الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البروتوكول التركي الأرميني... من ينقذه؟

البروتوكول التركي الأرميني... من ينقذه؟
6 فبراير 2010 22:40
للوهلة الأولى بدا الأمر وكأنه انطلاقة واعدة لعملية مصالحة كبرى تنهي مرحلة قاتمة ألقت بظلالها الكثيفة على العلاقات التركية الأرمينية بسبب "عمليات القتل الجماعي" التي تعرض لها الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، وما تبع ذلك من قطع للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين طيلة العقود التالية. لكن في أكتوبر الماضي التقى وزيرا خارجيتي البلدين في سويسرا ووقعا بروتوكولا لإقامة العلاقات الثنائية وفتح الحدود التي ظلت مغلقة منذ عام 1993، والشروع في معالجة النزاعات المؤلمة التي تفرق الدولتين. ومع أنه مازال على حكومتي أنقرة ويريفان المصادقة النهائية على البروتوكول، فإن الولايات المتحدة بجاليتها الأرمينية الواسعة، رمت بثقلها وراء الاتفاق على أمل نزع التوتر في منطقة تنطوي على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للمصالح الأميركية. غير أن هذه الهدنة الكبيرة التي اعتقد الجميع أنها أصبحت على الأبواب، باتت في حاجة مستعجلة إلى الإنقاذ لأنه في حال انهيارها ستكون العواقب أوخم مما كانت عليه في البداية. وتعود المشكلة إلى شهر يناير الماضي عندما أبدت تركيا بعض الفتور، وبدا أنها تراجعت عن مضمون الاتفاق، حيث عارضت وزارة خارجيتها تقييما أصدرته المحكمة الدستورية الأرمينية أيدت فيه البروتوكول باعتباره يتماشى مع المبادئ المؤسسة للدولة والتي تلتزم بالسعي إلى نيل الاعتراف بأن عمليات القتل الواسعة التي شهدها عام 1915 ترقى إلى جرائم الإبادة الجماعية. والحقيقة أن تأييد المحكمة الأرمينية للاتفاق، والذي رحبت به الحكومة الأميركية، يمهد الطريق أمام البرلمان الأرميني للمصادقة على الاتفاق. لكن لماذا هذا التقهقر التركي؟ فالحكومة وافقت على البروتوكول لأنها تريد استباق الإدارة والكونجرس الأميركيين والحؤول دون تمرير قرار يصف المجازر الأرمينية بجريمة الإبادة الجماعية، غير أن أنقرة تفاجأت بشدة المعارضة التي ولدها الاتفاق سواء في الداخل، أو لدى حليفتها أذربيجان التي خسرت في صراعها مع أرمينيا إقليم "ناجورنو-كارباخ" مطلع التسعينيات. ومع أن نص البروتوكول لا يشير من قريب أو من بعيد إلى ذلك الإقليم، فالخلاف حوله يؤثث الخلفية على نحو واضح. فقد عمدت تركيا إلى غلق حدودها مع أرمينيا عام 1993 بعد استيلاء الأخيرة على محافظة أرمينية خلال حرب ناجورنو -كاراباخ، وعندما وقعت تركيا وأرمينيا في العام الماضي على الاتفاق، اعتقدت أنقرة أن اختراقاً في محادثات السلام بين أرمينيا وأذربيجان سيسهل عملية التصالح بينهما، والحال أن هذا الاعتقاد بدأ يتلاشى، وهو ما دفع رئيس الوزراء التركي، أردوجان، إلى القول بأن البروتوكول لن يطبق على أرض الواقع ما لم تنسحب أرمينيا من الأراضي الأذربيجانية المحتلة. ومع أن أي تقارب في العلاقات سيكون جيداً بالنسبة لأرمينيا التي ستفتح حدودها الغربية بعد سنوات من العزلة الإقليمية، فإن الرئيس الأرميني، ساركيسيان، يواجه هو الآخر معارضة قوية من الأرمينيين في الخارج الذين يعتقدون أن الاعتراف بالحدود الحالية بين أرمينيا وتركيا وإقامة لجنة مشتركة لدراسة تاريخ المجازر، سيخفف الضغط على تركيا للإقرار بالمجاز الأرمينية. غير أن العالم لن يقبل أبداً بإعادة رسم الحدود بين البلدين بعدما فشل في تغييرها ستالين عقب انتصاره على النازية عام 1945، ومن غير المرجح أيضاً أن تعترف الحكومة التركية بالمجازر الأرمينية تحت أي ضغط. أما على الصعيد الأرميني، فيشكل تقديم تنازل لأذربيجان حول إقليم ناجورنو-كاراباخ انتحاراً سياسياً بالنسبة للرئيس ساركيسيان، وإن كان من المفهوم أن ينتظر الأتراك إحراز بعض التقدم على مسار الإقليم المتنازع عليه، فقد أغلق الأتراك أصلا حدودهم الأرمينية تضامناً مع إخوانهم في أذربيجان الذين سيتملكهم الغضب في حال أعيد فتح الحدود دون خطوة من أرمينيا لحل الصراع. فأقل ما يمكن أن تقوم به أذربيجان كرد على التساهل التركي، رفع أسعار الغاز الطبيعي الذي تبيعه لتركيا، وتفضيل طرق التصدير الروسية على خط أنبوب "نابوكو" المرتقب مروره عبر تركيا نحو أوروبا. لكن السماح بفشل الاتفاق بين تركيا وأرمينيا سيطلق سلسلة من الأحداث السلبية مثل تحرك الكونجرس الأميركي نحو إصدار قرار يعترف بالمجازر الأرمينية، وهو ما سيذكي بدوره المشاعر المناهضة لأميركا لدى الأتراك، ناهيك عن احتمال العودة إلى الحرب لفض نزاع ناجورنو-كاراباخ. ولتفادي هذا المنزلق الخطير يمكن لأرمينيا اتخاذ خطوات صغيرة لكسر الجمود، لاسيما وأن جغرافية المنطقة تكبد الجميع خسائر واضحة، والأمر هنا لا يتعلق بأرمينيا لوحدها، بل يمتد أيضاً إلى أذربيجان المغلقة جغرافياً، فضلا عن إقليمها "ناكيشيفان" المفصول عنها بأراض أرمينية غير صديقة. وكخطوة أولى، يمكن لأرمينيا مثلا تخفيف حصارها على إقليم "ناكيشيفان" وفتح الحدود التركية الأرمينية. أما فيما يتعلق بتركيا فإن علاقات جيدة مع جارتها أرمينيا سترفع عنها أعباء الماضي الثقيل وتخفف عنها حمل التاريخ وأخطائه، كما أن سياستها الخارجية الطموحة والقائمة على "تصفير المشاكل"، في أفق التحول إلى قوة مركزية في المنطقة، لن يُكتب لها النجاح إذا استمرت عداوتها مع أرمينيا. هنري باركي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاي الأميركية توماس دي وال باحث متخصص في شؤون القوقاز ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©