاميرا فوق (الرافعة -Crane) في فيلمه الباهر (التعصب 1916)، بدأ هذا الأسلوب التصويري في الانتشار بعدها، ليشهد فن السينما لقطات فنية وبصرية عظيمة عبر التاريخ من هذه النوعية، ويكاد لا يخلو فيلم ـ غالباً ـ من استعمال (الرافعة/ الكرين)، مع تطوراتها التقنية الهائلة التي طرأت عليها، وما زالت. الرافعة هي مثل التي نراها في عربات الكهرباء، لتصليح أعمدة النور العالية، ذراعها تصل طولها إلى نحو 12 متراً أو يزيد، فيجلس المصور على كرسي مثبت فوقه ذراع، يتحكم بها في حركة الكاميرا المثبتة بإحكام على قاعدة مستطيلة في أعلى الرافعة، لتعطي حركتها إحساس عين الطائر نفسها، وهو ينظر من أعلى الجو لما تحته، وبزاوية رؤية واسعة جداً، مع التحكم في حركة الرافعة بذراع يدوي أسفلها، وباستعمال عجلات، للسير بها أماماً أو خلفاً.. هذا ببساطة التركيب الأساسي للمعدة السينمائية الشهيرة، قبل تطويرها، وبرمجتها آلياً، والتحكم عن بعد في حركتها، وحركة الكاميرا ذاتها. أفلام ورافعات أبدعت (هوليوود) منذ الثلاثينيات في استغلال (الكرين -Crane)، وأبرز مثال هو الفيلم الاستعراضي الغنائي (الباحثات عن الذهب 1933) للمخرج ميرفن ليروي، بتعاونه مع مصمم الحركة والاستعراض العبقري بسبي بيركلي، ليضفي الكرين الإبهار البصري والفخامة la grandeur في عين وإحساس المشاهد. لكن المهابة البصرية، ليست الوظيفة الوحيدة للقطات الكاميرا فوق (الكرين)، فهناك وظائف أخرى لها. وقبل أن نمضي في سرد أهمها عبر تاريخ السينما، نتوقف أمام ما كتبه بإسهاب الناقد الأميركي ستيفن كاتز عن لقطات الكرين 1، وما استجد عليها عبر السنوات. فاللقطة المصورة بالكرين ـ كما يذكر ـ يُظن عادةً أنها محصورة في حركة عمودية، ولكن في الواقع أن (الكرين) يمكنه التحرك في اتجاهات عديدة، على الرغم من أن سبب تميّزه هو قدرته في الحركة العمودية، فإننا نادراً ما نرى العالم من خلال وضع متميز كالتي تسمح به حركة الكرين العالية. ولتلك اللقطات فخامة تسترعي انتباهنا، بغض النظر عن الموضوع، بسبب المتعة الطبيعية الخالصة للحركة، فنحن تستدرجنا زاوية الرؤية الغريبة، والتغيّر الخادع للمنظور. وكذلك من المعتاد في افتتاحية مشهد أن تؤكد (اللقطة/‏ الكرين) على الإحساس بالوجود، وتقرر جغرافية البيئة المصورة في الوقت نفسه. وحركة (الكاميرا/‏ الكرين) التي تدخل مكان التصوير تصبح لقطة (كان يا ما كان...)، فتوجه انتباهنا من العام إلى الخاص، حيث إن اللقطة البانورامية (Pan.) الأساسية تمسح عالماً خيالياً في مدى واسع من الفراغ، لأن لقطة الكرين تسمح لنا بأن نستشعر أبعاد هذا العالم باختراق الفراغ، ثم تسلم بواقعيته، عبر التوهم بعمق الصورة. وتتعدد وظائف لقطة الكرين، إضافة إلى الملحمية الفخمة في اللقطة الأساسية (Establishing shot). ففي فيلم المخرج ألفرد هيتشكوك (سيئة السمعة -1946) استعمل الكرين في حفلة راقصة، ليهبط طابقين من أعلى سقف قاعة الرقص الواسعة جداً، إلى مفاتيح بين يدي (إنجريد برجمان)، والغرض من هذا هو أن ينوه للتوتر النفسي، الذي تمثله المفاتيح في القصة. وتوجد حركة أخرى من هذه النوعية، تُستعمل للتجسيد الدرامي لمعاناة الشخصية، وهي أول لقطة من فيلم الإيطالي برتولوتشي (التانجو الأخير في باريس - 1972)، إذ يسير (مارلون براندو) على الرصيف تحت القطار المرتفع بعد انتحار زوجته، وتوحي الكاميرا بعذابه، بعمل حركة سريعة فجائية لأسفل في (لقطة مكبرة) لوجهه الملتفت لأعلى، كما لو كان يصرخ في السماء. وظائف ولقطات لكن يبدو أن الكاتب الأميركي قد فاته استعراض وظائف أخرى عدة، مهمة لاستعمال الكرين، في أفلام أضافت إبداعاً لا يُنسى في هذا المجال، ولعل من أهمها ما فعله المخرج العظيم أورسون ويلز في فيلمه (المواطن كين 1941) 2، حيث عبر عن معنى الاختراق المتواصل، عندما ترتفع الكاميرا وسط المطر الغزير، إلى سقف ناد ليلي، وتستمر في تقدمها، خلال فتحة صغيرة في السقف العالي، ثم تهبط لغرفة (سوزان) التي أصابتها حالة إغماء كحولية، فاللقطة هنا تمثل فيها الكاميرا دور (المخبر) الذي يوازي بحث المحقق في حقيقة شخصية (كين)، وتشي اللقطة بغزو الخصوصية في لامبالاة للحواجز والموانع التي وضعتها البطلة، واختفت وراءها!! كذلك اللقطة الافتتاحية - للمخرج نفسه - التي تعد من أشهر افتتاحيات السينما، في (لمسة شر - 1958)، حيث نرى القنبلة الجاهزة للانفجار، يتم وضعها في السيارة، ومع رؤيتنا لعمق الشارع - بفضل استعمال الكرين - يتحرك البطل والبطلة في الشوارع، في حين أن السيارة التي بداخلها القنبلة، تدخل (الكادر)، وتختفي، ثم تعود، مما يشد انتباه المتفرج، لترقب وجودها المثير، وانفجارها الوشيك، وسط حركة الشارع الصاخبة، وثرثرة البطلين في اللقطة نفسها. أيضاً، قد يكون لاستعمال الكرين غاية أخرى، وهو تحويل المكان إلى زمان، فيبدأ المشهد/‏ بلقطة (قريبة جداً)، وتبتعد الكاميرا، حتى تنتهي - من دون قطع مونتاجي - إلى لقطة (بعيدة جداً)، كما في فيلم (رحلة يوم طويل إلى الليل -1962) للمخرج سيدني لوميت، حيث تتذكر الأم (كاثرين هيبورن) ماضيها، فترمز حركة الكاميرا في تراجعها (فوق الكرين)، عن عبور الزمن الآني، وتجاوزه، إلى زمن البطلة الماضي. ومن وظائف (الكرين) الأخرى، التوحد مع العالم المحكي عنه، والولوج في جوهره، مثلما تحقق في فيلم الأميركي المخضرم/‏ روبرت التمان (اللاعب -1992)، حيث في لقطة واحدة (لمدة 8 دقائق) استعرضت (الكاميرا/‏ الكرين) ببراعة تفصيلات عالم أستوديوهات هوليوود، بما فيه من فوضوية، واضطراب (3). ولا نترك هذا الجانب من دون أن نشير إلى أسماء أخرى من المخرجين، تعاملت مع حركة الكاميرا الكرين بمهارة لافتة، ووعي فني، مثل: الفرنسيين جوليان دوفيفيه، وجان جودار، والكوبي ميخائيل كالاتزوف، ومن هونج كونج جوني تو، والإنجليزي ريتشارد اتنبره، والإيطالي داريو أرجنتو، والأميركي تارانتينو، الخ.. التطور التقني في الأعوام الأخيرة - كما يقول ستيفن كاتز - أدت أجهزة التحكم عن بعد، والكاميرات المزودة بأجهزة فيديو لعرض الصورة (Monitors) إلى تطور في تنوع واختلاف معدات الكرين التقليدية. وهذه المعدات الجديدة تسمح للمصور أن يتحكم في إطار الصورة (الكادر)، وبؤرة الكاميرا من على بُعد (بدلاً من الركوب على الكرين بالكاميرا)، وسامحاً بحركة أوسع للكاميرا. ومن أفضل المعدات الحديثة: كرين (اللوما Louma)، و(السكاي كام – Sky Cam)، حيث يعتمدان فقط على عملية (التحكم عن بعد) لضبط حركة الكاميرا، فالكرين (اللوما) تعلّق فيه الكاميرا تحت الذراع، وتستطيع أن تتجول في مساحات الفراغ، وهو ما كان سيستحيل مع جهاز آخر، مما يتيح تنفيذ الحركات المعقدة داخل وخارج المساحات الضيقة، كما في زحام الشوارع. أما (السكاي كام) فهو جهاز يتم التحكم فيه عن بعد، ويعمل بنظام الكابل (Cable)، فيعلق أربعة أسلاك فوق الأرض على أعمدة مثبتة، أو يُعلق في السقف على هيئة مربع، وتُلقىَ الكابلات الأربعة لرباط الكاميرا (من نوع خاص)، حيث تُعلق بين الأربعة أركان المثبت عليها الأسلاك. كل سلك Cable من الأربعة يلف حول بكرة لها سطح دائري Drum، فيتم التحكم فيها بالكمبيوتر، وبالتحكم في مقدار السلك المتروك، يتم التحكم في موضع الكاميرا. وعلينا أن نضيف في هذا الموضع ما حدث من تطور لاحق على ما ذكره الكاتب وقتها، حيث صار الشائع في هوليوود من سنوات، استعمال (الدرونز - Drones) أو الطائرة الصغيرة التي تطير بكاميرا من دون مصور، ويتم التحكم فيها عن بعد، مع اتصالها بالهاتف الحديث، ليرى المخرج على شاشته ما تصوره الكاميرا في طيرانها، إذ تنفذ (الدرونز) مهمتها في الجو بخفة كالنحلة الدوارة (كما يدل اسمها)، وقد لجأ إليها المخرج الفذ مارتين سكورسيسي في فيلمه (ذئب وول ستريت -2013). التصور المرئي ونعود لما كتبه ستيفن كاتز عن أهم وأكثر الوسائل الجديدة إثارة لتصميم حركات الكرين، أو اللقطات المشهدية، وهي البرامج المعروفة بـ(C.A.D)، وهي اختصار (Computer aided design) المستخدمة لعمل تصور مرئي Visualization، وهذه النوعية من الـ( Soft ware) متداولة الآن في الكمبيوترات الصغيرة التي تدع المخرج يرى مسبقاً حركة الكاميرا بكمالها وتمامها بأي عدسات. وبمجرد أن يظهر التخطيط البنائي، أو تصميم مكان التصوير على الكمبيوتر، فإنه يمكن للكاميرا أن تتحرك في دقائق قليلة. وهكذا نستطيع أن نقارن بين نتائج مرئية عدة على الكمبيوتر جنباً إلى جنب، ويتم تخزينها للاستدلال بها Reference، وهذه النماذج المصورة تم ابتكارها في (Virtus-walk through) التي تعمل بالتوقيت الحقيقي الذي يمنح مخرج الفيلم إمكانية تحريك الكاميرا عبر الثلاثة أبعاد للفراغ على الشاشة، كما لو كان بالفعل في مكان التصوير، فأي حركة للكاميرا يمكن أن تسجل في البرنامج (Program)، وتحفظ للمقارنة مع حركة كاميرا أخرى، ويمكن أن تتغير بسهولة، مع عمل تصحيحات للسرعة، التوقيت، طول البعد البؤري، واتجاه الحركة، وبقية التصحيحات الدقيقة، ويتم رؤيتها في الحال. والخلاصة في هذه الجزئية أنه باستعمال برامج (C.A.D) كورشة عمل، يستطيع المخرج أن يحوز مهارات التعبير الحركي بالكرين، والتي كانت في السابق تحتاج سنوات لتعلمها. وفي النهاية، نرى أن كل ما سبق ذكره له أهميته الكبرى، لكن لابد أن نضع في بؤرة ذاكرتنا أن استعمال (الرافعة – الكرين)، وما ينتج عنه من حركات بهلوانية أحياناً، أو مبرمجة بلا مبرر، ومن دون انسجام مع طبيعة المادة المصورة، من شأنه أن يفقد الفيلم قيمته. «فليس المهم في الفن ما يحدث، لكن المهم كيف يحدث». سيرة يعتبر المخرج الأميركي ديفيد وارك غريفيث (1875 - 1948) رائد من رواد السينما الحديثة. وساهم في تطوير مجالات الإخراج والتصوير السينمائي والمونتاج. بدأ في مجال السينما عام 1908، وقدم مجموعة كبيرة من الأفلام القصيرة التي تتراوح مدتها من 15 إلى 18 دقيقة. وبلغ مجموع الأفلام القصير التي قدمها حتى عام 1913 نحو 450 فيلما قصيرا. كان أول من استخدم أسلوب التقريب وأسلوب الاسترجاع الفني والتشويق وتحريك الكاميرا. وهو صاحب فكرة اللقطات المتقاطعة أو المونتاج المتوازي. أسس عام 1919 مع شارلي شابلن وآخرين استوديو مجموعة الفنانين. وهو أحد مؤسسي أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة. أشهر أفلامه الفيلم الصامت «مولد أمة» عام 1915، حيث استخدم في تصوير الفيلم تقنيات متقدمة وأسلوبا روائيا جديدا. وقد ساهمت شعبية الفيلم في تقدم ثم سيطرة مجال الأفلام الطويلة في الولايات المتحدة. عام 1916 قدم فيلمه الملحمي المعروف ذو الإنتاج الضخم «تعصب»، الذي يعتبر من أهم الأفلام عموما. ومن أفلامه الأخرى: «زهور مكسورة» (1919). فيلم درامي يحكي قصة فتاة يعتدي عليها والدها المقامر السكير وقصة حبها مع رجل صيني لطيف. «أقصى الشرق» (1920). فيلم رومانسي مقتبس عن مسرحية فرنسية من القرن التاسع عشر. «أيتام العاصفة» (1921). فيلم درامي تجري أحداثه في القرن الثامن عشر أيام الثورة الفرنسية. «أميركا» (1924). فيلم رومانسي تجري أحداثه أثناء حرب الاستقلال الأميركية. ................................................ الهوامش: 1 - Shot by shot 2 - فهم السينما، لوي دي جانيتي، ترجمة: جعفر علي 3 -http:/‏/‏www.cinemablography.org/‏blog/‏epic-
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©