السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العودة إلى العراق... ومخاطر التغطية الصحفية

6 فبراير 2010 22:41
في الشهر الماضي، نجحتُ أخيرا في العودة إلى بغداد التي كنت قد غادرتها في 29 مايو 2006 فاقدةً الوعي ومحمولةً على نقالة بعد أن سار فريقي الإخباري من قناة "سي. بي. إس" ودورية تابعة لفرقة المشاة الرابعة التي كنا نرافقها في طريق قنبلة تزن ما بين 136 و226 كيلوجراما، قنبلة حصدت شظاياها أرواح زميلي، المصور "بول دوجلاس" وفني الصوت "جيمس برولان"؛ والضابط الذي كنا نتبعه، النقيب جيمس فانكهاوزر، ومترجمه العراقي. احتجتُ إلى عدة أشهر من العلاج وإعادة التأهيل حتى أستعيد قدرتي على النهوض من جديد. كما احتجت إلى ساعات مؤلمة حتى أبدأ في تجاوز الآثار النفسية لذاك اليوم المشهود. ولكن ما لم أكن أعرفه يومئذ هو كم من العمل والجهد سأحتاج حتى أستأنف المهنة التي أحبها، كمراسلة خارجية. جاءتني الفرصة عندما وجه لي "مايك مولن"، رئيس هيئة الأركان المشتركة، الدعوة للانضمام إليه وصحفيين آخرين في الرحلة السنوية التي نظمتها منظمة "يو إس أو" الشهر الماضي – وشملت ثمانية أيام من اللقاءات والإيجازات المستمرة مع القادة العسكريين في أفغانستان وباكستان والعراق. ولن أبالغ إذا قلتُ إن الأمر بالنسبة لشخص غاب عن الميدان طيلة قرابة أربع سنوات كان أشبه باستنشاق الهواء من جديد. والواقع أنني كنت قد طلبت العودة إلى العراق عدة مرات من قبل، ولكن مشغِّلي كان يعارض إرسالي إلى مكان حيث يمكن أن أتعرض للخطر باسم القناة. ولكن هذه المرة، وبإذن من "سي. بي. إس"، اغتنمت الفرصة التي أتاحها لي الأدميرال للذهاب كمواطنة. رحلة العودة إلى بغداد شكلت أيضاً فرصة لي لأُظهر للناس أنه من الممكن التعافي من إصابة من قبيل تلك التي لحقت بي، وأنه من الممكن أن يستأنف المرء عمله، حيثما كان. كما حاولتُ أن أبعث بهذه الرسالة بطرق أخرى، حيث ألفت كتاباً حول الانفجار؛ وأشارك بشكل منتظم في فعاليات تنظمها منظمات كبيرة وصغيرة، عسكرية ومدنية. بعد عام على عودتي إلى العمل في 2008، قلتُ لإحدى صحف نيويورك الشعبية إنني أتطلع إلى العودة إلى الميدان، ومن ذلك العراق، ذلك أنني عشت في الخارج أغطي الأزمات طيلة 14 عاما، ولن تنجح قنبلة وضعتها مجموعة تابعة لـ"القاعدة" في إبعادي عن العمل الذي أحب. في اليوم التالي، نشرت الصحيفة مقالا تحت عنوان "فتاة نجت من انفجار قنبلة تريد العودة إلى العراق"؛ ولكن القصد من العبارة لم يكن الإشادة أو التشجيع لأن العنوان الفرعي كان واضحا لا لبس فيه – هذه المرأة أصيبت في رأسها، كيف تجرؤ على التفكير في تعريض حياتها للخطر من جديد؟ بيد أن الثقل العاطفي لفقدان بول وجيمس ظل يلازمني لسنوات – منذ اللحظة التي فتحت فيها عيني في مركز لاندشتول الطبي الإقليمي في ألمانيا. فصورتهما معلقة في مكتبي؛ وفي كل أسبوع أو ما شابه، أزور شخصا عرفهما، أو أطلع على قصة من بلد أو مدينة غطيناها معا في يوم من الأيام، في أوروبا أو الشرق الأوسط. في ذاك الشهر الأول، عانيتُ من توتر ما بعد الصدمة، حيث كان دماغي يعيد الصدمة من خلال الكوابيس، واستحضار لحظات الفاجعة، والحذر واليقظة الشديدين، وتذبذب المشاعر. ولكنني لم أصب أبدا بما يعرف باختلال ما بعد الصدمة – الذي يُشخَّص عندما تصبح هذه الأعراض ملازمة للمصاب؛ بل إنني كلما تحدثتُ عن كل جزء من التفاصيل التي يمكنني تذكرها، كلما تلاشت الأعراض وزالت، من دون أن تسيطر على عقلي. ولكن العديد من الأشخاص ظنوا أنني أُصبت بهذا الاختلال وكانوا يعتقدون أن عودتي إلى بغداد إنما ستزيد الطين بلة. ولم يكن معظم الناس مدركين لما يعرف بنمو ما بعد التعرض للصدمة، والذي يعد الأكثر انتشاراً بين الأشخاص الذين كانوا في الميدان. وهي الفكرة التي مؤداها أن الشيء الذي لا يقتلك إنما يجعلك أكثر قوة، ولاسيما عندما يجعلك تعود بذاكرتك إلى الوراء وتتذكر كل جانب من جوانب التجربة من أجل تجاوزها والتقدم إلى الأمام. كان تذكر كل جزء من الهجوم مرة أخرى والحزن على زميلي أصعبَ جزء من العلاج – وليس سلك طريق المطار في بغداد مرة أخرى الشهر الماضي والتفكير في أنه ربما مايزال ملغوما بالعبوات الناسفة أو السيارات المفخخة. وخلال الثلاث سنوات ونصف سنة السابقة، كنت قد واجهت لحظات عاطفية خطيرة – مثل تلك التي صادفتها حين التقيت عائلتي زميلي بول وجيمس. ولكن تلك الزيارات كانت ورائي حين صعدتُ طائرة "سي 17" المتوجهة إلى بغداد، وكذلك الحال بالنسبة لجزء كبير من الألم. وبدلا من ذلك، أصبحت الرحلة خطوة صغيرة للخلاص - فرصة للانغماس في العمل من جديد، حيث تبعتُ رئيس هيئة الأركان المشتركة وموظفيه بينما يقيِّمون قرارات حياة أو موت اتُّخذت أو ستتخذ. وفي الطائرة، كانت إحدى الصديقات القديمات، وهي ضابطة في الاستخبارات العسكرية أصيبت في أفغانستان، هي التي وجدت الكلمات المناسبة لي، حيث أسرت لي أنها أيضا ترغب في العودة وقالت: "إننا نعمل ما نعمل لأن عملنا هو نحن، ونحن نفهم ذلك"، مضيفة "لا أحد يفهم لماذا يرغب جندي في أن يتم إرساله مرة أخرى إلى الميدان بعد إصابته إلا نحن". وكم شعرت بشرف كبير لأنها ضمتني إلى "نحن"! كيمبرلي دوزير مراسلة قناة "سي. بي. إس" الأميركية-واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي انترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©