الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«حافة الهاوية»: الطريقة الوحيدة للتغيير في أوروبا

«حافة الهاوية»: الطريقة الوحيدة للتغيير في أوروبا
19 يناير 2013 22:11
توماس كلاين بروكوف زميل صندوق مارشال الألماني في واشنطن منذ سنوات وأوروبا تتعرض للانتقاد من قبل السياسيين والمعلقين بسبب ما ينظر إليه على أنه سوء إدارة من جانبها لأزمة اليورو. ذلك أن القارة العجوز كانت مدمنة على حلول آخر لحظة والحلول المؤقتة والمقاربات التدريجية. وكان المحللون ينتقدون الاتحاد الأوروبي بسبب افتقاره إلى الزعامة والكفاءة. وقد كان الاختلال متكرراً جداً بين بلدان الاتحاد الأوروبي الـ27 -أو هكذا يقال- لدرجة أنه لم يكن من الممكن أبداً أن يحدث في دولة (أمة) مثل الولايات المتحدة. حسناً، ربما يجدر بك أن تعيد التفكير في الموضوع. مرحباً بك في الولايات المتحدة، بلاد الهاويات وغيرها من العراقيل الأخرى، حيث تبدو إدارة الأزمة مشابهة لنظيرتها في أوروبا على نحو مخيف. إنها جد مشابهة في الواقع لدرجة أن مجلة «ذا إكونوميست» البريطانية وجدت أنه من المناسب وصف اتفاق «الهاوية المالية» الذي تم التوصل إليه في الأول من يناير بـ«لحظة أميركا الأوروبية». والواقع أن ذلك أقل ما يمكن أن يقال. فالأمر لا يتعلق بلحظة زمنية تشبه فيها أميركا أوروبا فحسب، بل إن المستقبل سيقدم أوجه تشابه عديدة مع أوروبا. وسواء شئنا ذلك أم أبينا، فإن الطبيعة الأطلسية لهذه الأزمة تتضح وتبرز بجلاء عبر الطرق المتوازية التي يتصارع بها هذان النظامان الديمقراطيان المختلفان مع مشاكل متشابهة، وربما يتعلمان بها من أحدهما الآخر أيضاً. فرغم الاختلافات من حيث البنية والحكامة الاقتصادية، فإن جوهر المشكلة في أوروبا والولايات المتحدة واحد: فالمواطنون يطالبون حكوماتهم بخدمات هم غير راغبين في دفع المال مقابلها. لذلك، يقوم السياسيون على نحو متزايد بسد هذا الفراغ بواسطة الديون. غير أن التغير الديمغرافي وانتقال الحيوية الاقتصادية من الديمقراطيات الغربية الناضجة، يفاقم المشكلة على نحو دراماتيكي. ونظرياً، الحل واضح ويتمثل في تحسين التنافسية وإمكانيات النمو، وتبني الحصافة المالية، وتقليص الخدمات الحكومية. ولكن من الناحية العملية، يعتبر الإصلاح صعباً جداً في المجتمعات التي سيقابل فيها كل جزء من التغيير بالمقاومة من قبل بعض المجموعات الضاغطة. على أن الأمر في أوروبا أصعب لأن القارة لديها عملة مشتركة، لكنها تفتقر إلى مؤسسات مركزية توجيه السياسة المالية بين البلدان الـ17 التي تستعمل اليورو. وبالتالي، فإن الطريقة الوحيدة لجعل التغيير يحدث في أوروبا هي «على الحافة». ذلك أنه فقط عندما ينظر السياسيون إلى الهاوية، سيقومون بما كانوا سيجدون أنه من الصعب القيام به بطريقة أخرى. وسيقومون بذلك على نحو متكرر طالما أن الحزمة التشريعية التي أمامهم ليست أكبر مما ينبغي. ونتيجة ذلك، فإن الحلول القوية والجذرية غير ممكنة، وقد لا يكون مرغوباً فيها. الولايات المتحدة، التي تتبع ممارسة حكامة سياسة حافة الهاوية، قامت بـ«أوربة» ردها على الأزمة من خلال قيامها على نحو مفتعل بنصب عدد من الهاويات والعراقيل والمواعيد النهائية. ذلك أنه لا يتم البحث عن أي حل شامل في أي من هذه المناسبات؛ وفي كل مرة يتم فيها إيجاد حل صغير، يجد الجمهور أيضاً أن المشكلة رحِّلت إلى وقت لاحق. وفي الولايات المتحدة مثلاً، هناك مواجهة أخرى جديدة على وشك الحدوث، ويتعلق الأمر برفع سقف الدين الأميركي؛ حيث يبدو أن الكونجرس قد تبنى مقاربة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التدريجية تجاه حل المشاكل على الصعيد الأوروبي. غير أنه لهذه المقاربة سلبيات خطيرة. ذلك أن عملية اتخاذ القرار تحت ضغط المواعيد النهائية لا تسمح لبرلمان بلد عضو في الاتحاد الأوروبي بدراسة ومناقشة المقترحات التي تأتي من مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، فهم بالكاد يستطيعون القراءة فقط قبل القيام بالتصويت. والواقع أن رد فعل المشرعين في الكونجرس شبيه تماماً بما يحدث في أي برلمان في أوروبا: إنهم يصرخون ويصيحون. والواقع أنهم يستطيعون تفهم الوضع، ويستطيعون القيام بذلك عبر الانقسام الإيديولوجي طالما أن كل تشريعات الإصلاح الكبيرة تقريباً في أوروبا والولايات المتحدة تتطلب أكثر من أصوات الحزب. فالأزمة، بشكل عام، يجب أن تعالج على كلتا القارتين من خلال ما يسمى بالائتلاف الكبير في النظام البرلماني أو التعايش في النظام الرئاسي الفرنسي. ولا مفاجأة هنا: إذ لابد من أغلبيات كبيرة لتغيير الاتفاق الاجتماعي الأساسي الذي يقوم عليه المجتمع. غير أن صعوبة التوصل إلى اتفاق واسع تفسر لماذا تشتغل كل من أوروبا والولايات المتحدة بأسلوب الأزمة، في وقت يبدو فيه ترتيب الإصلاحات متشابهاً على نحو مذهل على جانبي الأطلسي. فالحكومات الأوروبية الجنوبية تُنتقد بشدة الولايات المتحدة بسبب إعاقتها النمو من خلال وضعها زيادة الضرائب على الواجهة الأمامية لجهود الإصلاح، بينما تؤخر الإصلاحات التي تزيد من التنافسية وتضعها في المؤخرة. وإذا كان هذا الانتقاد معقولا ومنطقياً من الناحية الاقتصادية، فإنه ليس كذلك من الناحية السياسية. هل تريد دليلاً على ذلك؟ انظر إلى الولايات المتحدة: فالضرائب ترتفع بينما يتم تجنب المهمة الأصعب المتمثلة في خفض الإنفاق. كما أن المسؤولية المالية إلى جانب استراتيجية لتحقيق نمو قوي مازالتا تمثلان حلماً بعيد التحقيق بينما تبدو الزيادات الضريبية جد «أوروبية». وقد تكون تلك هي الطريقة التي تواجه بها ديمقراطياتنا الغربية مثل هذه التحديات الضخمة: خطوة خطوة، مشكلة مشكلة. وإذا كان الأمر كذلك، فبوسعنا أن نأمل أن تشبه أميركا أوروبا من ناحية أخرى: أن تقر في الأخير بالحاجة إلى إصلاح هيكلي ورفع التنافسية، مثلما فعلت إيرلندا والبرتغال، وإلى حد ما إسبانيا وإيطاليا واليونان، بحلول العام الثالث من الأزمة: أن تشرع أميركا في إصلاح الثغرات، والجسور المتهالكة، ووسائل النقل الجماعي البالية والمتقادمة، مع العمل في الوقت نفسه على تقليص دينها على المدى الطويل؛ وأن تدرك أنها في حاجة إلى تحسين نظامها التعليمي، لاسيما التدريب المهني، من أجل دعم ما يمكن أن يصبح نهضة صناعية، كما سيتعين عليها أن تساعد مقاولاتها الصغيرة والمتوسطة حتى تصبح أكثر تنافسية في السوق العالمية. ومن أجل تهدئة الأسواق المالية، سيتعين على الولايات المتحدة على الأقل أن تشير إلى جدول زمني ومخطط يوضح هذه الخطوات. وعليه، فهل يمكن القول إن أوروبا متقدمة في سباق الإصلاح؟ أجل، في بعض الإصلاحات الهيكلية، لكن ليس من نواح أخرى. فأميركا لديها امتيازات وأشياء تتفوق بها على أوروبا: ذلك أنها نظفت قطاعها المصرفي وسوقها العقاري، وتجلس على محرك جديد للنمو يدعى «النفط والغاز غير التقليديين»؛ كما أنها، في نهاية المطاف، دولة (أمة) تمتلك أدوات التحرك، على الأقل من الناحية النظرية. وعليه، فدعونا نكن كرماء ولنسمه تعادلاً! ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©