الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"حق الليلة" إعلان فرح يسبق رمضان

"حق الليلة" إعلان فرح يسبق رمضان
10 سبتمبر 2006 01:12
أعطونا حق الليلة وإلا بنذبح عييلة جدام بيتكم وادي والخير كله ينادي أعطونا من حق الله والله والله الرازق الله· بهذه الكلمات كنا نحتفل في أيام الطفولة الغاربة، حين كنا أطفالاً نرفل في البراءة، ونفرح لأي شيء وبكل شيء، يحدث في حق الليلة، وهي عادة من العادات الإماراتية والخليجية الأصيلة التي تهدف إلى إدخال الفرحة والسرور في نفوس الأطفال· وكان أهلنا يخبروننا عن قرب انتصاف شهر شعبان بفرح، وكأنهم ينتظرون وصول أكرم وأعز ضيف، وأعني، شهر رمضان الذي يتحدثون إليه وكأنه إنسان يسمعهم: لقد قرب وصولك يا شهر الخير، يا أبو البركات، يا من تقربنا من العفو والمغفرة، وعندما ينتصف شعبان يصنعون لنا أكياس الحلوى، فيعم الفرح الجميع خاصة الأطفال· لكن لماذا هذه العادة التي ما تزال بعض مجتمعات الخليج تحافظ عليها، وتحرص على الاحتفال بها كجزء من إحياء التراث والعادات؟ وما هي أهدافها؟ موزة خميس: لم نسمع في يوم من الأيام أن أهلنا أقروا هذه العادة كسنة نبوية، أو كاعتقاد ديني، بقدر ما كانت ممارستهم لهذه العادة وسيلة لإعلان الفرح بقدوم رمضان، والاستعداد لاستقباله بحب وليس كشهر غير مرغوب فيه لأنه ثقيل على من لا يصومونه أو لا يطيقون صيامه من الأطفال والمسنين والمرضى· وكانوا يقولون: ''بنْسَوّي من حق الليلة علشان انتصف شعبان''· في سلطنة عمان يدعى ''قرنقشوه''، فإذا حط الرحال في الكويت والمملكة العربية السعودية أصبح اسمه ''قرقيعان''، أما إذا نزل في ضيافة أهل البحرين وقطر فهو ''قرنقعوه''، وعندنا في الامــارات يسمى ''حق الليلة''، أو ''من حق الليلة'' أو ''من حق الله''· محبة وفرح ''قرنقشوه، قرنقعوه، قرقيعان، حق الليلة'' إذن، ليست سوى أسماء متعددة لمعنى واحد، أو عادة دارجة في الخليج هي الاحتفال بليلة النصف من شعبان··· هذه الليلة التي تعلن قرب حلول شهر رمضان، شهر الخير والبركات· ومن طقوس هذه الليلة أن يمتلك كل طفل كيساً يحاك خصيصاً لهذه المناسبة، أما كيس الصبيان فغالباً ما يكون أحادي اللون (سادة) كالأبيض أو الأزرق أو أي لون آخر، وأما الفتيات فأكياسهن من الأقمشة الملونة· ألفة ومرح في ذلك اليوم وبعد أن يخرج الرجال والصبية من المساجد بعد أدائهم لصلاة العصر، تشرع أبواب المنازل ويطوف الأطفال منشدين أمام كل منزل: أعطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم جدام بيتكم وادي والخير كله ينادي أعطونا من حق الله والله والله الرازق الله· كان الأطفال (بنين وبنات) يخرجون جماعات، في البداية يكونون من الأقارب وينتمون للعائلة نفسها أو لعائلات تجمع بينها القرابة، ثم سرعان ما يتلاحمون كقلوبهم البيضاء في(السكيك) أي الطرقات الداخلية التي توجد بين البيوت، وربما يقفون بين فترة وأخرى لينظر كل منهم في كيس الآخر ليرى من منهم يحوي كيسه حلوى أكثر! أكياس الأمهات لم تكن الأكياس تضم الحلوى فقط، بل كانت الأمهات والجدات يخلطن بها النقود المعدنية (الدراهم أو أنصاف الدراهم أو الأرباع قديما) حسب الحالة المادية لكل أسرة، وكان الأطفال يتباهون فيما بينهم بما يملكون في أكياسهم من النقود· وحــين كانوا يجدون باب المنزل مغلقاً، يقلبون الأهزوجة التي يهزجون بها إلى الهجاء وينشدون قائلين: أعطونا من حق الله جدام بيتكم طاسه ووجوهكم محتاسه (أي ملتويه)· كانوا يرددون قولهم هذا وهم يتضاحكون لأنهم يفعلون ذلك من باب الدعابة وحث أصحاب المنزل على الاحتفال بالليلة الكريمة والتحلي بكرم الشهر الفضيل المقبل بعد أيام معدودة، ومع آذان المغرب، يعود الأطفال إلى بيوتهم وتتوقف تلك الحركة أو تلك القرقعات الصادرة عنهم وعن أكياسهم وما تحويه من نقود وعلب العلك ومصاصات الحلوى والصبيعات (نوع من التوفي) والمكسرات، ومن تلك القرقعة جاءت تسمية ''قرقيعان'' أو ''قرنقعوه''· وكانت بعض الأمهات والجدات يضعن في اعتبارهن أن بعض الأسر قد تنسى ''الليلة'' ويفوتها أن الشهر قد انتصف، فلا يخرج أطفالها في ذلك اليوم، ولذلك تعيد هذه البيوت الكريمة الكرة لكي تعوض الأطفال الذين حرموا من الخروج في ذلك اليوم ليخرجوا في اليوم التالي، ويجدوا بيوتاً ما زالت تنتظرهم لتفتح لهم أبوابها وتسمع أهازيجهم وتعطيهم ''حقهم'' من ''حق الليلة''· أسباب الأفول هذه العادة التي كانت تنشر المحبة بين الأطفال، وتوفر للأطفال الفقراء فرصة الاحتفال والفرح والحصول على الحلوى، بدأت تأفل وتتلاشى منذ سنوات، واختفت في حارات كاملة داخل مختلف الإمارات، وحين سألنا بعض الأهالي والعائلات عن السر في اختفائها وجدنا لديهم عدداً من الأسباب، فهناك من يرى أنها انتهت بمضي أو ذهاب جيل الآباء والأجداد وهو الجيل الذي كان يغذي هذه العادة ويحرص عليها، وهناك من العائلات من تخشى أن يكون في إحياء هذه العادة بدعة ما، وهناك فئة ثالثة ترى أنها عادة ''تحرض على'' أو تعلم الطفل التسول، وعزت فئة رابعة الأمر برمته إلى التغير الذي شهدته الإمارات، واختلاف الحياة عن السابق، وتباعد البيوت، ووجود جنسيات مختلفة تحيط بالأسر لا تعدم أن تجد فيها متطفلين يقفون للفرجة على البيوت المفتوحة، مما يجعل النساء يتحرجن من الوقوف لمنح الأطفال الحلو
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©