الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صوت الضحية وحنجرة القاتل

20 أغسطس 2014 20:00
يمكن اعتبار الدور الذي أداه روبن ويليامز في فيلم: “صباح الخير فيتنام” (إنتاج 1988) واحدا من أهم وأفضل الأدوار التي تصدى لها مبكرا وظلت لصيقة به ويأعماله الاخرى، رغم كل التنويعات والابتكارات الأدائية التي قدمها في أفلامه اللاحقة. في هذا الفيلم الذي أداره المخرج الظاهرة باري ليفنسون ثمة ملمح سينمائي فريد تجب الإشارة إليه، وهو أن ليفنسون اختار السيناريو كهيكل عام وخارجي للفيلم، أما التفاصيل المشهدية والحوارات وردات فعل الشخصية الرئيسية فأوكلها جميعا لويليامز كي يملأ الشاشة بطاقته الأدائية، وقدراته الخاصة على الإرتجال واعتماد المفارقة والمحاكاة والتقليد وكوميديا الموقف التي أبدع سابقا في توليفها على مسارح الاستعراض الحي، كي تكون هي قوام وأساس الفيلم، واللافت أن هذا الفيلم لم يبن على استعراض تاريخ الشخصية الرئيسية فنحن لا نعرف أي شيء عن طفولة الشخصية أو أحلامها وطموحاتها والعقد التي يعاني منها والمصاعب التي تقف في طريقها، ولم يحتو الفيلم على إضاءات حول الحبكة الأصلية أو نقطة اللاعودة التي يجب على الشخصية أن تجتازها كي يقطع الفيلم مساره الدرامي المقنع وصولا إلى مشهد الختام. يؤدي روبن ويليامز هنا دور (أدريان كرونيوار) الجندي في سلاح الجو أثناء الحرب الفيتنامية والذي يكلف بالترفيه عن الجنود في مواقع القتال المختلفة من خلال تقديمه لفقرات فكاهية ومونولوجات ساخرة تبث إذاعيا لهؤلاء الجنود. وفي إحدى جولاته الخارجية والاستكشافية تتعطل سيارة المذيع كرونيوار في غابة فيتنامية نائية، حيث يبدأ في التخاطب مع وحدته العسكرية من خلال جهاز إرسال بحوزته، وعندما لا يجد ردا يبدأ في التعليق وبشكل فكاهي صارخ على تفاصيل المكان المحيط به، يصادف بعدها فتاة فيتنامية تعبر بالقرب منه فيسترسل في الحوار الساخر معها، دون أن تفقه منه شيئا، ثم يقرر الذهاب معها إلى القرية التي تسكنها وهناك يتعرف على الجانب الآخر المشوه لهذه الحرب المفروضة على أناس بسطاء ومسالمين أجبروا على الدفاع عن أرضهم وممتلكاتهم وسط صراعات سياسية وأيديولوجية بين قادة الحرب في فيتنام وأمريكا والتي يذهب ضحيتها هؤلاء الأبرياء دون ذنب ارتكبوه. يقرر المذيع هنا إيصال صوت هؤلاء الضحايا ويقوم بتعليم الفتاة الفيتنامية التي أحبها ومعها أفراد القرية بعض المفردات الإنجليزية بعد أن يتعاطف مع مأساة عائلتها، كما يساهم في الدفاع عن القرية في وجه عصابات إجرامية مسلحة تحاول الاستفادة من الفوضى الشائعة أثناء الحرب، ومع وصول الفيلم لمشاهده الختامية تتوضّح لدى المذيع بعض الجوانب الخفية لهذه الحرب القذرة والعبثية ويتحول إلى ناقد ومناهض لها بعد أن استشعر عن قرب كل الفظاعات والآلام المترتبة من هكذا صراعات وحشية تقوم على الجشع والأوهام السياسية المريضة. احتشد فيلم “صباح الخير فيتنام” بالكثير من الشخصيات الثانوية التي بدت للوهلة الأولى وكأنها محايدة وبريئة وخصوصا في الجانب الأميركي، ولكنها كشفت بالتدريج عن ردّات فعل شرسة وغير إنسانية لشخصيات معقدة ومهووسة، عندما يتعلق الأمر بالنظرة الدونية والعنصرية للعدو، بغض النظر إن كان الطرف المقابل هم من مجموعة من الفيتناميين المدنيين أو المحاربين في ساحة القتال، بينما كان الدور الذي أداه ويليامز في هذا الفيلم ملفتا من ناحية الانعطافة الدرامية لشخصية المذيع من النقيض إلى النقيض، حيث يتحول الحس التهكمي المفرط ضد الفيتناميين إلى حس إنساني وتفاعلي مع المأساة الكبيرة التي لمس جوانب عديدة منها شخصيا. استطاع ويليامز من خلال هذا الدور الاستثنائي الترشح لجائزتي الجولدن جلوب والأوسكار في السنة الني عرض فيها الفيلم، وكان أداؤه الناجح بمثابة انطلاقة مشجعة له ولمخرجي الصف الأول في هوليوود، كي يمنحوه المساحة الأدائية التي يستحقها، والتنقل بين ضفتي الكوميديا والتراجيديا في أفلام شاهدناها له خلال العقدين السابقين، وما زالت مشاهدها المضحكة والمؤلمة حاضرة ومؤثرة، وكأن روبن ويليامز ومن خلال هذا الشريط الطويل من المسرات والأتراح استطاع أن يستدرجنا لسحر السينما ودهشتها رغم المشهد الختامي المعتم الذي أنهاه بقرار شخصي غامض ومناقض لصورته المعتادة على الشاشة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©