الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من أجل الإنسان

22 يناير 2012
كان الاعتقاد السائد أن الخدمة الاجتماعية هي مجرد إزالة العوز أو الفاقة عن طريق المجهودات التي اتخذت شكل الإحسان أو البر، لكن هذه النظرة أصبحت فلسفة حديثة تقوم على الروح الديمقراطية التي تعترف بإنسانية الفرد، وحقوقه المشروعة في تقرير مصيره، فالخدمة الاجتماعية بوصفها «ظاهرة اجتماعية»، جاءت استجابة لظروف اجتماعية، وإشباع حاجات معينة في المجتمعات، لقد كانت تمثل الجذور الأولى لتطور فكرة الإحسان ورعاية الفقراء، ومن ثم مهدت السبيل لنشأة وتطور الخدمة الاجتماعية كمهنة إنسانية، في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معينة، في أميركا وأوروبا، تتسم بالتناقضات، فضلاً عن تأثر هذه المجتمعات بـ «الدارونية» الاجتماعية، وقانونها الذي يقر بالبقاء للأصلح، وقانون الأجر الحديدي، الذي ينادي الأسر العاملة والفقيرة بتحديد النسل، وعدم زيادة أجور العمال. جميع هذه المتغيرات صاحبت نشأة الخدمة الاجتماعية في المجتمعات الغربية خلال القرن الثامن عشر، وكان من نتائج الثورة الصناعية في بريطانيا زيادة البطالة والبؤس الذي خيَّم على الطبقة العاملة، وانتشار الاحتكار، والاستغلال، نتيجة الهجرة غير المنظمة، وظهور طبقة من كبار رجال الصناعة، وتدهور أوضاع العمال الاقتصادية والصحية، وانتشار الانحرافات الأخلاقية، بما دفع العمال إلى التحالف في جمعيات ونقابات واتحادات تطالب بتحسين أوضاعهم المعيشية، وكذلك ظهور متغيرات مجتمعية أفرزتها ظروف النمو الحضري، والتصنيع، فكان من الضروري أن تهتم الخدمة الاجتماعية بدراسة المشاكل الجديدة كمشكلات الهجرة، والجنوح والجريمة، والمناطق المتخلفة، والفقر، والبغاء. لقد رافق تلك التحولات ظهور التيارات الاشتراكية والثورة الفرنسية على الفساد، وكانت منعطفاً مهماً في مسيرة تطور مهنة الخدمة الاجتماعية من خلال ما تقدمه من مساعدات للأفراد والجماعات، لكي يتمكنوا من تحقيق رغباتهم وتطلعاتهم. واتسعت مجالات الخدمة الاجتماعية لتشمل فن خدمة الجماعة، في العيادات السيكولوجية والطبية، ومؤسسات رعاية الأسرة أو فن خدمة الفرد في مؤسسات خدمة الجماعة، فضلاً عن الخدمات الأولية التي تقدمها الخدمة الاجتماعية للعائلة والطفولة، والخدمة الاجتماعية الطبية المدرسية، والخدمة الاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة، والموهوبين والفائقين... إلخ. يتم تقديم تلك الخدمات من خلال التعاون الذي يتم بين الخدمة الاجتماعية، وغيرها من المهن، قصد النهوض بالإنسان ومجتمعه، وتعتمد في أداء وظيفتها على المهن الأخرى في بعض علومها وأساليبها ووسائلها، فهي تستفيد من أبحاث علم النفس في التعرف إلى طبيعة التكوين والسلوك الإنساني ودوافعه، وتستفيد من علم الاجتماع في إدراك المظاهر والمشكلات الاجتماعية فتعالجها. كما تعتمد على الصحة في دراسة الأمراض والخدمات الصحية التي ترتبط بالاحتياجات الاجتماعية، واستفادتها من التشريعات والقوانين المختلفة فيما تحتاجه منها، لتنظيم الرعاية الاجتماعية. وما دامت قد أصبحت مهنة إنسانية، تتلخص أهدافها الأساسية في تحسين الأداء الاجتماعي للإنسان، ومساعدته على تحقيق أفضل مستوى للعيش الكريم، وتحسين ظروف حياته المعيشية، وقد أصبحت علماً وفناً لهما فلسفتهما ومبادئهما ومجالاتهما وطرقهما الخاصة بهما. المحرر | khourshied.harfoush@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©