السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأندلس في أبوظبي.. جادك الغيث

الأندلس في أبوظبي.. جادك الغيث
1 أغسطس 2013 01:14
فن المالوف في أبوظبي، ربما يكون هذا هو الحدث الأهم في المهرجان الرمضاني الثامن الذي استضاف فرقة شباب الأندلس المغربية المتخصصة في هذا اللون الغنائي التراثي الذي تشتهر به دول المغرب العربي، ضمن أمسيتين غنائيتين، لمتابعة جماليات أحد أنواع موسيقى الطرب الأندلسي. المهرجان نظمه نادي تراث الإمارات على مدار ثلاثة أسابيع، تحت رعاية سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس النادي. وقدمت الفرقة المكونة من خمسة عشر شخصاً نخبة من متون هذا الفن العريق في احتفاليتين أمام عدد كبير من جمهور العائلات والدبلوماسيين والمهتمين بألوان من الموسيقى التراثية والشرقية والطربية. وأبدى الجمهور إعجابا منقطع النظير بالإيقاعات الأندلسية العربية، التي بدا لنا من خلال حالة روحانية صوفية ولمحات معاصرة أنها تقفز على الحدود، لتخاطب جميع عشّاق الموسيقى العريقة الأصيلة، محتفية بقيم الانفتاح والتّلاقح الثقافي. يذكر أن فرقة (جوق) شباب الأندلس تأسست في مدينة الرباط المغربية في الثالث والعشرين من مارس عام 1987، كفرقة للهواة بمبادرة من مجموعة من الشباب يتقاسمون شغف التراث الأندلسي، وهاجس الحفاظ عليه، وبحسب مديرها الفني محمد أمين الدّبي، فإن الغرض من إنشاء هذه الفرقة جاء لتحقيق جملة أهداف أهمها: المحافظة على التراث الذي يحتوي على أكثر من مائة وعشرين ساعة من الغناء والعزف والقصائد والأشعار الملحنة، ومن ثم العمل على نشر هذا التراث حول العالم، والمحافظة على تقاليده ومفرداته. وفي عام 1993، انتقلت الفرقة من عالم الهواية إلى عالم الاحتراف بمساندة منشدها الرئيسي محمد باجدوب، وتضم الآن نحو خمسة عشر فنانا يقومون بالإنشاد والعزف، فيما قاد برنامج احتفالية المهرجان الرمضاني كل من: وهد رندة (آلة العود) وخالد فوج (آلة الربابة) وطه بيرو (آلة الكمان)، ومحمد كحكحني (آلة الدربوكة ـ الايقاع). وكان لظهور أعضاء الفرقة بالزّي التقليدي المغربي أثره الكبير في تشكيل اللوحة البصرية الدرامية على خشبة المسرح، حيث جاءت ألوان الملابس في مجموعها أكثر حذقا ورهافة ابتداء من (الجلابة المغربية) ذات اللون الأبيض الناصع، وأيضا (الطربوش) بلونه الأحمر المائل إلى اللون الخمري، مع تعزيز الأقدام بـ(البلغة) ذات اللون الأصفر، فبدت الشخصيات بهذه التوليفة اللونية مع دقة التصاميم وكأنها قد هجرت الدنيا الفانية وحدود الدنيوي، لتحلق في فضاء ووجدانيات الحالة الصوفية. برنامج الفرقة في إطار التعبير الموسيقي، ولتشكيل حالة روحانية خالصة، قدّمت الفرقة مقتطفات من بعض نوبات هذا الفن، منها نوبة رمل المايا، في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ونوبة المايا التي تحاكي واقع الإنسان في إطار مزيج غنائي يجمع ما بين الديني والدّنيوي، من خلال استثمار مجموعة من القصائد والأشعار بعد تهذيبها ضمن طبيعة الأسلوب اللحني الذي لا يخلو من إيقاعات معاصرة، تتوافق مع أسلوب موسيقي يجمع ما بين الموسيقى الغربية والعربية، والأشعار المرتبطة بالجانب الروحي الصوفي مثل الهمزية وبردة الإمام البوصيري. في التفاصيل، يقوم برنامج الفرقة على مبدأ الاستهلال الذي تقوم به الآلة الموسيقية، التي تمهد لبدء حالة الغناء ومن ثم الإنشاد، وجاء الاستهلال الأول من خلال مقطوعة موسيقية متكاملة، استخدمت فيها جميع الآلات الشرقية، ضمن ما يمكن أن نطلق عليه إصطلاحا (موسيقى الآلات)، وهي في الواقع موسيقى غنائية، أجادت الفرقة تقديمها كما نجحت في تهيئة الجمهور للتداخل مع امتدادات الحفل، التي استهلها منشد الفرقة محمد باجدوب، بأغنية بعنوان (بشرى هنية)، غلب عليها الأداء ذات الطابع الفردي، بمصاحبة الترديد الكورالي، في إطار مفهوم ثنائية الحوار لإبراز قيمة ومدلولات النصوص الدينية. نسائم الأندلس الاستهلال الثاني في برنامج الفرقة كان من أداء المنشد الرئيسي للفرقة محمد باجدوب بالموشح الأندلسي (جادك الغيث)، بمحتواه من حيث قمة اللحن ضمن عناصر الاتساع والتنويع، وكان لافتا أن يبدأ باجدوب الموشح بموال طربي شرقي ممهد للدخول إلى أبيات الموشح: جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس إذ يقود الدّهر أشتات المنى ننقل الخطو على ما ترسم وقد أضاف المنشد إلى أجواء الموشح حالة من التلوين بالنغمات الصوتية لإظهار تداعي الأفكار والأحاسيس. وجادك الغيث هي جملة دعائية، يدعو فيها الشاعر بالسقيا والخير لزمن الوصل الذي أجتمع فيه شمل الأحبة، وكما يبدو فإن المنشد يعيدنا إلى زمن المجد العربي في الأندلس، متذكرا دعاء الشاعر لتلك الأيام السعيدة التي قضاها في غرناطة بالسقيا كلما سقط المطر، على عادة القدامى حينما كانوا يدعون لأرض المحبة بذلك، وقد تصور الشاعر زمان الوصل أرضا يسقيها المطر. لكن ربما يكون الاستهلال الأكثر تأثيرا في الجمهور، هو تلك الحوارية الدرامية التي قدمها المنشد بدون الأداء الجماعي بعنوان (يا قاضي العشاق) التي لا تخلو من الإيقاع الابتهالي، إلى جانب إظهاره لمهارته الفائقة في جذب الجمهور إلى داخل الحالة الغنائية، التي تم لتشكيلها استخدام (التصميم الدائري) وفيه تتوالد الأشعار مع الجمل اللحنية، ولنرى بنية هذه الأبيات الشعرية المتعددة المستويات والمشاهد في إطارها الحواري: أتيت لقاضي العشاق وقلت يا قاضي العشاق أحبّتي جفوني وقالوا أنت في الحب مدّعي يا قاضي العشاق أنا عندي شهود أولا سهادي وذلّي وإكتئابي ووجدي وسقمي وأصفراري ودمعتي يا قاضي العشاق ومن عجبي أنّي أحن اليكم وأسأل شوقا عنهم وتبكيهم عيني وترجو بسوادها وتشكو البعد وأنتم بين أضلعي وإن سجنتموني في سجودي دخلت عليكم بالشفيع المشفّع اشتمل برنامج الفرقة أيضا على أداء عال القيمة والمستوى بعنوان (يا شمس العشية) تحت إطار الابتهالات الدينية، كذلك ترنيمة محلقة في الفضاء الروحاني الصوفي بعنوان: (الحب بلاء والعشق سم قاتل)، مع اختتام رائع في مديح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بعنوان (اللهم صلّي على المصطفى): أنا جرح قلبي ليس يبرا كيف يبرأ وداخل القلب جمرا كتب الجمال فوق خديك سطرا بيّن واضح لمن ليس يقرا لو رآه المحب أبكاه عمرا أنا لو مت فأحفروا لي قبرا عند دار الحبيب ولو كان شبرا واكتبوا من دموع عيني شبرا رحم الله عاشقا مات صبرا اللهم صلي على المصطفى حبيبنا محمد عليه السلام. ساعتان استثنائيتان ربما تجدر الإشارة إلى أن قيمة هذا الحفل تتأتى من نوع الثقافة الموسيقية التي أرساها بين الجمهور، الذي عاش ساعتين إستثنائيتين مع المنشد المتميز محمد باجدوب (مواليد عام 1945 في مدينة آسفي الساحلية بالمغرب)، الذي حمل على كاهلة المساحة العظمى من البرنامج بقوة وعذوبة صوته، وتعدد نغماته، ومقدرته ومهارته في التواصل مع الجمهور، بإعتباره واحدا من خيرة المنشدين في منطقة المغرب العربي، وأحد أهم أصوات الطرب الأندلسي في الوطن العربي. ولمزيد من التعريف به فقد أبدى في سن مبكرة اهتماما كبيراً بالموسيقى الثراثية، الأندلسية منها على وجه الخصوص. وكانت الزاوية هي أولى محطاته، حيث تلقن أسس الإنشاد الديني. في مطلع الستينات، تتلمذ على يد مشايخ من أمثال سيدي سعيد القادري بمدينة سَلاَ ومحمد الطبايق بمراكش. سنة 1963 تعرف على الأستاذ الحاج إدريس بن جَلُّون رئيس جمعية هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب الذي قدمه بدوره سنة 1968 إلى عبد الكريم الرايس، رئيس جوق البريهي المشهور. فكان أن شجعه كل هؤلاء الأساتذة على تنمية موهبته خصوصاً في فن الموال، مما جعل منه منشدا متميزا. وفي الواقع أن هذا الفن الذي تهتم به معظم دول المغرب العربي، هو نوع من أنواع الموسيقى الأندلسية الذي جرى تطويره وتهذيبه، من خلال العديد من الفرق الموسيقية في تلك الدول، وعلى وجه الخصوص: المغرب، تونس، الجزائر. ولعلها في التقدير من أنسب أنواع الموسيقى التي تنسجم مع روحانية شهر رمضان الفضيل، حيث تعرف في المغرب العربي على أنها نوع من الموسيقى الكلاسيكية في الشكلين الدنيوي والديني، المتصل بالمدائح الدينية (الصوفية). وفي هذا الاطار، يمكن اعتبارها الوريث الشرعي للموسيقى التي كانت تعزف وتمارس في إسبانيا قبل الفتح، وكذلك لدى البربر في شمال أفريقيا، والتقليد الموسيقي العربي في بغداد في القرن التاسع، وكان هذا الفن المخملي الرفيع يمارس في غرناطة وإشبيليا وقرطبة، بفضل إهتمام أبو الحسن علي بن نافع، المعروف بـ(زرياب)، مرتبطا في بعض الأحيان بإيقاع المدائح، ليستقر هذا اللون من الغناء والموسيقى في بلاد المغرب العربي، ربما لأسباب جغرافية، وربما لأسباب تتعلق بالاجتهاد المحلي والانجذاب نحو روعة هذه الموسيقى وما تحمله من طابع شرقي أصيل. تتكون المادة النغمية والنظمية للمالوف من القصائد الشعرية والموشحات والأزجال والدوبيت والقوما، مع ما أضيف إليها من إيقاعات ولمسات نظمية محلية، جمعت بينها دائرة النغم والإيقاع، وما تمت استعارته من نصوص وألحان مشرقية، حتى أصبحت له الآن فرق موسيقية، ربما يكون ظهورها الأقوى في المناسبات الدينية مثل شهر رمضان ومناسبة المولد النبوي الشريف ومواكب زوايا الطرق الصوفية، وحفلات الزفاف التقليدية وفي بعض الأحيان يؤدون هذا اللون من الفن في تشييع جنازات شيوخ الزوايا الصوفية ومريديها، بنصوص في إيقاعات جنائزية حزينة عرفت منذ زمن بعيد بـ(الششتري) نسبة لأبي حسن الششتري، الزّجال الأندلسي المتوفى سنة 666 هـ. بعد إن انتقل تراث هذا الفن إلى بلاد المغرب العربي التي عملت على المحافظة على مفرداته وتقاليده الموسيقية، ضمن إطار محدد من التطوير المعاصر والتهذيب الفني الذي يحافظ على هذا الإرث الموسيقي المتجذر في حضارة الاندلس، وبخاصة في غرناطة التي كان للعرب فيها أمجاد من الابداع في شتى الفنون. آلات وأسماء لقد كنا في الحقيقة على موعد لمتابعة لون فني تراثي متجدد، يوصف بأنه أحد أنواع الطرب الأندلسي التي نشأت في المجتمع الأندلسي، وهو مصطلح يطلق كما ذكرنا على الموسيقى الكلاسيكية بالمغرب العربي الكبير، وهو على صلة وثيقة بالروح الصوفية، كما أن أسماءه تختلف من منطقة إلى أخرى، فهو (الآلة) في المملكة المغربية، و(الغرناطي) في كل من مدن: سلا، وجدة، تلمسان في نواحي غرب الجزائر، و(الصنعة) في العاصمة الجزائرية، والمالوف في قسنطينة وتونس وليبيا، ولكن هذه الأشكال والأنواع كلها ترجع إلى أصول واحدة ـ أي الموسيقى الأندلسية ذات السحر الشرقي المعهود. وبقيت إشارة مهمة إلى الآلات الموسيقية المستخدمة في عزف وأداء المالوف، منها آلة (الغيطة)، وهي آلة نفخية، وآلات رقية تصنع من جلود الماعز ومنها على سبيل المثال آلة (النوبة) وتستخدم في الموكب المولدي، وتحل محلّها داخل الزاوية ما نعرفه بإسم الطبلة أو الدربوكة وهناك أيضا آلة (الطار) ويسمونها بـ(الندير العيساوي)، وهناك أيضا آلة (النقرة) وآلة (الناي) مضافا إليها جميعا نخبة من الآلآت الوترية، منها: العود، الكمان، القانون ومعها الربابة والدفوف، والرق الشرقي، وجميعها على وجه التقريب تصنع لنا ذلك المذاق الخاص لفن (النوبة)، وهو أحد أهم أركان المالوف، حيث تؤدى (النوبات) كما هو معروف بمجموعات موسيقية مصغّرة شبيهة بما يعرف بـ(التخت الشرقي)، وهو أكثر الأشكال إلتصاقا بالموسيقى التراثية الكلاسيكية الأصيلة. دون أن ننسى في السياق أن الموسيقى الأندلسية بوجه عام تحتل مكانة خاصة في التراث المغربي، بل وتحظى باحترام كبير لدى المغاربة، حيث امتزج فيها دون أنواع الموسيقى الأخرى، الطابع الديني بالطابع الفني وهوية المكان التاريخي، ليمنحنا في النهاية أنغاما وموسيقى ذات طابع خاص وذات لون ونكهة فيها الصبغة الشرقية، فقد تعاطى لهذا اللون الموسيقي العلماء ورجال التصوف ورجال السياسة الذين كانوا يعجبون بهذه الموسيقى الشاعرية، فكان رواده يجمعون ما بين الحس الفني والوقار الذي يستمدونه من وضعيتهم الدينية. قسنطينة الجزائرية.. عاصمة المالوف تعتبر مدينة قسنطينة الجزائرية عاصمة المالوف بفنانيها وفرقها ذات الصيت العالمي. وفي هذه المدنية يتفرع الملوف لعدة طبوع كالعيساوة والفقيرات والوصفان... وتنقسم الموسيقى العربية الأندلسية في الجزائر إلى ثلاث مدارس: المدرسة التلمسانية حيث نجد الغرناطية أب الحوزي (غرناطة)، المدرسة العاصمية حيث نجد الصنعة أب الشعبي (قرطبة)، وأخيرا المدرسة القسنطينية حيث نجد المالوف أب المحجوز(اشبيليا). وتذكر المصادر التاريخية إن البربر هم من نقل موسيقى المالوف من الأندلس إلى دول المغرب العربي وحافظوا عليها، لذلك لم تمتد إلى بلاد الشام والجزيرة العربية. ويعتقد الكثيرون بأن غناء المالوف يؤدى بنفس الطريقة في جميع مناطق المغرب العربي الكبير (ليبيا، تونس، الجزائر) بيد أن نظرة أهل الإختصاص والعارفين به تكشف الفروقات الكثيرة بين المالوف القسنطيني بالجزائر والمالوف التونسي والمالوف الليبي، حيث لكل منهم طبوعه وقوانينه الخاصة به. ويعتبر البعض قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري رائدة في هذا النوع الموسيقي (المالوف) بفنانيها وفرقها المعروفة، كما أن المالوف القسنطيني يتفرع بدوره في هذه المدينة لعدة طبوع منها العيساوة كذلك ما يعرف بالفقيرات والوصفان. وبأن أوجه التقارب والاختلاف بين المالوف التونسي ونظيره القسنطيني يلتقيان في التسمية وفي النصوص فقط لأنها مستمدة من الموشحات أما فيما يخص الطبوع والإيقاعات فالنوبة التونسية تختلف تماما عن النوبة الجزائرية المعروفة في الشرق الجزائري. كما أن المالوف القسنطيني يحوي الحركات الخمس للنوبة وهي المصدر البطايحي والدرج والانصراف والخلاص، أما في تونس فهناك تسميات وإيقاعات أخرى حيث أن المالوف في الشرق الجزائري (قسنطينة) جاء نتيجة اجتهاد محلي لإيجاد طابعه الخاص لأن جغرافيتها بعيدة نسبيا عن أعرق مدرسة وهي تلمسان التي تشترك معها في بعض الإنصرافات فقط.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©