أسفار في رمضان

قفزت إلى ذهني صور من أسفاري في مثل هذه الأيام المباركة، فهذا الشهر وإن كان شهر للعبادة غير أنه للعمل أيضاً؛ ولذلك لم أتوقف لا عن العمل ولا عن السفر، وفي التراث كان الناس يخوضون الحروب ويسافرون من أجل التجارة وطلب الرزق ومن أجل الفتح في شهر رمضان، وليس كما هي الحال هذه الأيام التي صار فيها الناس يخشون السفر في نهار رمضان، بل ويخشون العمل، ويركنون إلى النوم في نهار رمضان والسهر في ليله. لقد مرت علي أيام رمضانية كانت لي فيها مهمات عمل في بلدان الله الواسعة، بل إن رمضان صادفني في إحدى رحلاتي التي كنت فيها منقطع عن الحضارة، فلم أعرف متى أصوم ومتى أفطر، بل إنني لم أعرف بدخول شهر رمضان إلا متأخراً، سامحنا الله. غير أنه ما أروع أن تكون لك مهمة عمل في مكة أو المدينة أو حتى في القاهرة وغيرها من بقية البلدان العربية أو الإسلامية، حيث تجد الأجواء الدينية تطغى على الحياة اليومية، ترى التفاصيل الصغيرة الموغلة في تراث وثقافة وتقاليد الناس في تلك البلدان، لدرجة أن بعض من تلك التقاليد يعود إلى عصور متأخرة من التاريخ الإسلامي. تلك المدن رغم عصريتها استطاعت أن تحتفظ بطابعها التقليدي الرمضاني وليس مثلنا هنا في المدن العصرية أو “الكوزموبوليتانية” التي لا شك في أنها فقدت شيئاً كثيراً من تقاليدها الخاصة بهذا الشهر الكريم. وكان من بين البلدان التي دهمني رمضان بها دول أوروبية وشرق آسيوية، حيث يكون صيامك جهاداً حقيقياً، ضد كل ما يمكن أن تتخيله، لدرجة أن الشياطين لا يصفدون في تلك البلدان والعلم عند الله، دول مثل هولندا أو تايلاند، حيث الرذيلة تسير أمامك في الشوارع والحدائق. وتذكرت ما حدث لي العام الماضي عندما وجدت نفسي لاجئاً في مطار إحدى الدول البعيدة استجدي مكاناً في الطائرات المتجهة إلى البلاد، لأعود من رحلة عمل صيفية من أجل تمضية أيام رمضان وروحانياته في البلاد وسط الأهل والأحبة، يومها توسلت لأركب الطائرة حتى لو اضطررت أن أسافر واقفاً لمدة سبع ساعات أو أكثر، بل إنني وافقت أن أسافر في مخازن العفش لو أنهم سمحوا لي بذلك. وفي مرة، تفلسفت مضطراً إلى السفر في نهار رمضان، وأكملت تفلسفي فلم أشأ أن أفطر في الطائرة قبل حلول الموعد، وطالت القصة حتى صارت التاسعة مساء والشمس لم تغرب بعد لأننا نطير باتجاه الغرب، وكأننا نطارد الشمس، وأكملت ذلك اليوم صائماً لمدة ثماني عشرة ساعة.. rahaluae@gmail.com