الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تقرير البنك الدولي ومغزى الرسالة

10 سبتمبر 2006 01:42
عاطف فتحي: يردد البعض باستمرار أن الإمارات تحولت في السنوات الأخيرة إلى مكان يمكن لأي كان بدء نشاط تجاري فيه والتحول إلى رجل أعمال دون مقدمات وعند أدنى قدر ممكن من القيود والإجراءات والقواعد التنظيمية· وقد يرى فريق منا أن هذا الكلام إيجابي للغاية ومشجع بينما يراه فريق آخر مؤشراً خطراً يتعين الانتباه له· حقيقة الأمر انه لا الفريق الأول محق كل الحق في تفاؤله ولا الفريق الثاني صائب تماماً في مخاوفه· الأهم من ذلك أن الصورة التي رسمها تقرير دولي صدر الأسبوع الماضي ربما تكون مغايرة إلى حد بعيد لما يراه المتفائلون دولة يمكن فيها عمل أي شيء وخلال أيام قليلة ودون أدنى عقبات· لم يتوقف كثيرون أمام التقرير الأخير الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي الذي وضع الإمارات في المرتبة السابعة والسبعين بين 175 دولة من حيث سهولة ممارسة الأعمال· إن دلالات هذا التقرير خطيرة وتستدعي التوقف عندها فهي أولاً تناقض تماماً ما اعتاد الكثيرون على ترويجه من الإمارات هي الأسهل في إنجاز الأعمال أو على الأقل من بين أسهل الدول في هذا المجال عالمياً· الحقيقة التي كشف عنها التقرير أن دولا ''مجهولة'' تقريبا تتفوق على الإمارات في هذا الصدد، فعندما تأتي الإمارات في المرتبة السابعة والسبعين عالمياً وتظهر أسماء دول مثل سانت لوتشيا وفيجي وتونجا وناميبيا وترينيداد وتوباجو وبابوا نيو غينيا وبورتوريكو ولاتفيا وتشيلي في مراتب متقدمة للغاية عالمياً تصبح هناك علامة استفهام تستحق التوقف عندها وتطرح تساؤلات يتعين الإجابة عليها· الأمر الآخر المؤسف والذي يعطي دلالة غير إيجابية بالمرة ذلك الترتيب الهزيل فيما يختص ببدء عمل تجاري جديد حيث يشير التقرير إلى أن الدولة تأتي في المركز 155 عالمياً من بين 175 دولة، حيث يحتاج بدء نشاط تجاري إلى 12 إجراءً والى 63 يوماً مقابل 6 إجراءات و18 يوماً فقط في دولة مثل بريطانيا· وفقاً للتقرير تأتي سنغافورة في صدارة دول العالم من حيث سهولة إنجاز الأعمال تليها نيوزيلندا والولايات المتحدة وكندا وهونج كونج وبريطانيا والدانمارك واستراليا والنرويج وايرلندا وأيسلندا وفنلندا وسويسرا وليتوانيا واستونيا وتايلاند وبورتوريكو وبلجيكا وألمانيا وهولندا·· ومن ثم تطول القائمة· ويتم وضع التصنيف وفقاً للوقت المطلوب والتكلفة اللازمة لاستيفاء المتطلبات الحكومية الخاصة ببدء الأعمال التجارية وتشغيلها وإنهاء الأعمال وهي لا تضع بعين الاعتبار أموراً أخرى مهمة مثل سياسات الاقتصاد الكلي ونوعية البنية الأساسية وتقلب أسعار العملات ومعدلات الجريمة وغيرها· والمدهش في الأمر أن العديد من دول المنطقة حققت مراكز متقدمة في القائمة العالمية ومنها السعودية التي جاءت وفقاً لهذا التصنيف في المرتبة الثامنة والثلاثين والكويت التي احتلت المرتبة السادسة والأربعين وعمان في المرتبة الخامسة والخمسين ومن ثم الإمارات في المرتبة السابعة والسبعين!·· ووجه الدهشة والمفارقة أن النتيجة عكس اعتقاد الغالبية العظمى ممكن يكتبون عن اقتصاد الإمارات! إن الدرس المستفاد في هذا التقرير يتمثل في أهمية أخذ زمام المبادرة والمسارعة بالإصلاح وعدم الارتكان إلى الصورة النمطية الإيجابية عن قطاعات الأعمال في الدولة، حيث أطلت أيضاً في السنتين الأخيرتين متغيرات حدت بدرجة كبيرة من جاذبية الإمارات كمكان يفضله أصحاب الأعمال لبدء نشاطهم خاصة الارتفاع الخرافي في النفقات ومع بطء وتيرة الإصلاح الأمر الذي يجعل مراكز تجارية عالمية أخرى مثل سنغافورة وهونج كونج تتمتع بميزة تنافسية أكبر في هذا الصدد· وتشير أرقام صادرة عن شركة هيلي للاستشارات إلى أن تكلفة تأسيس عمل تجاري جديد في سنغافورة تصل إلى 2100 دولار شاملة الرسوم الحكومية والاستشارات القانونية ورسوم ترخيص المكتب لمدة عام ، فان الرسوم تتراوح في دبي مثلا بين 8900 و 53100 دولار تبعاً للنشاط· إن تقرير ''ممارسة أنشطة الأعمال'' صادم حقاً، وقالت مجلة إكونوميست عنه: ''إنه'' كنز من المعلومات المفيدة والمثيرة للقلق في آن واحد، وهو دليل إرشادي عن كيفية وضع الأمور في موضعها الصحيح، فمنذ بدء صدوره في ،2004 كان لمشروع قاعدة بيانات ممارسة أنشطة الأعمال الفضل في إلهام تطبيق حوالي 48 إصلاحاً في مختلف بلدان العالم· واستفادت دول عدة حول العالم من التقرير السنوي في الإقدام على إصلاحات لعل أبرزها للعام الحالي المغرب التي شهدت أكبر عدد من الإصلاحات في مجال سهولة ممارسة أنشطة الأعمال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2005-،2006 حيث قامت بتخفيض تكلفة إنشاء الشركات الجديدة، كما خفضت التكاليف المتعلقة بدفع الضرائب وسهلت أنظمة تحويل الملكية، وهي جميعها إجراءات تساعد على خلق الوظائف والذي يشكل تحدياً ملحاً في جميع أنحاء الإقليم، أما مصر، والتي كانت في قائمة الدول العشر الأوائل من حيث عدد الإصلاحات في تقرير العام الماضي، استمرت في الإصلاح، ولكن بسرعة أقل· وقامت 10 دول في المنطقة بإجراء سبعة عشر إصلاحاً تنظيمياً، ما أدى إلى خفض الكثير من الوقت والتكلفة والجهد التي كانت تتكبدها أنشطة الأعمال لكي تتوافق مع المتطلبات القانونية والإدارية· وزاد عدد الدول القائمة بالإصلاح في المنطقة مقارنة بالعام الماضي، وحصل الإقليم على المركز الرابع في العالم من حيث سرعة الإصلاح، متقدماً بمركزين على العام الماضي· ويفيد التقرير أن الدول التي احتلت المراتب العشر الأولى فيما يتعلق بتنفيذ إصلاحات تتعلق بتسهيل ممارسة أنشطة الأعمال هم حسب الترتيب: جورجيا، رومانيا، المكسيك، الصين، بيرو، فرنسا، كرواتيا، جواتيمالا، غانا، وتنزانيا· وقامت الدول التي قامت بالإصلاح بتسهيل لوائح الأعمال وتقوية حقوق الملكية وتخفيف الأعباء الضريبية وتوسيع فرص الحصول على الائتمان وتخفيض تكلفة التصدير والاستيراد· إن تلك المعلومة أو ذلك التقرير، مضافاً اليهما توقعات وحدة المعلومات في الايكونوميست بشأن تباطؤ تدفق الاستثمارات الأجنبية على الدولة في المرحلة المقبلة، وان إشارت إلى إن الإمارات اجتذبت الكثير من الاستثمارات فيما مضى ومن الطبيعي أن يحدث تباطؤ، كلها ترسم صورة واحدة وتكمل بعضها لتصنع رسالة واحدة، مفادها إن تسريع وتيرة الإصلاح أمر لا مفر منه، فهل تصل الرسالة ونبدأ التحرك أم تضل طريقها ؟!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©