السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مسرحيون ومثقفون إماراتيون يؤبنون رجل التأسيس والنهوض والكفاءة والإبداع

مسرحيون ومثقفون إماراتيون يؤبنون رجل التأسيس والنهوض والكفاءة والإبداع
20 أغسطس 2014 02:30
عصام أبو القاسم (الشارقة)، جهاد هديب، ساسي جبيل (أبوظبي)أمضى الراحل محمد عبدالله آل علي جل حياته العملية في دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، وتشهد المكتبة الأرشيفية الخاصة بهذه المؤسسة التي رفدت الساحة الثقافية الإماراتية كثيراً منذ تأسيسها مطلع ثمانينات القرن الماضي، بعطاء جزيل للراحل؛ إذ يمكن للرائي أن يعثر على مئات المراسلات والخطابات والاقتراحات التي خطها الراحل وتواصل بشأنها مع المعنين والمسرحيين داخل الدولة وخارجها، وهي تكشف في معظمها عن حرصه على الدقة في إنجاز الأعمال في توقيتها وعلى الوجه الأمثل، كما تبين كم كان مخلصاً وحريصاً على تقدم المسرح الإماراتي وتطوره. «الاتحاد» التقت عدداً من المنتسبين للمؤسسة التي تفانى الراحل في خدمتها وكانت إفاداتهم كالتالي: المستنير أحمد أبو رحيمة مدير إدارة المسرح بالدائرة، عضو الهيئة التنفيذية لمسرح الشارقة الوطني، أعرب عن حزنه العميق لرحيل الإداري الذي انطبع عمله بالجدية مع المهارة والإبداع، وقال أبو رحيمة إنه رافق الراحل لسنين في المجال المسرحي بالشارقة، مشيراً إلى انه لمس فيه دائماً إخلاصه لعمله ومحبته للناس وتواضعه وسعة صدره وثقته في المسرح الإماراتي. وأضاف: «كان وسيظل مثالاً نموذجياً للمثقف المستنير، واسع النظر. عاصر وخبر محطات مركزية في حركتنا الثقافية وشارك في تشكيلها وصياغة أسباب تقدمها وتطورها، وظل يرفدها بحضوره المبدع بشكل متصل ولم تفتر عزيمته قط. كان شديد الحفاوة بما يُنجز، هنا وهناك، من مشاريع وبرامج مسرحية، وكان يسارع دائماً إلى تحية كل تجربة جديدة ومبدعة». المتفرد ويقول عمر عبد العزيز، رئيس تحرير مجلة «الرافد» بالدائرة، إن العمل جمعه لسنوات طوال بالراحل، وثمة تواشجات نبيلة وأحاديث ضافية بينهما. ويضيف: «خلال تلك السنوات كان العلي نموذجاً ساطعاً للإنسان النبيل العفيف، والزميل الرفيق الناظر لمعنى الزمالة المهنية في أُفقها الأكثر اتصالاً بالإبداع، وكان بالنسبة لنا كزملاء عمل، يمثل ميزان الشوكة الضابط للدقة في الأداء، المقرون باستكمال عناصر النجاح والكمال الفني الإبداعي، كما كان في إطار مربعه السحري بإدارة الثقافة بالدائرة، يحرك دولاباً شاملاً للفعاليات والنشاطات، والأسابيع الثقافية العربية والدولية، والمهرجانات، والندوات، والملتقيات، وكان المرحوم متفرداً في التخطيط بعيد المدى للفعاليات التي يرعاها ويشرف عليها. ذكرى وفي إفادته، قال أسامة مرة، الإعلامي الذي رافق الراحل لوقت طويل: «قرابة عقدين ونيف من العمل سوياً مع الراحل محمد عبدالله الذي تولى مسؤولية الشؤون الثقافية بالدائرة وكان من بين عملها الإشراف على «أيام الشارقة المسرحية»، وذلك في المراحل الأولى من تأسيس الدائرة 1984، يعني أن المسؤولية عدا كونها مضاعفة هي منفتحة أيضاً في الوقت ذاته على الوطن العربي، حيث تسعى الدائرة ليس لممارسة حراك ثقافي إنما أيضاً التأسيس لنهضة ثقافية شاملة تتعدى الإمارة إلى الدولة، ومن ثم إلى المنطقة العربية قاطبة». المتقن من جانبه، قال هاني الطنباري، من إدارة المسرح بالدائرة الذي سبق له أن رافق الراحل أثناء عمله في «مسرح الشارقة الوطني»، إن الراحل كان يقف خلف المسرح، مستتراً في زاوية ما، ينتقل من يمين إلى يسار خلف الكواليس مترقباً، قلقاً... لا يعبأ بكمِّ الأضواء التي تتسلط على خشبة المسرح أو بالعدسات التي ترصدها، لكنه يعبأ بكل من يعتليها وبكل ما يدور عليها، كأنه مخرج العرض ومؤلفه وكل الفنيين، تؤذيه الأخطاء أكثر مما تؤذي مقترفيها، ويسعده الإنجاز أياً كان مصدره. وراء إتقان المؤدين وضبط الكلمة كان يتمثل جهده وتعبه ومثابرته، وكانت متعته أن يثمر هذا الجهد على الخشبة، أن يذكر هذا الشخص نصيحته كي لا يتعثر في القول أو يخطئ، وبذلك يتحقق هدفه، أن يعبر ضمن فريق العمل نحو الأفضل، ويسجل كل نجاح معهم. المعلم من جانبه، يقول الدكتور محمد يوسف، العضو المؤسس بمسرح الشارقة الوطني والممثل والفنان التشكيلي، إن الراحل كان ركيزة أساسية في خيمة مسرح الشارقة الوطني منذ البدايات في مرحلة التأسيس، كان أستاذاً ومعلماً، تدربنا على يديه، نحن ممثلو الفرقة آنذاك، على إتقان اللغة العربية نطقاً وسلامة نطق. لا أبالغ لو قلت إنه معلم أجيال كانت تصغي إليه دوماً فنأخذ برأيه. كان رأس الحكمة الذي نلجأ إليه لحل إشكالياتنا أو حين نحتاج إلى مشورة، فكان أخانا الكبير. المتواصل ويقول عبد الرحمن صالح، المؤلف والمخرج المسرحي: من الصحيح أن محمد عبدالله لم يكن قد مارس العمل الفني بالمعنى الاحترافي للكلمة، لكن من غير الممكن اختصار حضوره بوصفه إدارياً مسرحياً أو ثقافياً فحسب، بل كان أكبر من ذلك، فقد كان الرجل إنساناً كبيراً. لم تقتصر علاقاته الخليجية والعربية على جيل بعينه بل طالت كل الأجيال، ومن بين هذه الأجيال، هناك الكثيرون من بينهم زاروا الإمارات إما بإيعاز منه لجهة معنية مثل دائرة الثقافة والإعلام أو سواها على مستوى الاتحاد أو بترتيب شخصي من خلال مسرح الشارقة الوطني الذي كان مؤسساً فيه. المتحول ويقول الدكتور يوسف عيدابي، الكاتب، عضو الهيئة العربية للمسرح: «بدأ محمد عبدالله مشروعه رجل إعلام وثقافة. وهذا صحيح تماماً، غير أن ما هو مميز لديه هو اهتمامه الفائق بالثقافة الوطنية الإماراتية، فقد سعى الرجل لبناء حيّز ثقافي نابع من الثقافة المحلية ومتصل بالخليج وسائر الوطن العربي. تحوله من الإعلام إلى الثقافة والمسرح كان علامة تحول فارقة في أشياء كثيرة في هذين الحقلين، لأنه كان إنساناً كبيراً وفاعلاً ومؤثراً في محيطه الثقافي بشكل عام، منذ أن بدأ بلدية الشارقة ثم غادرها إلى مسرح الشارقة الوطني، فحمل هناك همّ أمر أن يصنع مؤسسة ثقافية، فأسس مجلة «الرولة» في مرحلتها الأولى، ثم ارتقى بها إلى مرحلة ثانية وثالثة، غير أنه تحول إلى الفن المسرحي مدير خشبة ومعالجاً لغوياً وممثلاً، لكنه في ما بعد، «عاف» هذا كله ليشغل في الجانب الثقافي لمسرح الشارقة الوطني. النادر وقال الكاتب والمخرج المسرحي صالح كرامة: «كان الراحل صديقاً قديماً محباً ورجلاً ودوداً فاضلاً، إنه إنسان حقيقي أخلص للمسرح والثقافة ببعديها المحلي والعربي، وواكب تجاربنا المسرحية منذ البدايات. وشخصياً، فلطالما شدّ على يدي وحثني على الكتابة وشدّ من عزمي، وأذكر أنه قال لي مرة «مشروعك المسرحي يوماً ما سوف يتحقق»، لقد ترك ذلك أثراً عميقاً في نفسي. وحقيقة، فإن من الصعب تعويض محمد عبدالله، فقد كان مخلصاً للفن والمسرح على نحو نادر، وأحسب أن الثقافة بوصفها فعلاً إنسانياً يلامس الناس كان يجري في عروقه». المكرم ويقول الممثل والمخرج مرعي الحليان: «برحيل الممثل الفنان محمد عبدالله تكون الساحة المسرحية الإماراتية قد فقدت واحداً من الأسماء التي قدمت الكثير للمشهد المسرحي والتلفزيوني، وعزاؤنا أن الفنان قد كرم منذ أشهر من طرف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، صاحب الأيادي البيضاء على المسرح ورجاله. إننا نعزي أنفسنا اليوم في هذا الفقدان الجلل لرجل من الذين قدموا مسيرة مليئة بالعطاءات والإضافات والمثابرة والاجتهاد. الناصح ويقول ياسر القرقاوي، مدير إدارة المشاريع والفعاليات بالإنابة في هيئة دبي للثقافة والفنون: «لا يخفى على أحد بأن الراحل كان من أهم المثقفين الأكاديميين ومن أبرز القادة الإداريين في المجال الثقافي، فقد كان واعياً بالثقافة وأبعادها، طيب الله ثراه على ما قدمه من خير للثقافة والمثقفين. بالنسبة لنا كان أخاً كبيراً ناصحاً بالتي هي أحسن، وأستاذاً قديراً تعلمنا منه الكثير، واستفدنا من خبراته وأساليبه في الإدارة الثقافية، وصياغته للعديد من المشاريع والأنشطة الفنية المختلفة». الهيئة العربية للمسرح: جمع بصيغة المفرد... وداعاً أصدرت الهيئة العربية للمسرح، بياناً نعت فيه الفنان والمسرحي الإماراتي محمد عبدالله آل علي، وصفته فيه بأنه «أحد رموز العمل الثقافي والمسرحي في الإمارات والوطن العربي، أحد رجالات المشروع النهضوي الذي يقوده صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة». وجاء في اليان: «إن رحيل محمد عبدالله آل علي، إنما يشكل بالنسبة لنا محطة لنقول له: فلترقد بسلام من الله أبا عبدالله.. وإننا سنكون على درب العطاء النبيل لسائرون، يحدونا ما زرعته من خصال، وما شكلته من مثال». لقد كانت الهيئة العربية للمسرح قد تشرفت بتكريم الراحل الكبير في مهرجانها السادس يناير 2014، الشخصية العربية المسرحية، وهي تدرك أن تكريم محمد عبدالله إنما هو تكريم لكل المثقفين في الإمارات والوطن العربي، إنما هو إعلاء من شأن الاحتفاء بقيم النبل والعطاء والتفاني، وعلامة لمسيرة ومنهج في العمل الذي ينفع الناس فيمكث في الأرض. لقد استللنا من سيل الشهادات وصفه (جمع بصيغة المفرد)، لندخل في عالم رحب من الإبداع والتفاني والعطاء، لندخل في دائرة المعارف الملخصة بفرد، لندخل في عالم من السكينة والمودة والاحترام، لندخل في عالم محمد عبد الله العلي. وها نحن اليوم نودعه وداع الجمع بصيغة المفرد. (الاتحاد ـ الشارقة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©