الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نابليون للمصريين: إياكم وحديث المساخر!

نابليون للمصريين: إياكم وحديث المساخر!
14 فبراير 2008 00:17
إياكم وحديث المساخر ! هكذا صرخ نابليون بونابرت مهدداً شعب مصر· هل كان بونابرت جاداً وعبوساً حقاً؟ أم أن قرون استشعار المحارب والسياسي المحنك نبهته إلى أن المساخر أو السخرية هي التهديد الحقيقي لأحلامه الامبراطورية في الشرق، وأنها سلاح بتار أراح المصريين من كل القوى التي احتلتهم على مر التاريخ؟ ''يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف'' بهذه الجملة التي جمعت بين التدين والسخرية قاوم المصري البسيط بطش مدافع الحملة الفرنسية·· مجرد ابتسامة ساخرة ومذعورة في وجه قذيفة حارقة ومدوية، فلماذا رأى فيها بونابرت تهديداً لوجوده في مصر والشرق عموماً، هل لأنه يعرف أن السخرية تعني القوة حتى لو افتقد الساخر الشروط المادية للقوة، ووقف عارياً وجائعاً أمام جيش نظامي مدجج بأحدث الأسلحة؟ الحاكم والمحكوم السخرية ارتبطت في الثقافة العربية بالهجاء الذي يصور بكلمات لاذعة جوانب الضعف في شخصية المهجو، مع تضخيم العيوب الشكلية بغرض التهكم والتقريع وأحياناً التجريح، فهل خاف بونابرت من أن يجعله المصريون أضحوكة، وبالتالي يفقدونه بأقل جهد، وهم قعود على مصاطبهم، صولجان الحكم على المستوى المعنوي حتى وإن بدا قابضاً عليه وباطشاً به على المستوى المادي بعتاده وعساكره؟ عرف المصريون السخرية منذ قديم الأزل واتخذوها سلاحاً ضد كل القوى التي حاولت تسخيرهم واستعبادهم، وهو سلاح يبدأ بالنكتة التي اشتهروا بها بين الأمم والشعوب ولا ينتهي بالفن، الفنون عموماً، وفي عيد ''النشوة'' الفرعوني الذي يقابل أعياد رأس السنة الآن كانت تعرض مسرحية يتواطأ على السخرية فيها الحاكم والمحكوم، فقد كان حاكم الإقليم الفرعوني يجري قرعة لاختيار احد الفلاحين ليمثل دور الحاكم طوال أيام العيد، وكانت المسرحية أو اللعبة تبدأ من ساحة المعبد، وبدلاً من تاج الفرعون، يرتدي الفلاح ـ الحاكم ـ تاجاً من البوص، ويختار حاشيته وحريمه اللاتي كن يقمن بالعزف والترتيل مع عامة الشعب· سلوك يومي السخرية فن متجدد، مفعم بالحياة، لذا يصعب تعريفها، فالشيء الحي يصعب تصويره بالفاظ محددة، فهو حي ومتجدد والألفاظ على بلاغتها جامدة ساكنة· أما أسباب السخرية فهي كثيرة، وبعضها يرجع إلى نفاذ البصيرة لدى الفنان أو الساخر بأمور الحياة، وإلى مزاجه وطبيعته التي لا تتورع عن انتقاد كل ما حوله حتى بلا دافع أو غرض، وهي ترتبط كذلك باللامبالاة وقوة الأعصاب والذكاء الحاد اللماح والقدرة على التخيل والتصوير والتصالح مع المتناقضات، وقبل ذلك وبعده حب الحياة وعيشها بالطول والعرض، وكما عرفها الفراعنة عرفها العرب القدامى ومارسوها في سلوكهم اليومي البسيط، وفي الفن، وفي الأدب العربي القديم نثراً وشعراً قائمة طويلة من الشعراء والكتاب في مختلف العصور تؤكد ديمومة السخرية وتناميها في الوعي العربي وانتباه الدارسين لجمالها وخطورتها معاً، ومن هذه القائمة: حسان بن ثابت، بشار بن برد، الحطيئة، جرير، ابن الرومي، أبوالعيناء، ابن المقفع ، المعري، الجاحظ والهمذاني· عيب وخفة؟ غير أن السخرية توارت في الأدب العربي الحديث، السخرية التي أرعبت بونابرت وأفرزت صفوة الأدباء العرب على مر التاريخ توارت في العصر الحديث، ومع الحداثة وشعاراتها صارت عيباً لا يليق بالكتاب المرموقين، أو على الأقل اقترنت بالخفة، والكلام الذي لا يعول عليه، وأصبح الكاتب الساخر أشبه بـ''المنولوجست'' الذي يرطب أجواء الكتاب الجادين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©