الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق.. وشبح التقسيم «اليوغسلافي»

18 أغسطس 2014 22:55
وافق المالكي على التنحي عن منصبه كرئيس لوزراء العراق الأسبوع الماضي، لكن الضرر الذي تسبب فيه سيرسم معالم بلاده لعقود مقبلة. والانهيار المذهل للدولة العراقية في المحافظات الشمالية والغربية قد يكون أثقل تركات المالكي. ولم تعد بغداد عاصمة لدولة موحدة مركزية تحكم كردستان ولا الفلوجة ولا الموصل وقد لا تحكمها ثانية أبداً. وسيرث حيدر العبادي، خليفة المالكي، دولة عراقية عادت إلى النظام السلطوي في عهد صدام حسين. لكنها ستكون دولة تسيطر في واقع الحال على مساحة لا تزيد كثيراً عن نصف الأراضي التي كان يسيطر عليها صدام حسين. ونجح المالكي وأنصاره في أن يحكموا سيطرتهم على الحكومة ويقصوا المنافسين عن السلطة ودفعوا العرب السُنة والأكراد إلى المعارضة أو إلى التمرد المسلح. ومسعاهم للسيطرة على السلطة أقصى عراقيين من جميع الطوائف بعيداً عن الحكومة المركزية مما جعل جميع سكان المحافظات تقريباً لا يثقون في الحكومة المركزية. والأزمة الحالية في العراق تتجاوز مسألة قيادة الحكومة في بغداد. فقد دخل العراقيون حرباً أهلية نتيجتها المنطقية تفكيك البلاد. وما نشاهده في العراق اليوم هو بداية عملية قد تصبح مدمرة ودموية مثل تفكيك يوغسلافيا. وكلما طال أمد السماح بترك الوقائع تتكشف، قل احتمال وقفها وزاد احتمال اتساعها على نطاق واسع لزعزعة المنطقة المحيطة. ومن السهل، القول إن تغييراً للنظام الحاكم في العراق عام 2003 كان لا بد أن يؤدي إلى عنف طائفي بفتح الشقاق الذي كان موجوداً بالفعل في المجتمع. لكن الطائفية العميقة في العقد الماضي لم يكن مقدراً لها سلفاً أن تستشري بعد سقوط صدام، ولم تكن طبيعية تماماً في المجتمع العراقي. بل كانت غرضاً محسوباً استهدفه أصحاب النفوذ من المغتربين الذين هبطوا على بغداد بعد أبريل 2003 ، ليأتوا معهم بقائمة أولويات طائفية عكفوا على صناعتها لعقود. وهذه الجماعات تتضمن حزب «الدعوة» الذي ينتمي إليه المالكي وكل الأحزاب العراقية والإسلامية الرئيسية تقريباً. وكان لدى هذه الجماعات مصالح خاصة بكل واحدة منها، لكن تكمل بعضها البعض في إشاعة الاستقطاب وتحويل البلد متعدد الأعراق والطوائف إلى دوائر انتخابية متجانسة عرقياً وطائفياً. والنتيجة هي حرب أهلية مدمرة وعراق مقسم بحسب الطائفة والعرق. لقد تم رصد زحف مقاتلي «داعش» والمتعاونين معهم على المناطق السُنية، لكن في مناطق أخرى ظل المسلحون الشيعة يتجولون بحريتهم لسنوات مع غياب للدولة أو تواطئها. وبعيداً عن الأعمال الوحشية التي ترتكبها «داعش» في الشمال، تستعد فيما يبدو الآن جماعات مسلحة شيعية دربتها إيران لتقاتل القوات الأميركية حتى عام 2011 كي تقف أمام تهديد «داعش» من دخول بغداد والجنوب الشيعي. وربما يطردون السُنة في نهاية المطاف من المنطقة حول بغداد باسم مكافحة الإرهاب بمساعدة من النظام الإيراني وجماعة «حزب الله» اللبنانية بمباركة سياسية من الأحزاب السياسية الشيعية التي اختارت العبادي رئيساً للوزراء. وطالب البعض من داخل العراق وخارجه منذ سنوات بتقسيم البلاد كحل للخلافات السياسية المستعصية. وربما كان أشهر هذه المطالبات، عندما طالب «جون بايدن» الذي كان سيناتورا في ذاك الوقت و«ليزلي جيلب» من مجلس العلاقات الخارجية، عام 2006، بتقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق تتمتع بحكم ذاتي بناء على الطائفة مع وجود حكومة مركزية «تتولى أمر الدفاع عن الحدود والشؤون الخارجية وعائدات النفط». وكان «بايدن» و«جيلب» يريدان الإبقاء على البلاد دون تقسيمها ومنع تفاقم الحرب الأهلية. لكن كما قد نعرف في السنوات المقبلة أنه لا يمكن تقسيم العراق إلى ثلاث دول إحداها للشيعة والثانية للأكراد والثالثة للسُنة مع تفادي مكابدة مأساة إنسانية هائلة كما كان يأمل «بايدن» و«جيلب» وآخرون. فلا توجد خطوط طائفية عرقية فاصلة بشكل واضح في العراق مما يعني أن حدود الدويلات المختلفة سيتعين القتال عليها. وسكان الشمال ووسط العراق بخاصة متداخلين لدرجة أن فصل الناس على أساس طائفي قد يؤدي إلى عملية تطهير طائفي على الفور على مستوى من المؤكد أن يفوق ما حدث في يوغسلافيا. وهناك ما لا يقل عن ربع مليون من غير السُنة الذين من المحتمل أن يجبروا على مغادرة المناطق التي غالبيتها من السُنة. بينما هناك ما يزيد على نصف مليون سُني من المحتمل أن يطردوا من منطقة بغداد الكبرى. وهناك البغداديون السنة الذين مازالوا يتجمعون في أحياء صغيرة في المدينة وحولها. وماذا عن التركمان الذين يزيد عددهم على مليون نسمة؟ ماذا عن ملايين الأسر العراقية التي بينها تزاوج بين الطوائف؟ تقسيم البلاد إلى تجمعات سكانية على أساس طائفي لن يترك لهذه الملايين مكاناً واضحاً يلجأون إليه. ومن غير المحتمل ألا يتوقف تقسيم العراق، بمجرد أن يبدأ، عند ثلاثة أقسام. فمن المتوقع أن تنقسم البلاد إلى أربعة دويلات أو أكثر. كما أن إنشاء هذه القطاعات لن تكون نهاية المسألة. فمن المؤكد أن الدول أو شبه الدول التي قد تنجم عن تقسيم العراق ستدخل سلسلة طويلة من الحروب ولن يكون بين هذه الدول طرف يحسم بقوته الحرب ولن تقل حصيلة الحرب عن الربع مليون تقريباً الذين حصدت أرواحهم حروب يوغسلافيا والتشريد الكامل لربع سكان العراق. احتمالات الاستقرار السياسي للعراق ضعيفة، وإعادة إدماج السُنة ومناطقهم في دولة العراق سيكون ضرورياً كنقطة بداية للزعماء الذين يرغبون في الحفاظ على البلاد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©