الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إطلاق عنان اللسان يؤدي إلى البلايا والخطايا والذنوب

1 أغسطس 2011 22:56
قال صلى الله عليه وسلم:”إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث ولا يجهل وإن امرؤ شاتمه فليقل إني صائم”، (الموطأ)، وهذا الحديث النبوي تربية وتوجيه للانضباط والتقيد بالأخلاق الكريمة التي ترقي الإنسان، ورمضان زمن مناسب للاغتراف من القيم والأخلاق النافعة للإنسان، وكثير من البلايا تأتي نتيجة إطلاق عنان اللسان ليقول ما يشاء، اسمعوا معي هذا الحديث الشريف فعن عبد اللَّهِ بن سُفْيَانَ عن أبيه قال: يا رَسُولَ اللَّهِ أخبرني أمراً في الإِسْلاَمِ لاَ أَسْأَلُ عنه أَحَداً بَعْدَكَ قال: قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ قال يا رَسُولَ اللَّهِ: فأي شيء أتقي قال: فَأَشَارَ بيده إلى لِسَانِهِ. ولهذا يرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة مراعاة الربط بين مفهوم وصفة الإسلام وما قد يطرأ من لسان المسلم فقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)”متفق عليه”، وكذا فقد أمرنا بالقول الحسن الطيب، فقال جل وعلا: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) “الإسراء، 53”. حفظ اللسان ربما يطيب للإنسان أن يسهر بالليل جالساً مع أصدقائه في رمضان لكنه وفي غمرة الكلام يرخي العنان للسان ليقدح ويشتم ويغتاب كما يشاء بدون رادع بدون ضوابط متناسياً أن الرقيب حاضر، وهو المولى وحرمة الزمن الفضيل حاضرة كذلك، وفي الحديث عن أبي سَعِيدٍ الخدري (إذا أَصْبَحَ ابن آدَمَ فإن أَعْضَاءَهُ تُكَفِّرُ اللسان تَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّكَ ان اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وان اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا) “الترمذي”، والغريب أن البعض ربما امتد بلسانه إلى الناس بالنقد المشوب بالاتهام وهو من قبيل البهتان المنهي عنه ولا شك. والمخرج من هذه الآفات واضح جلي هو توجيه اللسان إلى ذكر الله أو التزام الصمت ما لم يكن الكلام أحسن أو مغادرة المجلس الذي تغشاه الغيبة والتندر بأحوال الناس، ورمضان فرصة كريمة وثمينة لأن الصائم يعيش حالة الذكر المتصل والطاعة المتلبسة به، فلننتبه إلى ما يقوله الإمام الغزالي عن الكلام. يقول: الكلام أربعة أقسام قسم هو ضرر محض وقسم هو نفع محض وقسم فيه ضرر ومنفعة وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر، وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول والاشتغال به تضييع زمان وهو عين الخسران فلا يبقى إلا القسم الرابع فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع وهذا الربع فيه خطر)، ولذلك فقد عد النبي صلى الله عليه وسلم إمساك اللسان هو فيصل الخروج من المآزق، فلما علَّم معاذا أصول الإسلام قال له: (ألا أُخْبِرُكَ بِملاكِ ذلك كُلِّهِ قلت بَلَى يا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قال كُفَّ عَلَيْكَ هذا فقلت يا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فقال ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ أو على مَنَاخِرِهِمْ إلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ” (الترمذي). أثر الكلمة الدليل على ذلك أن أعظم البلاء على العبد في الدنيا اللسان بجانب الشهوات غير المنضبطة، فمن وقى شرهما فقد وقى أعظم الشر، وكان الْـحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: يقول: نَهَارُك ضَيْفُك فَأَحْسِنْ إلَيْهِ فَإِنَّك إنْ أَحْسَنْت إلَيْهِ ارْتَحَلَ بِحَمْدِك، وَإِنْ أَسَأْت إلَيْهِ ارْتَحَلَ بِذَمِّك (فأهمية الكلمة وأثرها في علاقة المسلم مع الله تعالى واضحة جلية، كما أن أثر الكلمة في الناس بادية غير خافية فكم من كلمة أيقظت عقولاً وبنت أفكاراً وكم من كلمة أثارت فتنة وأشعلت خراباً. علينا في هذا الشهر الكريم بالكلام الطيب النافع فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل الكلمة الطيبة من قبيل الصدقة، ومن شروط القول الطيب أن يكون نافعاً صادقاً مفيداً والفكاهة والمزاح لا يتنافى مع القول الطيب إذا توافق مع شروط الصدق وخلا من الفحش فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح أصحابه فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا قَالَ إِنِّي لا أَقُولُ إِلا حَقًّا “سنن الترمذي”، فلا مانع من المزاح والفكاهة إذا كانت حقاً وخلت من الفحش لكن البعض ربما يلجأ إلى الفكاهة والتسلية باستخدام الكذب من أجل إضحاك الناس وهو مما توعد به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (وَيْلٌ لِلَّذِي يحدث بِالْـحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ وَيْلٌ له وَيْلٌ له) “الترمذي”، والبعض ربما يستخدم الفحش أو التفحش من أجل إضحاك الناس أيضاً. إذن لقد بان لنا أن الصيام ليس حتما مجرد إمساك عن الأكل والشرب، بل يشمل حفظ اللسان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) “البخاري”. د. محمد قراط
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©