السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

بيتر جالبريث: تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات المخرج الوحيد للقوات الأميركية

13 سبتمبر 2006 00:20
عرض ـ غادة سليم: يبدو أن كل محاولات الإدارة الأميركية للالتفاف حول ورطتها في العراق والظهور أمام الرأي العام الأميركي بمظهر المنتصر لم تعد مجدية··فالواقع المتردي في العراق يبشر بمزيد من الكوارث والتداعيات ويكشف عمق الأوحال التي غاصت فيها أقدام القيادة العسكرية الأميركية، فعلى مدى سنوات كانت هناك أصوات أميركية تنتقد غزو العراق وتتهم إدارة الرئيس جورج بوش بالتورط في حرب لا نهاية لها من أجل أهداف غير واضحة لا تمت للديمقراطية ولا للأمن القومي بصلة· إلا أن بيتر جالبريث ـ الدبلوماسي والبرلماني والإعلامي الديمقراطي البارز يعد أحد أبرز هذه الأصوات وأكثرها تأثيراً ـ وصف في كتابه الذي صدر حديثاً في نيويورك بالولايات المتحدة بعنوان '' نهاية العراق'' ما يجري في أرض الرافدين بـ''الجريمة الكاملة'' وبأن كتابه يعد كشف حساب للتورط الأميركي في استراتيجية أعدها ونفذها سياسيون بعضهم غير متمرس وبعضهم فاسد، وأن خطايا السياسة الأميركية تمثلت في فشل ذريع في الحفاظ على نسيج الوحدة الوطنية في البلاد مما جعل العراق ينجرف في حرب أهلية لم يشهد العالم لها مثيلاً من قبل· وعلى الرغم مما تتمتع به رؤى جالبريث من عمق لحقيقة الدور الأميركي في العراق وما يجري في كواليس صناعة القرار، إلا أن تحليلاته واستنتاجاته جاءت بعين رجل يبحث عن الخلاص للقوات الأميركية من جحيم العراق من دون أدنى اعتبار لتجنيب شعب العراق جحيم التمزق· ففي خضم انتقادات بيتر جالبريث اللاذعة لإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تتضح لنا معالم الصورة القاتمة التي رسمها المؤلف لمستقبل العراق، فهو يرى أن المخرج الوحيد للقوات الأميركية هو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات عبارة عن دولة كردية في الشمال موالية للغرب، وأخرى شيعية في الجنوب موالية لإيران وثالثة في الوسط تعمها الفوضى من العرب السنة يتم تحديد هويتها فيما بعد· ويبرهن جالبريث على وجهة نظره بأن ما كان يعرف بالعراق الموحد ذهب إلى غير رجعة بتفكيك مؤسساته الأساسية· وأن الإدارة الأميركية كتبت شهادة وفاة العراق، وعليها الآن الاعتراف بخطيئتها الكبرى واستخراج شهادات ميلاد للدويلات الثلاث المستقلة· ويستطرد المؤلف ''علينا تصحيح استراتيجيتنا الحالية لأن محاولة بناء مؤسسات وطنية او قومية في بلد دمرنا فيه كل أسس ومقومات الدولة ليس سوى جهد ضائع ولا يؤدي إلى شيء سوى الإبقاء علي الولايات المتحدة في حرب بلا نهاية، وإذا كان ثمن توحيد العراق هو وجود ديكتاتورية أخرى فإن الثمن سيكون باهظاً للغاية''· الجريمة الكاملة قد تكون هناك كتب أفضل من كتاب ''نهاية العراق'' في تحليل الوضع في العراق· إلا أن التجربة الإنسانية والمشاعر الشخصية التي يتضمنها الكتاب تثري القارئ برؤية متفردة من عين ترى الأمور بمنظور مختلف· ففي الفصل الأول من الكتاب ـ الذي يضم أحد عشر فصلا ـ يسجل بيتر جالبريث ذكرياته في العراق ويتتبع تطور المشكلات العراقية منذ وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1968 وإلى الأشهر الأولى من عام ·2006 يقول جالبريث الذي زار العراق عشرات المرات وتتبع شؤون العراق لصالح الحكومات الأميركية على مدى 26 عاما: أن اهتمامه بالشأن العراقي يعود إلى زيارته الأولى لبغداد عام 1984 ضمن وفد الكونجرس الأميركي للعلاقات الخارجية والذي جاء لبحث استخدام الغازات السامة في الحرب العراقية ـ الإيرانية· وأن تبنيه لقضية الأكراد ودفاعه عن حقهم في الحصول على دولة مستقلة ذات سيادة جاء عقب زيارته لمنطقة السليمانية عام 1987 ضمن حملة أميركية لتقصي حقيقة المذابح التي يتعرض لها الأكراد على يد نظام صدام، أما معارضته لبقاء القوات الأميركية في العراق وتبنيه فكرة التقسيم فجاءت من مشاهداته الشخصية لمناطق العراق عقب زيارات متكررة لعراق ما بعد الغزو· ويرى جالبريث أن هناك تشابهاً كبيراً بين العراق ويوغسلافيا من حيث التباين المذهبي والطائفي· فلقد عمل جالبريث سفيراً لواشنطن في كرواتيا في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون عقب انهيار يوغوسلافيا وكان أحد مهندسي اتفاق وقف إطلاق النار بين الفرقاء المتحاربين· كما زار العراق عشرات المرات ككاتب وصحافي مستقل وكمستشار لشبكة ''أي بي سي نيوز'' الأميركية وقام بتغطية حرب الخليج الثانية ثم الاحتلال الأميركي للعراق· ويبدأ المؤلف في كتابه ''نهاية العراق'' بتصوير اللحظة التاريخية التي تمّ فيها إسقاط تمثال صدام حسين ويقول: ''هناك عبارة شهيرة يرددها المسؤولون في إدارة الرئيس بوش دوماً وهي··لكل مشكلة··حل عندنا· ولكن الذي فعلوه بالعراق يؤكد أنهم لا يجدون الحلول بل يخلقون المشاكل· فالعراق الآن بلا صدام··فما الذي فعلته هذه الإدارة الأميريكية العبقرية؟''· يقول بيتر جالبريث : ''منذ أن أسقط المارينز الأميركيون تمثال صدام حسين بميدان الفردوس ببغداد، سارت الأمور مع أمريكا من سيئ إلى أسوأ، وانهارت طموحات أميركا المعلنة لإقامة نموذج ديموقراطي يمكن تعميمه في الشرق الأوسط· وهو ما أسماه جالبريث '' بالجريمة الكاملة ''· فبحكم موقعه كأحد أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الأميركي في الثمانينات والتسعينات اطلع جالبريث على كثير من التقارير والوثائق السرية التي كانت تقدم للكونجرس بعيداً عن أعين الرأي العام، خلص منها إلى أن الوضع الحالي يؤكد أن الولايات المتحدة لا تعرف ما تفعله في العراق ولا تعرف ما ستفعله فيما بعد وتبدو عاجزة لا حيلة لها في مواجهة الأوضاع المتشابكة· ويرى أن التقسيم هو المخرج الوحيد لأميركا من العراق وأن الإسراع برسم الحدود الجديدة وتحديد طبيعة العلاقات التي تحكم بين الدويلات الثلاث هو طوق النجاة للعراقيين من الفوضى الحالية· الجهل والغرور ولقد خصص جالبريث فصلاً كاملاً لتحليل أسباب فشل إدارة بوش في التعامل مع حرب العراق· واعتبر أن الجهل والغرور هما السمتان الغالبتان على شخصيات القائمين على هذه الإدارة· ولهما يعود الفضل في كل هذا الإخفاق· فيقول:'' بدءاً من الرئيس الأميركي ونائبه إلى موظفي البنتاجون الموالين للمحافظين الجدد كان الاعتقاد السائد هو أن غزو العراق وتحويله إلى نموذج أميركي للديمقراطية في الشرق الأوسط هي مهمة غاية في السهولة لا تتطلب القدر الكبير من المال أو الجهد أو الوقت وأن الشعب العراقي تواق لتبني أسلوب الحياة الأميركي وبالتالي سيفتح ذراعيه للقوات الأميركية· وتجسد الغرور التام في قناعتهم بسهولة المهمة مما ترتب عليه عدم التخطيط الجيد والجهل التام بأبسط الحقائق عن تكوين العراق·'' ويضيف: '' يحيط بأقطاب صناعة القرار رجال لا خبرة لهم بالسياسة ولا بالحرب ولا يدركون طبيعة العراق كبلد صعب متعدد الطوائف والأعراق تحكمه عوامل تحدد العلاقات بين هذه الطوائف العراقية· ويؤكد جالبريث أن الرئيس الأميركي جورج بوش نفسه لم يسمع بأن هناك طائفتين في العراق من المسلمين ''سنة وشيعة'' إلا قبل شهرين فقط من الغزو·! ويدلل على ذلك بلقاء جمع بين الرئيس الأميركي وثلاثة من الأميركيين من أصل عراقي ـ أحدهم هو السفير الأميركي في بغداد حالياً ـ عندما قاطع الرئيس الأميركي شرح أحدهم وضع الشيعة في العراق قائلا بذهول:'' كنت أحسب أن كل العراقيين مسلمون··!'' ويدلل بيتر جالبريث في كتابه على فساد الرؤى في إدارة بوش قائلا: ''لقد رجعت إلى واشنطن في شهر مايو 2003 وبقيت قرابة الساعة في وزارة الدفاع ''البنتاجون'' بمعية بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأميركي سابقًا ورئيس البنك الدولي حالياً، أشرح له ما شاهدته في العراق، إلا أنه غضب من صراحتي وانتقاداتي لما يجرى··ومنذ تلك اللحظة أقفل بول وولفويتز ومساعدوه تلفوناتهم معي وقطعوا أي اتصال بي وبعد ذلك بخمس أشهر غادرت عملي في الحكومة الأميركية''· ويستطرد جالبريث مسجلاً مشاعر بعض مسؤولي الرئيس بوش الذين يجد أنهم سعداء بمشاهد الفوضى في العراق وكأنها جزء من انتصارهم الشخصي، مؤكدا أنهم لم يدركوا بعد أن العراق ينزلق نحو دوامة التعصب الديني والإرهاب والحرب الأهلية وأن أهدافهم المرجوة من الغزو الأميركي قد فشلت بل جاءت بنتائج عكسية· فإنهاك العراق ساهم بشكل أساسي في تقوية إيران وجعل من الملف النووي كابوساً يجثم على صدر المحافظين الجدد الآن· وبدلاً من خلق دولة موحدة تدور في فلك أميركا وتفتح أسواقها ولا تتحالف مع إيران إذا بنا نصل إلى نتيجة عبثية وهي أن العراق أصبحت أكبر دولة حليفة لإيران·· فشكرا لإنجازات جورج بوش· بالإضافة إلى أن غزو العراق أضر باستقرار منطقة الشرق الأوسط وقد يفتح الباب لزعزعة استقرار تركيا أيضاً· الخروج من العراق يقول جالبريث:'' يدعي بوش أن بقاء القوات الأميركية في العراق إلى الآن هو لدعم حكومة الوحدة الوطنية· فإذا سلمنا بكلامه وسط ما يجري في العراق يومياً من أعمال عنف طائفية تنبئ بحرب أهلية يبقى سؤالنا هو ما الذي تحرسه القوات الأميركية وما الذي تحكمه الحكومة الوطنية؟·'' ويضيف:'' يتعين علينا الخروج من العراق بأسرع وقت ممكن، وهذا رأي يلتقي عنده كثير من النواب الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء ، فلم يعد أحد بمقدوره تصديق سخافات الرئيس التي تتحدث عن النصر وإحراز التقدم، لذا لا بد من الاعتراف بالفشل وجمع قواتنا والرحيل وترك العراقيين يخوضون معركتهم مع الحد الأدنى من التدخل الأميركي·'' ويضيف جالبريث في الفصل الذي خصصه للحديث عن كيفية خروج القوات الأميركية من العراق:'' لا يوجد هناك مخرج سهل، إنما البديل هو الاستمرار في بناء مزيد من المؤسسات الوطنية لتحل محل ما تم تفكيكه عام 2003 بفعل الغزو·؟ ولكني لا أدري ما هي إمكانية بناء دولة موحدة ذات مؤسسات سيادية بينما الواقع يقول إنه لا يوجد هناك دولة ولا شعب موحد ولا مؤسسات؟!! لا يمكن أن تعيد الولايات المتحدة العراق دولة موحدة· ففي الشمال بدأت ملامح الدولة المستقلة تتشكل فالجيش العراقي ممنوع دخوله إلى المنطقة والعلم العراقي محظور، ووزارات الحكم المركزي غير ممثلة· ولقد صوت الأكراد في يناير 2005 بأغلبية ساحقة على حقهم في الاستقلال· بينما مناطق الجنوب والوسط تعمل ذاتياً على طرد وتصفية الأعراق المغايرة وكأن التقسيم آخذ في التنفيذ ولا ينقصه سوى الإشهار وترسيم الحدود·'' وتنبأ بيتر جالبريث في كتابه بتعرض الدول القائمة في منطقة الشرق الأوسط للتمزق في حال أصرت السياسات الأميركية على نشر الحرية والديمقراطية في المنطقة بالقوة· وبنى جالبريث استنتاجاته من شواهد تمزق الدولتين ''السوفييتية واليوغسلافية'' عقب تبنيهما للنظام الديمقراطي· وهو يرشح كلاً من العراق وإيران وسوريا لمواجهة المصير نفسه كمرحلة أولية تعقبها دول أخرى كبرى في منطقة الشرق الأوسط· ويراهن جالبريث على تصدر العراق قائمة الدول المرشحة للتمزق لأن الأكراد يعملون بجهد على استغلال المرحلة الديمقراطية الراهنة في العراق لإقامة دولة مستقلة ومن شأن قيام مثل هذا الكيان تسريع تمزق إيران وسوريا اللتين تضمان وجوداً مقدراً للأكراد إلى جانب تركيا· ويقول جالبريث:'' حتى لو فشلت سياسات دمقرطة الشرق الأوسط فإن مبدأ التمزق يظل قائماً مع تنامي الضغط السكاني وتزايد إحساس الأقليات في المنطقة بوطأة التهميش والبدء في إثارة قلاقل للحكومات المركزية قد تنتهي سلمياً باقتسام السلطة والثروة كما حدث في السودان او تحتقن في ضمائر الأقليات لتظهر في شكل مواجهات طائفية وعرقية كما هو الحال في عدد من دول المنطقة لتحول من دون الاستقرار السياسي والاقتصادي·''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©