السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللحظ الفتاك

اللحظ الفتاك
14 فبراير 2008 00:14
رحم الله شيخنا الكبير الدكتور زكي مبارك الذي شرع لنا في العصر الحديث ضرورة التركيز على وظائف الشعر الجوهرية في تنمية الإحساس بالجمال وتسمية العواطف والصبوات، خاصة في رائعته ''مصارع العشاق'' و''ليلى المريضة في العراق'' غير أن هناك بعض النصوص التي تقف فيها الكلمات في حلق قارئ اليوم لايستطيع استساغتها، ويشهد علماء اللسانيات بأن حظوظ الكلمات من التداول أو التدهور الدلالي متفاوتة، فهناك كلمات كانت ترد في سياقات شريفة لم تعد لائقة، وبعضها قد اكتسب شرعية فقهية ظلت عالقة به، مثل كلمة ''الزنا'' التي يمجها الذوق السليم اليوم، فنقرأ أبيات أبي تمام فنفاجأ بها: وفاتنة الألحاظ والخد معتدل القامة والقد صيرني عبدا له حسنه والطرف قد صيره عبدي قال: وعيني منه في عينه راتعة في جنة الخلد طرفك زانٍ قلت: دمعي إذن يجلده أكثر من حدِّ فاحمرّ حتى كدت أن لا أرى وجنته من كثرة الورد فالشاعر يمر هونا على مفاتن المحبوب حتى يركز على النظرات المتبادلة، فهي في المرآة تتسم بالخفر الساحر والحياء الجميل، لكنها من الرجل شهوية فاجرة عندما تنضب من الأحداق، تستشعرها المنظورة فتصفها، بلسان الشاعر طبعا، بهذا الوصف الجسور، لتنشب مناسبة طريفة يزعم فيها الشاعر أنه يجلد طرفه بدموع الوجد والصبابة جزاء له على جرمه، وحينئذ تتفدج خدود المحبوب بالحمرة حتى لايكاد يراه من كثرة الورد فيه، ومن اللافت أن هذا اللون من التغني بعشق المحاسن الحسية والتفنن في وصفها لايتورع عن اجتراح المبالغات في استخدام الألفاظ الجارحة، وإن كان علماء اللغة يحتفلون بذلك لأنه مؤشر على استمرار الدلالات المحظورة عبر العصور المختلفة، ولعل كثيرا مما جاء من هذا القبيل ما لانستطيع اثباته بنصه، مع امتلاء كتب التراث به، مراعاة للذوق العام الذي ارتقى في رهافته عما كان من قبل خلافا لما يظن كثير من الناس، مما يدفعنا للتحايل في إيراده بوضع كلمات مخففة أو نقاط بدلا من الأصل الخارج على الذوق، من ذلك فيما يتصل بنظرات المرأة قول الأخطل الشاعرالأموي الفحل (95هـ) فيما عدّه النقاد من قبيل الهجاء وليس الغزل: فلا تَلْمُمْ بدار بني كليب ولاتقرب لهم أبدا رحالا فإن لهم نساءَ مُبرقعاتٍ يكدن (ينلن) بالحدق الرجالا وربما كان إتيان الفحش من الأخطل المختلف في حساسيته تجاه المحرمات عن بقية القراء ما يجعلهم يتسامحون معه، فهذا الاختلاف لايزال يمثل ذريعة لاتساع هوامش الحرية في الثقافات المتنوعة، فمشاهد فضائيات اليوم تقبل من الأجانب مالاتستسيغه من العرب، لأن الشعور بمنظومة القيم يرتبط بتماهي الهوية، ومازلنا نقصد الجانب الأخلاقي على مايتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة، دون أن نمده ليشمل جدية العمل والصدق والأمانة الأشد خطرا في العلاقات الاجتماعية والشخصية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©