الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان مدرسة للعبادة الحقة والترقي الأخلاقي

رمضان مدرسة للعبادة الحقة والترقي الأخلاقي
1 أغسطس 2011 22:55
من عظمة هذا الدين أنَّه ربط بين العبادات والأخلاق قبولاً ورداً، فالعبادة التي تقترن بحسن الأخلاق والمعاملة الحسنة مع سائر المخلوقات تكون مقبولة، بالإضافة طبعاً إلى شروطٍ أخرى كالإخلاص والموافقة لشرع الله عز وجلَّ. والمتأمل في كتاب الله تعالى يجد أنّ الحق تبارك وتعالى يربط بين العبادة والأخلاق، فاقرأ مثلاً قوله تعالَى في الحثِّ على إقامة الصَّلاة: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) “العنكبوت، 45”. وقوله تعالى في الحث على الزكاة والصدقة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)، البقرة. وقوله تعالَى في بيان فريضة الحجِّ: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ). وأمَّا فريضة الصيام، فقد ربطها الإسلام بالأخلاق ربطاً محكماً، قال جلَّ شأنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). ومن المعلوم لدى المسلمين أن المتقين هم أصحاب أخلاق كما وصفهم الله في القرآن الكريم، وإذا كان من أعظم ثمرات الصيام التحقق بالتقوى، والتقوى لايتصور وجودها في الواقع من دون أخلاق، فإنَّنا نستطيع أن نقول إن رمضان هو مدرسة للترقي الأخلاقي، وإليكم نماذج من الأحاديث النبويَّة الشَّريفة التي تدعو إلى تحقيق هذا المقصد العظيم في ديننا: قالَ رَسُولُ اللَّهِ مبيناً أنَّ الصَّيامَ جنَّةٌ ووقايةٌ بينَ العبدِ وبينَ ما حرِّمَ اللهُ سبحانَهُ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يوم صيام أحدكم فلا يَرْفُثْ وَلا يصخب فَإِنْ سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم). ففي هذا الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ يبيِّنُ النَّبيُّ فيهِ أنَّ حقيقةَ الصِّيامِ تقومُ على التَّخلِّي عنِ الأخلاقِ الذَّميمةِ، والتَّحلِّي بالأخلاقِ الحميدةِ، فالمسلمُ تصومُ جوارحهُ عنِ الفواحشِ، ويمسكُ عنِ اللَّغوِ والرَّفثِ، ويبتعدُ عنِ الغيبةِ والنَّميمةِ وفحشِ القولِ والزُّورِ والبهتانِ، وفيه إشارة واضحة على الرقي الأخلاقي عند الصائم، فصيامه يلزمه أن يترفع عن السب والشتم، ويعبر عن أخلاقه بكل عزة قائلاً: “إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ” فصيامي يمنعني أن أنزل إلى مستوى صاحب الجهالة والسب والشتم، وهذا ما أكَّد عليه رسول الله بقوله: “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ”. تهذيب النفس الملاحظ من هذا النَّص الشرعي أنَّ الله سبحانه شرعَ الصيامَ ليهذِّبَ النَّفسَ ويزكيها، ويربِّيها على الأخلاقِ الفاضلةِ، ويجنِّبَها الأخلاقَ الرَّذيلةَ، ويعوِّدَها على الخيرِ، ويبعدَها عنِ الشَّرِّ، قالَ النبيُّ: “ليسَ الصِّيامُ منَ الأكلِ والشُّربِ إنَّما الصِّيامُ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ”. والحقيقة التي ينبغي أن نعلمها ونسعى إلى تحقيقها، هي أنَّ الأخلاق الحسنة ترفع مقام صاحبها إلى درجة الصَّائمين القائمين، قَالَ: “إِنَّ الْـمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ”. وبالمقابل تماماً أن الأخلاق السيئة تهبط بصاحبها إلى أسفل سافلين، وتجعله من المفلسين الخاسرين؛ فلا ينال من صيامه إلا الجوع والعطش، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ”. وهذا هو شأن الصَّائمِ الَّذي يخوضُ فيما حرمَ اللهُ، ويقعُ في أعراضِ النَّاسِ، ويسيءُ الجوارَ، ويقطعُ الأرحامَ، ويخاصمُ الأصحابَ، ويأكلُ أموالَ النَّاسِ بالباطلِ، ويخونُ الأمانَةَ، ويكذبُ ويخادعُ ويستهزئُ، فكانت المحصلة النهائية أنَّهُ لمْ يستفدْ منْ صيامه، إلاَّ الجوع والعطشَ. إذا تأملنا هذا الحديث الشريف، الذي يطلق النبيُّ فيه دعوة إلى الترقي الأخلاقي في رمضان الكريم، قال: “إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ”. وهناك دعوة أسمى من هذه الدعوة، وخاصة عندما يعلم المسلم أن صيامه مرتبط بالأخلاق قبولاً وردَّاً، قال: “الصَّلَوَاتُ الْـخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْـجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ”. وحتى لا يكون الكلام نظرياً، فإنَّنا نبرهن على صدق هذه الحقيقة ببيان جانبٍ تطبيقيِّ عظيم من حياة الرسول الكريم في رمضان، فقد كان في سائر حياته وأحواله يتربع على عرش الأخلاق، ولكنه في رمضان علمنا بعمله كيف يكون الترقي والتميز الأخلاقي، فعَنْ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنْهُما قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْـمُرْسَلَةِ” (البخاري). فالذي يدارس القرآن ويعيش معه بكل أحاسيسه، تكون الأخلاق شعاره ودثاره في سائر أحواله، وهذا ما وصفت به رسولَ الله عائشةُ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: “كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) “القلم: 4” (مسند أحمد). وعلى هذا المنهج التطبيقي سار أصحاب النبي، فقد كان شهر رمضان فرصة عظيمة للترقي الأخلاقي والتدريب العملي على مكارم الأخلاق من الصبر والكرم والجود والصدق ومراقبة الله تعالى، قالَ جابرُ بنِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنْهُمَا: “إذا صمتَ فليصمْ سمعُكَ، وبصرُكَ، ولسانُكَ، عنِ الكذبِ، والمحارمِ، ودعْ عنْكَ أذى الجارِ، وليكنْ عليكَ وقارٌ وسكينةٌ يومَ صيامِكَ، ولا تجعلْ يومَ فطرِكَ وصومِكَ سواء”. ومنَ الضروري أن نعلم أن الترقي الأخلاقي والتسامي في التعامل في رمضان وغيره من أعظم أسبابِ قبولِ عملِ الصائمِِ، ورفعِ درجتِهِ، وتثقيلِ موازينِه، ودخولِهِ الجنَّةِ منْ بابِ الرَّيانِ، قالَ النَّبيُّ: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ”. زكرياء الحمقة منهج كل أيام العام حريٌ بمنْ أرادَ أن يحظى بالتَّوفيق والسعادة في الدنيا، والمقام العظيم في الآخرة أن يتخذ من الترقي الأخلاقي في رمضان منهاجاً له في سائر أيام العام وعلى الدوام، فيتحلى بالصَّبرِ والكرمِ والجودِ والعفوِ والمسامحةِ والصدق والأمانة، والبعدِ عنِ الغيبةِ والنَّميمةِ والسَّبِّ والشَّتمِ وقولِ الزُّورِ. ويصلُ رحمَهُ، ويكرمُ جارهُ، ويطعمُ الفقيرَ والمسكينَ، ويوقِّرُ الكبيرَ، ويرحمُ الصَّغيرَ، ويجلُّ العالمَ، ويعفو ويصبرُ على منْ أساءَ إليهِ، ويدعو ويشكرُ لمنْ أحسنَ إليهِ، ويقبل على عملِه بكلِّ همَّةٍ وعزيمةٍ واتقانٍ، لأنَّهُ يستشعرُ مراقبةَ اللهِ تعالى في سائرِ تصرفاتِهِ، وبذلكَ يكون محبوباً عند الله وعند الناس أجمعين، قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©