الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أولاد أحمد..على فراش مرض أمّي لا يحسن القراءة ولا الكتابة

أولاد أحمد..على فراش مرض أمّي لا يحسن القراءة ولا الكتابة
30 يوليو 2015 22:32
ساسي جبيل (تونس) «أولاد أحمد في غيبوبة، أولاد أحمد يحتضر، أولاد أحمد مات مقتولاً، أولاد أحمد مات.. الحقيقة أنني لم أُجرّبْ، بعدُ، أيّا من هذه الميتات الأربع. عندما أموت سأعلمكم وربما أعلمتكم بعد موتي… قليلا من الصبر.. فقط». بهذه الكلمات التي كتبها على جداره (الفايس بوكي) ردّ الشاعر التونسي أولاد أحمد على إشاعة موته التي نشرتها وسائل إعلام وطنية تونسية وفي مواقع إلكترونية مختلفة. بدأ الشاعر رحلة علاجه «قد أموت شهيداً وقد لا أموت شهيداً.. هكذا قلت للصحفيِّ، وعدْتُ إلى البيتِ…أكتبُ هذا القصيدَ داخلَ المصعد الكهربائيّ قطٌّ، يجاورُني منذ عام، غداً نلتقي: قالَ، قلتُ : غداً ليسَ يوماً أكيداً ها هيَ الكلماتُ، والوقتُ أبْيضُ قان تُشيّدُ للموت عُشّيْن:عشا حديثٌا…وعشّا جديدَا أيها الطبُّ والربُ: لا تَتركاني، مع الذئب، وحْدي وإن شئتُما فدَعاني إلى وحْدتي… واحداً ووحيدَاً». بهذا النص الشعري القصير بدأ الشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد مسيرة علاجه في المستشفى العسكري في العاصمة تونس منذ شهور وسط تعاطف عدد من السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الدولة الباجي قايد السبسي الذي أمر شخصياً بالتكفل بمصاريف علاجه، لعل آخرهم وزير الثقافة الجزائري الذي زاره شخصياً. رحلة أولاد أحمد مع المرض اللعين قطعتها نصوص ثلاثة، لم يستسلم فيها لهذا الداء الذي وصفه بالأمّي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وإنما جمع أقلامه ليكتب بها نشيده الأخير على حد تعبير الأطباء الذين غمروه باهتمام خاص، والأصدقاء الذين يخرجونه من سجنه القسري بين الحين والآخر. ولد الشاعر عام 1955 في ريف خصب بـ سيدي بوزيد في الوسط الغربي التونسي، لينتقل إلى العاصمة طالباً ويستقر هناك، عرف بجرأته ووضوحه المتجاوز للوضوح أحياناً، وشكل وجيله حركة أدبية مختلفة منذ ثمانيات القرن الماضي انتهت بتأسيس أول بيت للشعر في الوطن العربي أداره بنفسه قبل أن تقرر وزارة الثقافة عزله ليتفرغ بعد ذلك للنشر متخلصاً من ربق الإدارة، كما عرف الشاعر بمقالاته المشاكسة والمخاتلة، وبمواقفه الطريفة في التناول والجريئة في الطرح. صاحب «نشيد الأيام الستة» و«ليس لي مشكلة» و«الوصية» و«تفاصيل»، و«جنوب الماء» وغيرها من الكتب الشعرية والنثرية، كان أعلن عن مرضه بنفسه بشكل مفاجئ قائلا: خُضْنا حروباً عدة ضد استبداد الإدارة واستبداد الدولة واستبداد النقد الأدبي واستبداد التأويل الديني، لم ننتصر بالكامل، ولم ننهزم بشكل حاسم، وها نحن الآن نخوض حرباً مع مرض أمّي.. لا يحسن القراءة والكتابة....لا نُحمّل المسؤولية لأحد من هذه البلاد التي أحببناها صباح مساء ويوم الأحد.. في انتظار أن تحبّنا هي بدورها..إذا وجدت يوماً شاغراً في أيام الأسبوع... شكراً لكل من استخبر وسأل وواسى...شكراً للطبيبات والأطباء». كما كتب في 16يونيو الماضي نصاً غارقاً في الحزن قال فيه: أُحبُّ ثلاثةً ماتوا: أبي والموتَ والشعرَ العظيمْ أُجلُّ ثلاثةً عاشوا: الحياةَ وبنْتَها ومُضارعَ الأفعال في النحو القويمْ أُطلُ على الحقيقة: «فوهةٌ جبليةٌ» لا الرملُ يُشْبعُها ولا الماءُ العميمْ أُقلُّ على السفينة نُسْختيْن منَ البلاد…وخيمة…أغفو بها…وأنا أُحلقُ، كالفراشة، في السديمْ ألحّ على الفواصل والنقاط لأنني لا حرف لي غير الفواصل والنقاط سماؤنا مشكولةٌ..أيضاً ولا لغة لها منذ القديمْ أعدّ طعام من يبكونَ حولي: صادقينَ وكاذبينَ وعاشقينَ وشامتينَ… وقارئ القرآن..لا أنساهُ يختصرُ الوثائقَ و»المُغيرَةَ» هكذا: ألفْ لامْ ميمْ أصرّ على اعتبارك نسخة أصلية مني وأني أنتَ بالتحديد…لولا فارقٌ في فهْم «جنات النعيمْ» أُقرُّ بأنهم طمعوا بما بَعْدَ الحياة فكانَ…أنْ عاشوا حياةً… كالجحيمْ!! أولاد أحمد الذي أطرب بشعره ونثره العميق يتوعد الموت، ولم يبال بالمرض الخبيث وهو في الستين من العمر، منتصراً للحياة، ومدوي الصوت ينشد قصيدته الأثيرة على النفوس التي يقول مطلعها: «نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد نحج إليها مع المغردين عند الصباح وبعد المساء ويوم الأحد» وهو بذلك يتحدى كل الأصوات الناعقة التي طالما كفرته، وهتكت عرضه ونصه وصنفته مارقاً في أكثر من مناسبة، على غرار معركته الشهيرة مع يوسف القرضاوي التي اتهمه فيها بالإلحاد في تسعينيات القرن الماضي، ووصلت إلى أروقة المحاكم كقضية رأي، تجند الشاعر لها بشراسة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©