الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبوظبي وباريس.. حوار الرموز

أبوظبي وباريس.. حوار الرموز
3 أغسطس 2011 22:08
بالرمز ودلالاته الواسعة، وبالأبيض والأسود المتحررين من قوالب الدلالات الفنية التقليدية، قررت الفنانة التشكيلية الإماراتية فايزة مبارك أن تجري حوارها الفني الجديد بين أبوظبي وباريس. هناك، على ضفاف السين أخذتها الفكرة إلى مدياتها الواسعة، اختبرتها فنياً بعد أن جالت في أفيائها معرفياً، وبعد أن قرأت وشاهدت وتتبعت شيئاً من رحلة الرمز في التاريخ الثقافي للإمارات، ذهبت إلى باريس لتبحث عن تجلياته أو بعضها في الثقافة الفرنسية، لتقابل هذا بذاك، وتخرج بمشروعها الجديد الذي عرضت شيئاً منه في باريس وتنوي التعمق فيه أكثر بعد عودتها إلى الوطن. رحلة إلى أرض الرمز تنطلق فائزة في مشروعها من أن “لكل أمة وثقافة وحضارة كياناً من الرموز يوازي كيانها السياسي كدولة، بل ربما يفوقه أحياناً في الأهمية، وإذا تتبع المرء التجارب الفنية المختلفة للدول فسيجد أن هذه الرموز الثقافية تجسدت في أعمال مبدعيها وفنانيها ليس فقط على المستوى التشكيلي، بل أيضاً الغنائي والمسرحي والروائي وغيرها من الأوعية الثقافية. وفي رحلتها الجديدة إلى أرض الرمز كانت فائزة مبارك تدرك، كما تقول، أن “الإبداع الرمزي عامل مهم وأساسي في إنتاج الأعمال الفنية، يثريها ويخصبها ويمدها بالمعاني والأفكار، وفي ترقي تجربة الفنان إذ يفتحها تعبيرياً على مناطق إبداعية جديدة”. لكن أي رمز سيقول فكرتها الجديدة ويحمل على ظهره عبء حوار الثقافات؟ تجيب فائزة: “البيئة الإماراتية غنية بالرموز الحضارية والثقافية والطقوس الاجتماعية، والفنان يجد نفسه محاطاً بها في أكثر من صيغة وشكل أدائي، وفي حال حدَّق جيداً سيقع على كنز ثرّ من الرموز التي بإمكانه أن يوظفها في عمله الفني، وهذا ما حاولت القيام به في مشروعي الأخير”. وفي محاولتها لفتح خريطة الرموز التراثية والثقافية الإماراتية قصدت فائزة مبارك الكتب التاريخية، والمواقع الميدانية، والمتاحف، والحكايات الشعبية، وتفرست طويلاً في حلي النساء وأشغالهنَّ اليدوية التي دسَسْنَ فيها رموزهنَّ وأسررْنَ لها بأسرار أرواحهنَّ وحفظن فيها قصصهنَّ مع الحياة، ساعية، حسب قولها، إلى أن “أجد المزيد من الرموز الإماراتية وأن أربط بينها وبين مدتها الزمنية المحددة وأماكنها وظروفها الاجتماعية. وقد لاحظت خلال البحث أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الكثير من هذه الرموز ورموز أخرى مشابهة في العالم العربي نتيجة للتبادل التجاري والاجتماعي الذي تم في الماضي، ما جعلني أفترض أيضاً أنني سأصادف بعض الخبرات المشابهة عند زيارتي متاحف باريس، مما قد يؤدي إلى إيجاد نسخة مطوّرة من الرموز وفقاً للسياق الذي تنشأ فيه والطريقة التي تُفسر بها، مع تطوّر الحضارة وتقدمها. كنت مسكونة بفضول عجيب يدفعني لمعرفة المعنى الذي حملته هذه الرموز وسارت به عبر التاريخ من جهة، ولمعرفة الكيفية التي ينظر بها كل من الإماراتيين والسائحين لها وللدور الذي تلعبه من جهة ثانية”. وتضيف: “خلال بحثي حول الرموز في الإمارات، وصلت إلى قناعة بأن الأشكال التي وجدتها منحوتة ومرسومة على الجدران والقدور، استخدمت على الأغلب للدلالة على الأحداث السابقة وتوثيقها؛ ذلك أن الكتابة التي نعرفها اليوم لم تكن قد “اكتُشفت” في ذلك الوقت؛ وشاع تمثيل الأشياء بالصور. وعندما ذهبت إلى باريس، عكفت على تجميع الأفكار التي ستساعدني في تأويل هذه الرموز، وفهمها في سياق تاريخي وفني ومن ثم توظيفها إبداعياً في مشروعي الفني”. وفي الاستوديو الذي خصص لها طوال شهري يونيو ويوليو الفائتين، وبذلك تكون أول فنانة إماراتية وخليجية “تقيم” في (المدينة العالمية للفنون في باريس - Cite International des Arts) عكفت على تحويل الرموز المرئية والرسائل الشفهية إلى أعمال فنية، وتقديمها كرسالة مرئية ضمن معرض شخصي وبتقنيات فنية لا تخلو من اللمسة الفرنسية. أبوظبي على ضفاف السين وعن المعرض الذي أقامته في قاعتين من أكبر قاعات الجاليري التي ترعاها المدينة العالمية للفنون، تقول: “لقي المعرض قبولاً من الجمهور والفنانين ومنظمي المعارض والإعلاميين، مما أدهش القائمين على المركز الفني الذين لم يتوقعوا مثل هذا الحضور، وذلك لحلول فصل الصيف والإجازات، كما وجد اهتماما من قبل وسائل الإعلام الفرنسية. وتلفت إلى الاهتمام الذي وجدته من قبل مؤسسة الإمارات والمعهد الفرنسي وسفارة الإمارات في فرنسا، حيث افتتح المعرض السفير الإماراتي سعادة محمد مير عبد الله الريسي بحضور رجال السلك الدبلوماسي والسفراء الدائمين لليونسكو، وبينهم السفير الدائم للإمارات في اليونسكو سعادة عبد الله النعيمي، منوهة إلى أنها وزعت خلال المعرض كتاباً عن مسيرتها الفنية ومشروعاتها بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والفرنسية. وعن سبب العنوان الذي حمله المعرض: “أبوظبي على نهر السين”، تقول: “الحقيقة أن هذا الاسم جاء لأكثر من سبب منها أن الاستوديو الذي أقيم فيه مواجه لنهر السين، فأردته شرفة ثقافية تطل منها أبوظبي ثقافياً على الثقافة الفرنسية. ولما كان النهر أمامي دائماً وأراه من شرفتي فقد كان يذكرني بشاطئ البحر في أبوظبي ويثير شوقي إلى مدينتي الغالية، فوجدت ثيمة الماء مشتركة بين المدينتين، وأحياناً كنت أشعر وأنا ارسم بأنني أسبح في مياه من الرموز العربية والفرنسية وأظن أن ظلالها موجودة في الأعمال، كما خطر لي أنني من خلال السين سأصل إلى الطرف الآخر من باريس، لاسيما أن الفرنسيين دهشوا من عباءتي التي أثارت لديهم تساؤلات كثيرة حول ثقافتنا. من هنا، شعرت وكأنني أبوظبي وعبر كل أفعالي وتنقلاتي كنت أشعر بأن مدينتي الحبيبة تنتقل معي على ضفاف السين. ذهبت فائزة إلى باريس وهي تمني النفس بتجربة إبداعية مختلفة، والدخول في طقس فني جمالي طازج يخرجها من أفق المعرض المحدود، ومن حصار الدائرة إلى ساحات المحترف الواسعة فعادت أكثر اتساعاً.. مؤسسة الإمارات حققت حلمي كانت فائزة، حسب قولها، تبحث عن متنفس فني مختلف يخرجها من تجربة أعمالها السابقة إلى تجربة جديدة ومغايرة، ومن ضيق المعرض إلى فكرة المتحف المفتوح. في البداية لم تكن الفكرة واضحة في أعماقها. كل ما كانت تسعى إليه أن تتنفس هواء فنياً طازجاً، وأن تطل على عوالم أخرى مغرية. لاحت لها فرنسا كخيار أول لأن لها تجربة سابقة فيها، حيث سبق لها أن أقامت فيها مشروعها الفني “حوار طير” الذي عبر من خلال طيرين: الصقر الإماراتي والدراجون الفرنسي عن فكرة حوار الثقافات والتبادل المعرفي... وبعد البحث والتقصي وجدت ضالتها في المدينة العالمية للفنون في باريس التي تحتوي على مركز لإقامة الفنانين. سارعت إلى جمع كل المعلومات المتعلقة به، والفنانين الذين تم ترشيحهم للإقامة فيه، وشروط الترشيح وغيرها من التفاصيل التي تهمها وحملت كل المعلومات التي بحوزتها، وسيرتها الفنية، ومعهما (حلمها) في إقامة ستوديو خاص في المركز إلى مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي راجية أن تطلق فكرتها من قفص الأمنية إلى سماء التحقق... الطريف أن سلوى المقدادي مديرة برنامج الثقافة والفنون في المؤسسة فوجئت بالفكرة، حيث كانوا بصدد إعداد عقد مع (Cite nternational des Arts) لكي يكون لدولة الإمارات العربية المتحدة استوديو فيها، وقد حدث.. وكان أول استوديو من نصيب فائزة مبارك، وإن أقامت في استوديو آخر لأن استوديو الإمارات في طور التجهيز.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©